Published On 2/12/20252/12/2025
|آخر تحديث: 09:59 (توقيت مكة)آخر تحديث: 09:59 (توقيت مكة)
عادة ما يتكون الذهب داخل ما يعرف بـ"الأنظمة الأوروجينية"، حين تدفع الحركات التكتونية بالمعادن نحو الأعماق، لتتبلور تحت درجات حرارة وضغط مرتفعين.
لكنّ فريقا بحثيا مغربيا يقوده الدكتور سعيد إلمن، أستاذ الجيولوجيا الاقتصادية بجامعة ابن زهر بالمغرب، اكتشف ظروفا نادرة كان بطلها "النار والماء"، أدت إلى تكوين الذهب في منجم "ميلينت"، الواقع ضمن منطقة "درعة السفلى" في أقصى غرب جبال الأطلس الصغير بالمغرب.
يقول إلمن للجزيرة نت إن "المنطقة التي ينتمي لها المنجم تقع في الجزء الشمالي من الحزام الجيولوجي، الذي يعرف باسم "الدرع الغرب أفريقي"، أحد أقدم نوى القارات على سطح الأرض (عمره أكثر من 3 مليارات سنة)".
ويضيف "وتتكون الصخور هناك من صخور ريوليتية، وهي نوع من الصخور البركانية الغنية بالسيليكا، والتي كانت في الماضي جزءا من براكين قديمة، ثم تعرضت للضغط والطي والانكسار بمرور الزمن".
ويحتضن هذا الحزام العديد من الرواسب المعدنية القديمة، إلا أن منجم ميلينت يمثل اكتشافا جديدا بالكامل، ويمتاز بخصائص مميزة لا تشبه أيًّا من الرواسب الذهبية المعروفة في المنطقة، كما رصد إلمن ورفاقه في الدراسة المنشورة بدورية "جورنال أوف أفريكان إيرث ساينس".
وبينما يحتوي منجم "أزوكار نتيلي" المجاور على ذهب مرتبط بمعادن الكبريتيد (الرصاص والزنك)، فإن "ميلينت" يحتوي على "معادن تيلوريدية" و"مونازيت هيدروحرارية"، وهي مؤشرات على أن أصل الذهب هناك بركاني مائي مختلط، لا ناري صرف ولا مائي صرف، بل ناتج عن تفاعل الاثنين معا.
قصة ميلاد الذهب
ويروي إلمن في دراسته قصة تشكل الذهب في منجم ميلينت، والتي تبدأ فصولها بأنه "تحت تأثير النشاط البركاني القديم، كانت الصخور تشتعل بحرارة تفوق خمسمائة درجة مئوية، وبينما كانت هذه "النار" تهيئ البيئة الملتهبة، تسربت عبر الشقوق العميقة مياه حارة غنية بالعناصر الكيميائية كالذهب والفضة والتيلوريوم، وتحركت تلك المياه، التي تعرف علميا بـ"المحاليل الهيدروحرارية" ببطء داخل الشقوق الناتجة عن انزلاقات في القشرة الأرضية، حاملة معها المعادن الذائبة في رحلة طويلة نحو الأعلى".
إعلان
ويتابع "عندما وصلت هذه المياه إلى الصخور البركانية القديمة في ميلينت، واجهت بيئة أبرد نسبيا، فانخفضت حرارتها تدريجيا من نحو 500 إلى 150 درجة مئوية، وعندما حدث هذا التحول الحاسم، فقدت المياه الساخنة قدرتها على حمل الذهب المذاب، فبدأ المعدن النفيس يترسب ويتبلور داخل الشقوق الصخرية".
ويضيف أنه "مع مرور الزمن، تراكمت ذرات الذهب على جدران العروق الصخرية لتكوّن نُتفا لامعة يمكن رؤيتها بالعين المجردة، في مشهد جيولوجي نادر لا يتكرر إلا في ظروف استثنائية، كالتي توفرت في منجم ميلينت".
تفاعل فريد في منجم ميلينتي
ويشير إلمن إن ما يجعل مكمن ميلينت مميزا هو هذا التفاعل الفريد بين حرارة البراكين القديمة ومياه الأعماق المعدنية، الذي أتاح ميلاد "ذهب نقي" لا يرتبط بالكبريت أو الحديد كما هو الحال في معظم مناجم العالم.
ولم تكن تلك النقطة هي المميزة فقط في ذهب منجم ميلينت، فمن أبرز مفاجآت الدراسة الارتباط بين الذهب و معدن التيلوريوم، حيث يمكن وصف التيلوريوم بأنه المركبة الكيميائية التي حملت الذهب من الأعماق إلى سطح الأرض، وهذا الارتباط بين المعدنين يجعل من ميلينت نموذجا جيولوجيا فريدا في أفريقيا.
ويؤكد إلمن أن البنية التركيبية للصخور، لعبت دورا رئيسيا في تحديد مسار السوائل المعدنية، فقد ساعدت الشقوق الممتدة من الشرق إلى الغرب، التي رصدت أيضا عبر تحليل صور الأقمار الصناعية، على توجيه حركة السوائل الغنية بالمعادن وترسيبها في أماكن محددة.
ويكشف وجود معادن مثل الكلوريت والمسكوفايت في جدران العروق عن أن المياه الحارة دارت بكثافة في هذه الفوالق العميقة.
ويقول إن "التحاليل كشفت أن منجم ميلينت مر بمرحلتين من التمعدن، الأولى كانت مرحلة غنية بالعناصر الأرضية النادرة عند درجات حرارة مرتفعة، والثانية شهدت ترسيب الذهب والتيلوريدات عندما بردت السوائل المعدنية وتغيرت ظروف الضغط والكيمياء".
ويضيف أن "وجود معادن مثل المونازيت الهيدروحراري والتيلوريدات يؤكد أن السوائل التي كونت الذهب كانت ماجما-حرارية، أي أنها نتاج تفاعل بين الصهارة البركانية والمياه العميقة، وهي بيئة غير معتادة في أغلب رواسب الذهب التقليدية".
ويبرز هذا الاكتشاف أن العلاقة بين الذهب والتيلوريوم والعناصر الأرضية النادرة ، تمثل مؤشرات جديدة للاستكشاف المعدني في المغرب وشمال أفريقيا، حيث تشير إلى أنظمة جيولوجية عميقة ذات إمكانات اقتصادية واعدة.
من الفكرة إلى الاكتشاف
وبدأ هذا المشروع عام 2022 برحلة استكشافية لرسم الخرائط وجمع العينات، ثم استخدم الفريق المجهر الإلكتروني الماسح في 2023 لملاحظة أدق تفاصيل المعادن داخل الصخور، قبل أن يوسعوا نطاق البحث باستخدام صور الأقمار الصناعية في 2024، وأخيرا نشروا نتائجهم في 2025.
ويكشف د.إلمن أنه يعتزم ورفاقه، بالتعاون مع الجهة المالكة لتصريح الاستكشاف، استكمال الدراسات الحرارية والضغطية، وربما إجراء دراسات تأريخ نظائري لتحديد العمر الزمني الدقيق لتكون الذهب في منجم ميلينتي.
إعلان

0 تعليق