أربيل- تعرض حقل كورمور للغاز في قضاء جمجمال بمحافظة السليمانية، ليلة أمس الأربعاء، لهجوم من جهة غير معروفة، ما أدى إلى توقف إنتاج الغاز وانقطاع الكهرباء عن مناطق واسعة في إقليم كردستان العراق. وأدان مسؤولون في الإقليم والحكومة الاتحادية في بغداد الهجوم.
وقالت وزارتا الموارد الطبيعية والكهرباء، إن الحقل تعرّض في الساعة 23:30 بتوقيت بغداد لهجوم بطائرة مسيّرة استهدفت خزانات الغاز، ما تسبب في انفجار وحريق كبير قبل السيطرة عليه. وأكدتا العمل بالتعاون مع شركة "دانة غاز" الإماراتية لمتابعة ملابسات الحادث واستعادة الوضع الطبيعي.
من جانبها، أوضحت قيادة العمليات المشتركة العراقية أن الهجوم أدى إلى احتراق أحد الخزانات الرئيسة في هذا الحقل المهم، دون خسائر بشرية، واعتبرته "عملا إرهابيا خطرا يعرقل جهود ترسيخ الاستقرار الأمني والاقتصادي".
ردود فعل
كما أدان نيجيرفان البارزاني، رئيس إقليم كردستان، الهجوم، وقال في بيان رسمي "أدين بشدة الهجوم الإرهابي الذي استهدف الليلة الماضية حقل كورمور. هو يستهدف البنية التحتية الاقتصادية والخدمات العامة في العراق وكردستان، وهو تهديد مباشر لأمن واستقرار البلاد. إنها مهمة ومسؤولية الحكومة الاتحادية والمؤسسات الأمنية لبذل جهود جادة لمحاسبة مرتكبي الجريمة ومنع تكرارها".
من جهته، وصف مسرور البارزاني، رئيس حكومة الإقليم، الهجوم بـ"الجبان"، مطالبا الحكومة الاتحادية بـ"ملاحقة الجناة وتقديمهم للعدالة"، ومحذرا من "السماح للإرهابيين بتكرار جرائمهم أو إطلاق سراحهم بكفالة كما حدث سابقا". كما دعا شركاء الإقليم الأميركيين والدوليين إلى توفير منظومة دفاع جوي لحماية المنشآت الحيوية.
وتلقى مسرور البارزاني اتصالا هاتفيا من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني الذي أدان الحادث واستنكره بأشد العبارات، واعتبره "هجوما على العراق بأكمله". وأكد السوداني أن لجنة تحقيق مشتركة ستباشر مهامها في أقرب وقت للكشف عن المنفذين والقبض عليهم وتقديمهم للعدالة.
إعلان
وفي بيان له، قال رئيس حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بافل طالباني، إن "الهجوم الإرهابيّ على حقل كورمور الغازي أمر مرفوض، وندينه بشدة، إذ يهدف إلى الإضرار بمعيشة مواطنينا في إقليم كردستان والعراق، وتقويض الاستقرار في بلدنا"، مؤكدا أن السلاح يجب أن يكون بيد الدولة فقط، "أما المليشيات التي تعمل خارج سيادة القانون فيجب حلها ووضع حد لوجودها".
وأعلنت شركة "دانة غاز"، التي تدير الحقل، في بيان رسمي، أن "مستودعا لتخزين الغاز السائل في حقل كورمور استُهدف بصاروخ"، مؤكدة عدم وجود إصابات في صفوف الموظفين. وأضافت "أُوقفت عمليات الإنتاج لإخماد الحريق وإجراء تقييم للوضع، ونواصل التنسيق المستمر مع السلطات المحلية، وسنزود السوق بمزيد من المعلومات عند توفرها".
وفي منشور على منصة إكس، قال مبعوث ترامب الخاص، مارك سافايا، إن "مجموعات مسلحة تعمل بشكل غير قانوني ومدفوعة بأجندات خارجية معادية شنت أمس هجومًا على حقل كورمور للغاز، ما يهدد استقرار قطاع الطاقة الحيوي في إقليم كردستان والعراق ككل. وأكدت الولايات المتحدة ضرورة تحديد المسؤولين عن هذا الهجوم ومحاسبتهم، مشددة على أن العراق السيادي لا مكان فيه لمثل هذه المجموعات المسلحة".
وأضاف سافايا أن الولايات المتحدة تدعم كردستان قوية ضمن عراق موحد ومستقر، مشيرًا إلى أهمية تعميق التعاون الأمني بين بغداد وأربيل لحماية البنى التحتية الاقتصادية والطاقة ومنع أي تهديدات مستقبلية. كما جدد التزام الولايات المتحدة بمساعدة الحكومة العراقية على تعزيز قدراتها الدفاعية وبناء قواتها الوطنية، لضمان حماية موارد العراق والدفاع عن سيادته، وضمان أمن ورفاهية جميع المواطنين.
تداعيات الهجوم
وفي مؤتمر صحفي أعلن وزير الكهرباء في حكومة إقليم كردستان، كمال محمد صالح، عن تراجع إنتاج الكهرباء حالياً إلى 1300 ميغاواط، ما قلّص ساعات التجهيز للمواطنين إلى 6–8 ساعات يومياً. وأوضح أن حقل "كورمور" المستهدف للمرة الـ11 يُغذي 15 محطة توليد ويُنتج يومياً 530 مليون متر مكعب من الغاز.
وأضاف أن الفرق المختصة تقوم حالياً بتقييم الأضرار، وإذا اقتصر الضرر على الخزان فقط، قد يعود التيار الكهربائي إلى وضعه الطبيعي خلال 48 ساعة. كما أكد صالح أن الحكومة ستواصل مشروع "روناكي" لتعزيز إمدادات الكهرباء في الإقليم رغم العمليات الإرهابية.
وكان المتحدث باسم وزارة الكهرباء في الإقليم، أوميد أحمد، قد أوضح في تصريح إعلامي، أن الهجوم تسبب في خفض إنتاج الكهرباء من نحو 4 آلاف ميغاواط إلى ألف ميغاواط فقط، ما قلّص تجهيز الكهرباء من 24 ساعة إلى نحو 5 ساعات.
وبخصوص انخفاض إنتاج الكهرباء بشكل واسع، قال الأكاديمي والخبير في اقتصاديات الطاقة والنفط كوفند شيرواني، للجزيرة نت، إن هذا الانخفاض له تأثير كبير على العديد من المناطق، خاصة مع بدء مشروع الكهرباء لمدة 24 ساعة المعروف بـ "روناكي". ويرى أن أحد الأهداف السياسية من هذا الهجوم كان إفشال مشروع توفير الغاز الطبيعي بأي ثمن، حتى لو كان ذلك على حساب حياة المواطنين والبنية التحتية التي هي ملك جميع العراقيين.
إعلان
وعن توقعاته بشأن إعادة الحقل إلى مستوى إنتاجه السابق، قال شيرواني "حتى الآن، لم تقدم الشركة العاملة في الحقل تقريرا فنيا مفصلا يحدد الإطار الزمني لإصلاح الأضرار التي لحقت بخزانات الغاز أو أنواع الوقود الأخرى. في الحوادث السابقة، تمكنوا من إجراء الإصلاحات في وقت قصير جدا، لكن حتى الآن لم يتم ذلك".
شهـداء وجرحى وأضرار بالغة بهجوم مسير مجهول طال حقل كورمور في محافظة السليمانية شمالي البلاد pic.twitter.com/G6GT6fx8hQ
— حيدر (@Hydikm) November 26, 2025
وأكد "من المهم إجراء الإصلاح في أسرع وقت ممكن، لأن فقدان نحو 2600 ميغاواط ليس بالأمر الهين، خصوصا مع بداية فصل الشتاء، حيث تزداد حاجة المواطنين للكهرباء، وكذلك الأنشطة التجارية والقطاع العام".
وحسب شيرواني، تعتمد خطة وزارة الثروات الطبيعية على تشغيل غالبية محطات الكهرباء بالغاز الطبيعي، نظرا لكفاءته العالية وتكلفته الأقل، وتأثيره البيئي الأقل مقارنة بزيت الغاز (الديزل) أو النفط الأسود المستخدم حاليا. وفي حال حدوث أي نقص في إمدادات الغاز، لدى الوزارة خطة بديلة لتشغيل المحطات بالوقود السائل لضمان استمرار الإنتاج.
وقبل هذا الهجوم -وفقا له- كانت نحو 80% من محطات الكهرباء في الإقليم تعمل بالغاز الطبيعي، وكانت هناك خطة بالتنسيق مع وزارة الكهرباء للوصول إلى 100% خلال العامين المقبلين.
خسائر
ولم يقتصر تأثير الانقطاع على محطات الكهرباء، بل امتد إلى حياة المواطنين والأسواق. وقال هوار أمين، وهو صاحب متجر في مدينة دهوك للجزيرة نت، "لدينا كميات كبيرة من الألبان والأجبان في المخزن، ومع استمرار انقطاع التيار الكهربائي سنضطر للأسف إلى التخلص منها جميعا، فمنذ توفير الكهرباء على مدار الساعة بدأنا نجلب بضائع أكثر، ولم نتوقع حدوث انقطاع مفاجئ، خصوصا أننا لم نشهد أي توقف للكهرباء منذ بدء مشروع روناكي".
وأضاف "ما حدث يشكل ضربة قاسية للتجار والمواطنين وأصحاب المحال التجارية الذين يعتمدون مباشرة على الكهرباء في حفظ بضائعهم واستمرار أعمالهم".
ويُعد كورمور أكبر حقل للغاز الطبيعي في العراق، ويغذي نحو 67% من احتياجات إقليم كردستان من الكهرباء، بالإضافة إلى تصدير جزء منها إلى محافظات عراقية أخرى. وقد سبق أن تعرّض لهجمات بالصواريخ والمسيّرات عدة مرات خلال السنوات الأخيرة، آخرها في فبراير/شباط الماضي، إلى جانب مقتل أربعة عمال بقصف في أبريل/نيسان 2024، إضافة إلى هجمات مسيّرات مفخخة في يونيو/حزيران ويوليو/تموز 2025.

0 تعليق