ساوباولو – تعيش فنزويلا ومنطقة الكاريبي واحدة من أكثر لحظات التصعيد حساسية منذ سنوات، في ظل حشد بحري أميركي متزايد، وانقسام إقليمي واضح، وأزمة سياسية واقتصادية خانقة داخل البلاد.
وبينما تتهم واشنطن حكومة نيكولاس مادورو بالاتجار بالمخدرات وانتهاك المسار الديمقراطي، يربط محللون فنزويليون هذا التصعيد بسعي إدارة دونالد ترامب إلى إعادة رسم موازين القوى في أميركا اللاتينية، في مواجهة تمدد النفوذ الصيني والروسي.
وفي حديث مع الجزيرة نت، يشير المنسق النقابي والقيادي السابق في جيش التحرير الوطني الكولومبي بيدرو لوندونيو، إلى عدة عوامل تؤثر في الأزمة التي تمر بها فنزويلا:
إحداها هي الأزمة التي يعاني منها الاقتصاد العالمي منذ عام 2008 التي لا تزال بلا تعافٍ. وعامل آخر هو ما قامت به الولايات المتحدة من مصادرة موارد نفطية لفنزويلا، التي كانت لها محطات توزيع وقود في الولايات المتحدة وتمت مصادرتها جميعا. إضافة إلى فرض عقوبات اقتصادية تمنعها من التفاوض في السوق العالمية.ويعتبر لوندونيو أن هذا كله تفاقم بسبب نقص الصيانة في البنية التحتية النفطية كالمصافي وأنابيب النفط وغيرها، مما أدى إلى وصول البلاد إلى أدنى مستويات إنتاجه؛ ففي عام 2008 كانت فنزويلا تنتج نحو 2.4 مليون برميل يوميا، لكنه انخفض في عام 2020 إلى أقل من 400 ألف برميل يوميا، أما اليوم فقد بدأ الإنتاج بالتحسن ليصل إلى نحو 1.1 مليون برميل يوميا.
خلفيات الأزمة
وفي حوار مع الجزيرة نت، يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة ولاية سوليا الفنزويلية روبيرتو لوبيز سانشيز، إن اتهام نظام مادورو بالاتجار بالمخدرات ليس السبب الحقيقي وراء التهديدات العسكرية الأميركية، كما أن اتهامه بتزوير الانتخابات التي جرت في 28 يوليو/تموز 2024 لا يشكل الدافع الجوهري لهذا الموقف.
ويرى سانشيز أن ترامب لم يُظهر يوما اهتماما حقيقيا بالدفاع عن القضايا الديمقراطية حول العالم، وأن السبب الفعلي يكمن في رغبته بتعزيز نفوذه في دول أميركا اللاتينية التي طورت خلال العقود الأخيرة علاقات اقتصادية وثيقة مع الصين وقوى غير غربية أخرى مثل روسيا والهند وتركيا وإيران.
إعلان
ويتابع سانشيز "يسهم خطاب نيكولاس مادورو المعادي للإمبريالية والغرب الموروث من الرئيس الراحل هوغو تشافيز في تأجيج التوتر، خصوصا بعد السخرية العلنية والمتكررة التي وجهها مادورو لترامب واصفا إياه بـ"ذو الشعر المستعار" و"الجبان"، الأمر الذي جعل النظام الفنزويلي يبدو كأبرز تهديد للهيمنة الأميركية في القارة".
وبرأي المحلل، يبدو أن ترامب لا يستهدف فعليا مكافحة تهريب المخدرات؛ إذ إن المسار الرئيس لهذه التجارة يمر عبر المحيط الهادي لا عبر البحر الكاريبي. ويقول إن هدفه الحقيقي هو تغيير النظام، والإطاحة بمادورو لتحقيق نصر سياسي وتوسيع نفوذه في المنطقة.
ومن ناحية أخرى، يعتبر النقابي لوندونيو أن الأزمة التي تمرّ بها فنزويلا اليوم لها علاقة كبيرة بحكومة مادورو الحالية والسياسات التي نفّذتها؛ "فليس سرا أن هذه الحكومة انتُخبت في انتخابات لم تكن واضحة جدا، رغم أن التيار التشافيزي كحركة سياسية لديه الكثير من الأنصار، ليس فقط في فنزويلا، بل في العالم أيضا".
مواجهة محتملة
وحول احتمال نشوب حرب شاملة في منطقة الكاريبي، يقول الأكاديمي سانشيز إن احتمال نشوب مواجهة عسكرية مباشرة بين الولايات المتحدة وفنزويلا لا يبدو قويا، نظرا للفارق الهائل في القوة النارية كما ونوعا بين البلدين. فأي هجوم أميركي على فنزويلا سيؤدي سريعا إلى هزيمة القوات المسلحة الفنزويلية وإسقاط حكومة نيكولاس مادورو. ويبقى هذا الخيار يبقى مستبعدا إلى حد كبير، بسبب تكلفته المادية والسياسية الباهظة.
من ناحية أخرى، يقول سانشيز إن ترامب سعى إلى الظهور أمام العالم بمظهر الداعم للسلام في معظم النزاعات الدولية، وسيكون من المتناقض جدا أن يشن حربا جديدة في فنزويلا حتى لو كانت قصيرة الأمد.
وبحسب المحلل، فإن الحشد العسكري الأميركي في الكاريبي يهدف أساسا إلى ممارسة أقصى قدر من الضغط على القيادة العسكرية الفنزويلية، ودفعها إلى الإطاحة بمادورو بنفسها من دون تدخل مباشر من الجيش الأميركي. أما احتمال التوصل إلى حل تفاوضي، فيبدو محدودا طالما بقي مادورو في الرئاسة، إذ تشير الدلائل إلى أن بقاءه في السلطة ليس خيارا مقبولا بأي صيغة بالنسبة لإدارة ترامب.
وبحسب لوندونيو، فإن كل هذه المناورات العسكرية تهدف إلى غاية واحدة: الضغط على حكومة مادورو لمنح الولايات المتحدة شروطا أفضل لاستغلال الموارد الطبيعية الموجودة في البلاد، التي تُمنح اليوم للصين وروسيا.
ولهذا، يرى لوندونيو أن هناك احتمالا ضئيلا لتدخل عسكري مباشر أو غزو كما حدث في بنما أو العراق أو أفغانستان، خاصة أن هذه الغزوات لم تكن ناجحة بالنسبة للأميركيين، والدليل الحرب في أفغانستان، حيث اضطروا إلى الانسحاب وترك الحكم لحركة طالبان.
وفي الحالة الكولومبية، يشير لوندونيو إلى وجود جماعات مسلحة ستكون مستعدة لعبور الحدود ووضع نفسها بشكل غير مشروط تحت أوامر حكومة مادورو، "لكن لا يمكن استبعاد احتمال تدخل عسكري، وهو ما قد يخلق أزمة في القارة كلها".
مواقف دول الجوار
وحول تفاعل دول الجوار مع تصاعد التوتر بالكاريبي، يقول سانشيز إن حكومة مادورو لا تحظى بدعم حقيقي من الدول المجاورة، باستثناء كوبا ونيكاراغوا. أما دول الكاريبي مثل ترينيداد وتوباغو وجمهورية الدومينيكان وغيانا وغيرها، فتتجه عموما إلى تأييد الحشد البحري الأميركي.
إعلان
من جانب آخر، يضيف سانشيز "لم تعترف كل من البرازيل وكولومبيا بفوز مادورو في انتخابات 2024، وقد عرضتا التوسط في الأزمة، لكن دون نتائج ملموسة حتى الآن".
ويعتبر أن استمرار مادورو في الحكم، وتفاقم الأزمة الداخلية، يعنيان بالضرورة استمرار تزايد موجات الهجرة الفنزويلية نحو الدول المجاورة خصوصا كولومبيا والبرازيل، مما يفاقم الأعباء الناجمة عن موجة الهجرة الضخمة خلال العقد الأخير، التي تجاوزت 8 ملايين فنزويلي.
أمريكا وفنزويلا.. تصعيد مستمر بسيناريوهات مواجهة متعددة | #تقرير: فرح الزمان شوقي#الأخبار pic.twitter.com/Tc6zw5TIoS
— قناة الجزيرة (@AJArabic) November 25, 2025
وفيما يتعلق بالحلول المطروحة للأزمة، يشير سانشيز إلى الحديث عن استقالة مادورو، أو الاعتراف بالنتائج الحقيقية لانتخابات 2024، أو تنظيم انتخابات رئاسية جديدة بضمانات كاملة للمعارضة المحظورة حاليا.
غير أن حكومة مادورو، كما يقول المحلل، لم تُبدِ أي اهتمام فعلي بحل تفاوضي، واقتصر خطابها على إعلان استعدادها للتفاوض مع ترامب، لكن دائما على أساس استمرار النظام الحالي في السلطة.

0 تعليق