Published On 27/11/202527/11/2025
|آخر تحديث: 13:03 (توقيت مكة)آخر تحديث: 13:03 (توقيت مكة)
تشهد العاصمة الأفغانية كابل منذ شهور ورشة عمرانية مفتوحة تتمثل في إعادة إنشاء وتعبيد عشرات الطرق الرئيسية والفرعية، في أحد أضخم مشاريع البنية التحتية التي تُطلقها بلدية كابل منذ تغيّر المشهد السياسي في أفغانستان عام 2021.
وبينما تؤكد الحكومة أن المشروع يهدف إلى تحسين حركة المرور وتحديث وجه العاصمة، تنشغل الأوساط الشعبية والخبراء بتقييم تداعياته الاقتصادية والاجتماعية، وسط تساؤلات عن قدرته على الصمود في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها البلاد.
كابل.. مدينة تختنق بالازدحام
وعانت كابل خلال السنوات الماضية من تدهور حاد في شبكة الطرق نتيجة الصراعات المتتالية وغياب الصيانة وضعف التخطيط العمراني.
ومع تضاعف عدد سكان المدينة خلال عقدين تقريبا، ازداد الضغط على الشوارع التي لم تعد قادرة على استيعاب الملايين من السيارات التي تتحرك يوميا بين أحيائها.
ويقول مهندس النقل عبد الله حبيبي للجزيرة نت إن "أغلب طرق كابل عبدت قبل 3 عقود، ووصل عدد السيارات المسجلة في كابل نحو مليون سيارة، وقد صُممت العاصمة لاستيعاب ربع عدد السيارات الحالي".
ويضيف أن "أي إصلاحات حقيقية يجب أن تشمل التوسعة، وتغيير البنية التحتية للصرف، وتحسين الانحدارات، وإنشاء أنفاق وجسور في النقاط الخانقة، وليس مجرد رصف سطحي".
تفاصيل المشروع الجديد
يقول المتحدث باسم بلدية كابل قاري زاهد للجزيرة نت إن "برنامج إعادة تعبيد الطرق في مرحلته الحالية يستهدف أكثر من 450 كيلومترا من الشوارع الرئيسية في العاصمة كابل، ووضعنا خطة شاملة لتحسين صورة العاصمة كابل، وتشمل هذه المشاريع:
إعادة رصف كامل للشوارع والطرق. توسعة مسارات المرور في عدد من الشوارع الرئيسية. بناء شبكات صرف حديثة لمنع تراكم المياه في موسم الأمطار. تركيب إنارة موحدة تعتمد على الطاقة الموفِّرة. تخطيط ممرات للمشاة ووضع إشارات مرورية جديدة.إعلان
ويضيف زاهد أن "المشروع يجري بتمويل حكومي مباشر وبتكلفة 122 مليون دولار أميركي، مع الاستعانة بمهندسين محليين وشركات أفغانية، والاعتماد على الخبرات المحلية جزء من سياسة خفض التكاليف وبناء القدرات، وتعمل بلدية كابل في أكثر من 400 مشروع بناء الطرق والجسور".
سكان كابل بين الترحيب والقلق
ومنذ بداية المشروع، تتردد في شوارع كابل أصوات متفاوتة بشأن خطة بلدية العاصمة لتحسين صورتها. فقد استقبل كثيرون الخطوة بارتياح كبير، في حين عبّر آخرون عن مخاوف من تأثير الإغلاقات المؤقتة وتقطع الطرق على أعمالهم اليومية.
ويقول حياة الله نوري، وهو سائق أجرة يعمل وسط المدينة، للجزيرة نت: "نعاني الزحمة منذ سنوات، والطرق المتهالكة تتسبب بأعطال السيارات وخسائر كبيرة. الإصلاحات مهمة جدا، لكن المشكلة أن الشوارع البديلة محدودة، مما يجعل التنقل خلال فترة البناء أكثر صعوبة".
أما صاحب المتجر رحيم ناصري فيقول للجزيرة نت إن "المدينة بحاجة إلى تغيير جذري في مظهرها، وإن الاستثمارات في الطرق ستعود بالنفع على الجميع، لكنّ تنفيذ الأعمال بسرعة وجودة هو العامل الحاسم في نجاح الخطة".
تطويق العاصمة كابل وتحدي التمويل
ورغم الترحيب الشعبي النسبي، يواجه المشروع تحديات كبيرة، أبرزها التمويل في ظل اقتصاد يتعرض لضغوط شديدة. فقد شهدت أفغانستان تراجعا في المساعدات الدولية وتقلصا في الدورة الاقتصادية، مما يجعل مشاريع البنية التحتية عرضة للتوقف أو التأخر في حال غياب مصادر تمويل ثابتة.
ويرى الخبير الاقتصادي عبد الكريم شريف في حديثه للجزيرة نت أن تطوير البنية التحتية ينشط الاقتصاد عادة، لكنه يتطلب استدامة مالية وإدارية، فإذا لم تتوفر ميزانية طويلة الأمد لصيانة الطرق بعد بنائها، فإنها ستعود إلى التدهور خلال سنوات قليلة.
ويضيف شريف أن نمو الحركة التجارية في العاصمة يعتمد بشكل مباشر على كفاءة الطرق، خصوصا في ظل غياب شبكة نقل عام فعالة.
ويتابع أن "ممرات الشحن وأسواق الجملة ومحطات النقل.. كلها تعتمد على سهولة الحركة بين شرق المدينة وغربها، وبين وسطها وضواحيها، مشيرا إلى أن "تحسين الطرق قد يرفع مستوى النشاط التجاري بنسبة قد تصل إلى 18% خلال السنوات الثلاث المقبلة إن استمر العمل وفق خطط مدروسة".
أبعاد سياسية واجتماعية
وإلى جانب البعد الاقتصادي، تحمل مشاريع تأهيل طرق كابل رسائل سياسية واضحة، خصوصا في سعي الحكومة إلى تقديم صورة مدينة مستقرة تتجه نحو إعادة الإعمار. فمشاهد الآليات الثقيلة والعمال المنتشرين في الشوارع تعطي انطباعا عن إدارة تسعى إلى تثبيت حضورها عبر مشاريع ملموسة تمسّ حياة الناس اليومية.
وتقول الباحثة الاجتماعية ليلى فايز للجزيرة نت إن "تحسين الطرق ليس مجرد خطوة خدمية، بل يحمل تأثيرا نفسيا ومعنويا على السكان. عندما يشعر الناس بأن مدينتهم تتحسن، يزداد الانتماء إليها وتقلّ مشاعر القلق بشأن المستقبل".
وتشير فايز إلى حاجة العاصمة لرؤية شاملة تشمل النقل العام، وتطوير الحدائق والمساحات العامة، وتنظيم الأسواق العشوائية التي تحتل الأرصفة، لأن الطرق وحدها لا تكفي لتغيير المظهر الحضري للمدينة.
مستقبل كابل
يرى خبير التنمية العمرانية عبد الكريم جواد -في حديثه للجزيرة نت- أن كابل تقف عند مفترق طرق بين ماضٍ طويل من التدهور ومستقبل تطمح فيه لتكون مدينة أكثر تنظيما وحداثة. ومع ذلك، يبقى نجاح المشروع مرهونا بعدة عوامل:
إعلان
استدامة التمويل وعدم توقف المشاريع في منتصف الطريق. الحفاظ على جودة التنفيذ بما يضمن بقاء الطرق لفترة طويلة دون أن تتدهور. وجود خطة صيانة دائمة تُنفّذ بشكل دوري. دمج المشروع في رؤية حضرية أوسع تشمل النقل العام والبنية البيئية والخدمات.ويرى المؤرخ الأفغاني كريم زدران في حديثه مع الجزيرة نت أنه: "لم يمر على بلدية كابل شخص مثل المولوي عبد الرشيد بلوش، حيث تمكن خلال 4 سنوات من تحسين صورة العاصمة بتمويل حكومي وبإشراف مباشر منه".

0 تعليق