عاجل

ترامب يطلب من مادورو الرحيل.. هل بات غزو فنزويلا قريبا؟ - الأول نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

قالت صحيفة "ميامي هيرالد" الأميركية، الأحد، إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب طلب من نظيره الفنزويلي نيكولاس مادورو في مكالمة هاتفية "الاستقالة فورا ومغادرة البلاد"، غير أن المكالمة بينهما "توقفت سريعا" بسبب الخلافات وفق الصحيفة.

لاحقا، نشرت وكالة رويترز تفاصيل عن تلك المكالمة، مشيرة أنها جرت في 21 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وأن الرئيس الفنزويلي تجاهل مهلة حددها له ترامب من أجل "الخروج الآمن".

اقرأ أيضا

list of 2 items end of list

قالت رويترز إن مادورو أبلغ نظيره الأميركي، خلال المكالمة التي استمرت أقل من 15 دقيقة، بأنه مستعد لمغادرة فنزويلا شريطة أن يحصل هو وأفراد أسرته على عفو كامل، يشمل رفع جميع العقوبات الأميركية وإنهاء قضية يواجهها أمام المحكمة الجنائية الدولية.

كما طلب مادورو -وفق رويترز- أن ترفع أميركا العقوبات عن أكثر من 100 مسؤول في الحكومة الفنزويلية، تتهمهم الولايات المتحدة بانتهاك حقوق الإنسان أو الاتجار بالمخدرات أو الفساد.

كذلك، طلب الرئيس الفنزويلي أن تقود نائبته ديلسي رودريغيز حكومة مؤقتة قبل إجراء انتخابات جديدة، لكن ترامب رفض معظم هذه الطلبات وأخبر مادورو بأن لديه أسبوعا لمغادرة فنزويلا إلى الوجهة التي يختارها مع أفراد أسرته. ومع نهاية المهلة المحددة، أعلن الرئيس الأميركي، السبت، عن إغلاق المجال الجوي الفنزويلي.

يعد ذلك تلويحا صريحا باستعداد الولايات المتحدة لتوسيع نشاطها إلى أجواء فنزويلا إضافة إلى الحصار البحري. وهو ما يدفعنا للتساؤل: هل تستعد الولايات المتحدة لشن ضربات جوية ضد فنزويلا قريبا؟ وما سيناريوهات التدخل الأميركي المحتمل؟ وهل يمكن أن يتطور الأمر إلى الغزو البري وسيناريو الحرب المفتوحة؟

" frameborder="0">

الرمح الجنوبي

بغض النظر عن دقة محتوى المكالمة المسربة، التي أكد ترامب حدوثها رافضا الخوض في تفاصيلها، فإن المعلومات التي أوردتها وسائل الإعلام تتواكب مع سلسلة من التحركات العسكرية غير الاعتيادية للولايات المتحدة في محيط فنزويلا والبحر الكاريبي خلال الأشهر الماضية.

إعلان

بدأت إرهاصات التصعيد في أغسطس/آب الماضي عندما وقّع الرئيس ترامب توجيها سريا يُجيز للبنتاغون استخدام القوة العسكرية ضد عصابات مخدرات بعينها في أميركا اللاتينية.

وبحلول سبتمبر/أيلول، بدأت أميركا بالفعل في شن ضربات ضد قوارب في البحر الكاريبي اتهمتها بالعمل في تهريب المخدرات. وقعت أولى الضربات في الثاني من  سبتمبر/أيلول الماضي وتضمنت إطلاق صاروخ من إحدى مدمرات البحرية الأميركية على قارب صيد صغير على متنه 11 شخصا.

التفاصيل اللاحقة التي نشرتها صحيفة واشنطن بوست أفادت أن وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث أمر بضربة ثانية استهدفت استهدفت ناجييْن اثنيْن تشبثا بحطام القارب، وهو تصرف يرقى من وجهة نظر الخبراء القانونيين إلى مستوى "جريمة حرب".

منذ ذلك الحين، نفّذت الولايات المتحدة ما لا يقل عن 21 غارة جوية وبحرية على قوارب فنزويلية تقول واشنطن إنها تحمل مخدرات، مما أسفر عن مقتل 83 شخصا على الأقل. كان استهداف القوارب جزءا من تعزيزات عسكرية أوسع للولايات المتحدة في منطقة الكاريبي، وهو أكبر حشد للقوات الأميركية في أميركا الجنوبية منذ غزو بنما عام 1989، وهو حشد تكثف منذ منتصف نوفمبر/تشرين الثاني مع الإطلاق الرسمي لـ"عملية الرمح الجنوبي"  بهدف "الدفاع عن الوطن" و"إخراج إرهابيي المخدرات من نصف كرتنا الأرضية (في إشارة للقارتين الأميركيّتين)"، وذلك تزامنا مع وصول مجموعة حاملة الطائرات جيرالد آر. فورد إلى منطقة الكاريبي.

شمل الانتشار البحري الأميركي ما لا يقل عن 11 سفينة حربية ومدمرة وغواصة نووية. ووفقا لموقع "أويل برايس" فإن حوالي 25% من إجمالي السفن الحربية الأميركية المنتشرة عالميا موجودة قرب سواحل فنزويلا.

وبالإضافة إلى الأصول البحرية، نشرت الولايات المتحدة أسرابا من طائرات الجيل الخامس "إف-35" بجانب قاذفات إستراتيجية من طراز "بي -1 لانسر" و"بي-52" حلقت قرب المجال الجوي الفنزويلي، فيما تقوم مروحيات العمليات الخاصة بمهام ضمن نطاق 100 ميل من الساحل الفنزويلي. وبشريا، شمل الحشد قرابة 15 ألف جندي معظمهم من مشاة البحرية، القادرين على تنفيذ عمليات الإنزال البري.

بالتزامن، قامت الولايات المتحدة بتحديث البنية التحتية العسكرية، وإعداد المطارات في المنطقة لاستيعاب العمليات المستمرة ونشر الطائرات المقاتلة. الخطوة الأهم كانت قيام واشنطن بإعادة فتح قاعدة روزفلت روز البحرية في بورتوريكو، المغلقة منذ عقدين، وتحديثها وتوسعة ممراتها لاستيعاب الطائرات المقاتلة وطائرات الشحن.

كما أظهرت صور الأقمار الصناعية بناء منشأة لتخزين الذخيرة في مطار رافائيل هيرناندز الدولي في بورتوريكو، وكشفت كذلك نشاطا إنشائيا في مطار هنري إي. رولين وهو مدني في جزيرة سانت كروا المجاورة.

This handout from the US Department of Defense shows the Arleigh Burke-class guided-missile destroyers USS Mahan (DDG 72), left, and USS Bainbridge (DDG 96) sailing in formation as an F/A-18 Super Hornet, assigned to Carrier Air Wing Eight embarked aboard USS Gerald R. Ford (CVN 78), descends on final approach to land on the aircraft carrier on November 13, 2025 at an undisclosed location in the Atlantic Ocean. The USS Gerald R. Ford, the world's largest aircraft carrier, entered an area under control of the US Naval Forces Southern Command, which encompasses Latin America and the Caribbean, the command said in a statement on November 11. (Photo by Triniti Lersch / DoD / AFP) / RESTRICTED TO EDITORIAL USE - MANDATORY CREDIT
دخلت حاملة الطائرات الأميركية جيرالد فورد، أكبر حاملة طائرات في العالم، منطقة خاضعة لسيطرة القيادة الجنوبية للقوات البحرية الأميركية، والتي تشمل أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، وفقا لبيان صادر عن القيادة في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2025 (الفرنسية)

مادورو تحت الحصار

تزامن هذا التصعيد العسكري مع تشديد الخطاب السياسي الأميركي تجاه نظام مادورو وإحكام الإطار القانوني المصمم لخنق النظام. ففي أغسطس/آب الماضي، أعلنت وزارة العدل الأميركية مضاعفة مكافأة الإدلاء بمعلومات تؤدي للقبض على مادورو من 25 مليون دولار إلى 50 مليون دولار وخصصت مكافأة بقيمة 25 مليون دولار للمعلومات عن مسؤولين حكوميين كبار آخرين، بمن فيهم وزير الداخلية ديوسدادو كابيلو، الذي وُجهت إليه اتهامات في الولايات المتحدة بالاتجار بالمخدرات.

إعلان

والأهم من ذلك، في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، صنّفت الإدارة الأميركية رسميا كارتل دي لوس سولس -الذي تزعم أنه يضم مادورو، ووزير داخليته ديوسدادو كابيلو، إضافة لوزير الدفاع فلاديمير بادرينو لوبيز – منظمة إرهابية أجنبية.

يكتسب هذا التصنيف أهمية قانونية بالغة لأنه يضع القيادة الفنزويلية في نفس فئة التنظيمات الإرهابية العالمية على شاكلة القاعدة وتنظيم الدولة (وفق التصنيف الأميركي)، مما يمنح ترامب وإدارته سلطة رئاسية موسعة لتنفيذ عمليات عسكرية دون الحاجة إلى موافقة الكونغرس.

يشير الخبراء إلى أن هذه الخطوة ستسمح للإدارة باستدعاء تفويض عام 2001 لاستخدام القوة العسكرية، وهو الأساس القانوني لمعظم عمليات مكافحة الإرهاب الأميركية على مدى العقدين الماضيين. وقال وزير الدفاع بيت هيغسيث حينها إن التصنيف "يفتح الكثير من الخيارات الجديدة"، فيما أكد ترامب أنه "سيمهد الطريق لشن ضربات على الأصول والبنية التحتية الفنزويلية".

في نفس الوقت تقريبا (22 نوفمبر/تشرين الثاني)، أصدرت إدارة الطيران الفدرالية "إف إيه إيه" (FAA) إشعارا للبعثات الجوية "نوتام" (NOTAM) يُحذر من مخاطر التحليق في المجال الجوي الفنزويلي بسبب "تزايد النشاط العسكري" واضطرابات نظام تحديد المواقع العالمي "جي بي إس" (GPS)، مما أدى إلى تعليق الرحلات الجوية التجارية.

وبحلول 29 نوفمبر/تشرين الثاني، أعلن ترامب أنه ينبغي اعتبار المجال الجوي الفنزويلي "مغلقا بالكامل"، على الرغم من أنه لم يُقدم أي تفاصيل بشأن آليات التنفيذ. وكتب ترامب في منشور على منصة تروث سوشيال: "إلى جميع شركات الطيران والطيارين وتجار المخدرات ومهربي البشر، فلتأخذوا في الاعتبار أنه سيتم إغلاق المجال الجوي فوق فنزويلا ومحيطها بالكامل".

في ظل هذا التصعيد العسكري والسياسي والقانوني، انهارت القنوات الدبلوماسية بين واشنطن وكراكاس بعد أن أنهى ترامب فعليا المفاوضات التي قادها المبعوث ريتشارد غرينيل مع نظام مادورو. وورد أن مادورو عرض على الولايات المتحدة حصصا كبيرة في احتياطيات النفط الفنزويلية وفرصا تجارية، لكنه أصرّ على البقاء في السلطة وهي شروط رفضتها واشنطن. هذه الملابسات مجتمعة تشير أن التصعيد بدأ بالفعل، ولكن يبقى السؤال، إلى أي حد يمكن أن تصل هذه المواجهة؟

Venezuela's President Nicolas Maduro speaks during a ceremony to swear in new community-based organisations, as U.S. President Donald Trump’s administration ramps up pressure on Maduro’s government, in Caracas, Venezuela, December 1, 2025. REUTERS/Leonardo Fernandez Viloria
الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو يلقي كلمة في كاراكاس، فنزويلا، 1 ديسمبر/كانون الأول 2025 (رويترز)

مستويات التصعيد

للجواب عن هذا السؤال، نحتاج أولا لاستكشاف الأهداف الأميركية الحقيقية وراء التصعيد العسكري ضد فنزويلا. الهدف المعلن لإدارة ترامب هو مكافحة تهريب المخدرات وحماية الأمن القومي الأميركي من "إرهاب المخدرات". ومع ذلك، تشير مصادر متعددة -بما في ذلك مسؤولون أميركيون ومحللون إقليميون ووثائق مسربة- إلى أن الهدف الحقيقي هو تغيير نظام نيكولاس مادورو وتنصيب حكومة تتماشى مع المصالح الأميركية وتأسيس وجود عسكري أكثر كثافة في منطقة الكاريبي.

تسعى الولايات المتحدة إلى إزاحة مادورو وتنصيب زعيم المعارضة إدموندو غونزاليس أوروتيا، الذي تعترف به واشنطن رئيسا شرعيا منتخبا لفنزويلا بعد انتخابات عام 2024 المتنازع عليها، أو الحائزة على نوبل مؤخرا ماريا ماتشادو التي استُبعدت من السباق في وقت مبكر. وقد أوضح مسؤولو ترامب هذا الأمر صراحة من خلال اعترافهم بغونزاليس وتصريحاتهم المتكررة بأن حكومة مادورو غير شرعية.

يَعد كل من غونزاليس وماتشادو بمنح الولايات المتحدة وصولا أكبر إلى موارد فنزويلا صاحبة أكبر احتياطيات نفطية مؤكدة في العالم. وقد كان ترامب نفسه صريحا بشأن اهتمامه بالنفط الفنزويلي، حيث صرّح عام 2023 قائلا "عندما غادرتُ، كانت فنزويلا على وشك الانهيار. كنا سنستولي عليها، وسنحصل على كل هذا النفط".

إعلان

بجانب النفط، تسعى الولايات المتحدة لفرض عملية "إعادة تموضع جيوسياسي" قسرية على فنزويلا من خلال تنصيب نظام موال، حيث ترى واشنطن أن علاقات كراكاس الوثيقة مع الصين وروسيا وإيران وكوبا تتحدى الهيمنة الأميركية في نصف الكرة الغربي. وعلى الهامش، تخدم قضية فنزويلا أجندة ترامب السياسية الداخلية، وتسمح له بإظهار صرامة في التعامل مع الهجرة والاتجار بالمخدرات، مع استمالة الجالية الفنزويلية الأميركية المؤثرة في ولايات مثل فلوريدا، على الرغم من انقسام هذه الجالية بشكل متزايد بشأن التدخل العسكري.

هذه الأهداف الطموحة، تطرح مستويات عدة أمام التدخل الأميركي المحتمل. أول هذه المستويات استمرار نفس الضغوط الراهنة بصورة أكثر تصاعدا عبر تكثيف الضربات على القوارب، والبنية التحتية المزعومة لتجارة المخدرات، مع المزيد من العقوبات والعمليات السرية والدعم لحركات المعارضة الداخلية، ولكن دون شن هجوم صريح ومباشر على الأراضي الفنزويلية.

(FILES) Venezuelan opposition leader Maria Corina Machado gives a speech during a protest called by the opposition on the eve of the presidential inauguration, in Caracas on January 9, 2025.
زعيمة المعارضة الفنزويلية ماريا ماتشادو الحاصلة على جائزة نوبل للسلام (الفرنسية)

يهدف هذا السيناريو إلى إضعاف نظام مادورو مع مرور الوقت، مما يُجبره إما على الرحيل الطوعي (من خلال صفقة) أو تحريك المحاولات للإطاحة به داخليا، دون المخاطرة بجر الولايات المتحدة إلى صراع مكلف.

ينسجم هذا السيناريو مع الأسلوب الذي اتبعته الإدارة الأميركية الحالية في أكثر من مناسبة، والمتمثل في تقديم مطالب قصوى (الرحيل الفوري) مع القبول بمكاسب أقل. وفي هذا الوضع، فإن الحظر الجوي يهدف لإحكام الحصار على النظام وفرض حظر على الطيران العسكري الفنزويلي عبر مزيج من السيطرة الاستخباراتية الدقيقة من خلال أنظمة الإنذار المبكر "أواكس" (AWACS)، وطائرات الاستطلاع، والأقمار الصناعية، والتدخل لاستهداف أي انتهاك للحظر بصرامة بالغة.

ومع ذلك، فإن تطورات الأيام الأخيرة تشي بأن نافذة هذا الخيار تضيق تدريجيا مع اتساع الهوة بين رغبات ترامب ومطالب مادورو. وهو ما ينقلنا إلى المستوى الثاني من التصعيد ويتضمن ضربات جوية وصاروخية محدودة داخل فنزويلا، تستهدف ما تسميه الولايات المتحدة "البنية التحتية لإرهاب المخدرات".

يمكن للولايات المتحدة أيضا تطوير بنك الأهداف الخاصة بها من خلال شن ضربات باستخدام صواريخ دقيقة للقضاء على الشخصيات الرئيسية في النظام مع توجيه ضربات جوية مكثفة ضد أنظمة الدفاع الجوي الفنزويلية، والطائرات المقاتلة، ومراكز القيادة، والمنشآت الحكومية الرئيسية، مدعومة بتقنيات حرب إلكترونية وعمليات سيطرة محدودة على مواقع حيوية داخل البلاد. ولكن في حال قرر النظام الفنزويلي الصمود ولم يكن هناك تحرك داخلي يرقى للإطاحة بالنظام، فساعتها لا مفر من الانتقال إلى المستوى الثالث من التصعيد.

هذا المستوى هو الكارثة الحقيقية ويتضمن غزو مشابها لما حدث في العراق عام 2003. ويشير المحللون العسكريون إلى أن مستويات القوات الأميركية الحالية (15 ألف جندي) غير كافية للسيطرة على بلد تناهز مساحته مليون كلم مربع (916 ألف كلم) أي حوالي ضعف مساحة العراق، ويقطنه أكثر من 28 مليون شخص، ويمتلك جيشا ضخما يبلغ قوامه 125 ألف جندي نشط بالإضافة إلى 8 ملايين من أعضاء "المليشيا الوطنية"، وهي قوة مدنية مساندة للجيش تم تشكيلها لمواجهة التهديدات الخارجية المتزايدة، وفق مادورو.

يتطلب مثل هذا الغزو الكامل ما لا يقل عن 100 ألف جندي في التقديرات المتفائلة، وحتى هذا الرقم لن يكون كافيا بالنظر إلى معاناة أكثر من 160 ألف جندي من الولايات المتحدة وحلفائها للسيطرة على دولة أصغر بحجم العراق. هذا كله ولم نذكر بعد التكاليف المالية والبشرية والمعارضة السياسية في الكونغرس، ودعوات لجان القوات المسلحة في مجلسي النواب والشيوخ لمراجعة الضربات البحرية، وكلها عوامل تزيد من تكلفة هذا السيناريو.

كيف سترد فنزويلا؟

يقودنا ذلك إلى استكشاف الطبيعة المحتملة للرد الفنزويلي. ولكن في البداية من المهم الإشارة أن الجيش الفنزويلي من المرجح أن يعاني في أي صراع تقليدي مع الولايات المتحدة. يبلغ عدد أفراد القوات المسلحة الفنزويلية حوالي 125 ألف فرد نشط، لكنها تعاني من نقص التدريب، وانخفاض حاد في الأجور، فضلا عن تهالك المعدات السوفياتية التي تشغلها.

كمثال، تملك فنزويلا حوالي 21 طائرة مقاتلة من طراز "سو-30" و18 طائرة "إف-16" أميركية الصنع حصلت عليها في الثمانينيات، ولكن سرعان ما ستُسحق هذه الطائرات أمام التفوق الجوي الأميركي في أي مواجهة مباشرة.

إعلان

" frameborder="0">

هذه الحقائق تجبر فنزويلا على تصميم إستراتيجيتها الدفاعية وفق نهج غير تقليدي، يُطلق عليه المسؤولون علنا اسم "المقاومة المطولة". ووفق الوثائق التي اطلعت عليها رويترز، تعتمد الخطة على انتشار وحدات صغيرة في أكثر من 280 موقعا لتنفيذ عمليات تخريب وهجمات متفرقة لإرباك أي قوة غازية.

الكثير من هذه الوحدات تنتشر في مواقع مُحددة مسبقا عبر تضاريس فنزويلا المتنوعة وستسلح بما يقرب من 5 آلاف صاروخ أرض جو محمول من طراز "إيغلا" روسيّ الصنع، والتي أشاد بها مادورو علنا على التلفزيون الرسمي.

سوف تستهدف هذه المجموعات خطوط الإمداد وشبكات الاتصالات وأي بنية تحتية تدعم القوات الغازية بهدف جعل العمليات الأميركية المستدامة صعبة لوجستيا ومكلفة سياسيا. في غضون ذلك، عززت فنزويلا الطرق المؤدية إلى كاراكاس بحواجز مضادة للمركبات وآليات ثقيلة لمقاومة الغزو البري للعاصمة وتوجيه القوات المهاجمة إلى مناطق وكمائن خطرة.

يستند هذا النموذج بوضوح إلى تجارب حركات المقاومة التي أثبتت فعاليتها ضد القوات التقليدية المتفوقة في فيتنام وأفغانستان والعراق، حيث استخدمت تكتيكات حرب العصابات والمعرفة بالبيئة المحلية لتعويض فارق العتاد والتكنولوجيا الذي تتمتع به الجيوش.

على الجانب الآخر، هناك خطة فنزويلية موازية لم يُعترف بها رسميا ولكن أكدتها مصادر متعددة مطلعة على التخطيط الدفاعي. يُطلق على هذا النهج اسم "الفوضى"، ويعتمد على استخدام أجهزة الاستخبارات، وأنصار الحزب الحاكم المسلحين (المليشيا الوطنية)، والمنظمات الإجرامية لخلق فوضى مُمنهجة في كاراكاس وغيرها من المدن الكبرى، مما يجعل فنزويلا غير قابلة للحكم من قِبل أي حكومة تُعيّنها الولايات المتحدة.

إن الرسالة المبطنة وراء هذه الخطة هي أن أي غزو أميركي لن يقابل بجيش منظم، بل بانتشار واسع للسلاح بين مجموعات مسلحة قد تتحول إلى فصائل خارجة عن السيطرة، ما يهدد بإشعال فوضى إقليمية تستمر لسنوات.

الحرب بدأت بالفعل

هذا الحشد والحشد المضاد يخبرنا بحقيقة واضحة وهي أن الحرب بدأت بالفعل وكل ما يتبقى هو تحديد شكلها ومداها. تقوم الولايات المتحدة بالفعل بتوظيف القوة القاتلة ضد أهداف مرتبطة بفنزويلا منذ أشهر، وتصعد الضربات يوما بعد يوم لكنها ترغب في إخراجها بأقل السيناريوهات كلفة.

ويتمثل هذا السيناريو في أن تفضي الضغوط إلى وضع تفاوضي يوافق بموجبه مادورو على التنحي مقابل ضمانات بسلامته الشخصية، ورفع العقوبات، وشكل من أشكال العفو، مع نقل السلطة إلى حكومة انتقالية بإشراف دولي تُفضي إلى انتخابات جديدة. وهذا هو جوهر المكالمة الهاتفية التي وقعت في 21 نوفمبر/تشرين الثاني، ولم تسفر عن اتفاق.

" frameborder="0">

يتطلب الوصول إلى هذه النتيجة تنازلات كبيرة من كلا الجانبين. سيحتاج ترامب إلى قبول ما هو أقل بكثير من تغيير فوري للنظام، ربما السماح لمادورو بالبقاء في البلاد مع حماية قانونية، أو انتقال تدريجي على مدى أشهر أو حتى سنوات. وسيحتاج مادورو إلى قبول فقدان السلطة في نهاية المطاف، وهو مطلب رفضه باستمرار.

قد تشمل عناصر التسوية المحتملة أيضا إعادة توجيه فنزويلا لصادرات النفط إلى مصافي التكرير الأميركية مقابل تخفيف العقوبات؛ وموافقة مادورو على الدعوة إلى انتخابات مبكرة مع عدم الترشح وتوفير إشراف دولي على العملية الانتقالية، مقابل ضمان الحصانة لمادورو وحاشيته من الملاحقة القضائية. لكن تاريخ المفاوضات الفاشلة بين الطرفين يُقوّض الثقة اللازمة للوصول لهذا الاتفاق بشدة وهو ما يجعل هذه النتيجة أقل ترجيحا في الوقت الراهن.

يعتبر العديد من المحللين الآن أن السيناريو الأكثر ترجيحا هو أن تُنفذ الولايات المتحدة ضربات على أهداف فنزويلية تشمل هجمات جوية على "البنية التحتية المزعومة لتهريب المخدرات"، أو على أصول عسكرية محددة، مصحوبة بعمليات خاصة سرية ولكن دون الانجرار لسيناريو الغزو الكامل. من جانبها سوف ترد فنزويلا بإستراتيجياتها غير المتكافئة، لكنها سوف تتجنب التصعيد الذي من شأنه أن يُبرر تدخلا أميركيا أوسع. والنتيجة هي صراع مُطول ومنخفض الشدة، دون تحقيق أي من الطرفين نصرا حاسما.

يسمح هذا النهج لترامب بإظهار قدرته على التحرك دون تكبد تكاليف فادحة نتيجة الغزو الكامل، كما يُبقي الضغط على مادورو مع تجنب رد الفعل السياسي العنيف الناجم عن حرب طويلة الأمد. المشكلة في هذا السيناريو أن الجمود ربما يستمر لأشهر أو حتى سنوات، ما لم يتحقق المنطق الإستراتيجي الوحيد منه وهو أن إثبات مصداقية التدخل الأميركي سوف تحفز تحركا فنزويليا داخليا، عسكريا وسياسيا وشعبيا ضد النظام وأن كبار ضباط الجيش سوف يختارون النجاة بأنفسهم والإطاحة بمادورو عبر الانقلاب.

يُحاكي هذا النهج الذي اتبعته واشنطن عام 2019 عندما اعترفت بخوان غوايدو رئيسا مؤقتا بعد الانتخابات الرئاسية في ذلك العام، وتوقعت انشقاقات عسكرية لاحقة. فشلت تلك الجهود فشلا ذريعا؛ فقد بالغ غوايدو في تقدير الدعم العسكري، ولم ينشق سوى 54 عسكريا، وأصبحت محاولة الانقلاب تُعرف باسم "خليج الخنازير الفنزويلي" نسبة إلى المحاولة الأميركية الفاشلة الشهيرة لإطاحة فيدل كاسترو في كوبا مطلع الستينيات.

صحيح أن الجهد الأميركي الحالي ينطوي على ضغط أكبر بكثير مما حدث عام 2019، لكن القيادة العسكرية الفنزويلية أظهرت تماسكا وولاء ملحوظين لمادورو، ويعود ذلك على الأرجح إلى الخوف من الملاحقة القضائية وفقدان شبكات المحسوبية.

يتضمن السيناريو الأسوأ قيام الولايات المتحدة بغزو عسكري شامل لإسقاط النظام بالقوة، يليه احتلال طويل الأمد للأراضي وعمليات مكافحة تمرد، ترد عليها فنزويلا بإستراتيجيات "المقاومة المطولة" و"الفوضى".

هذا التدخل المحتمل سيكون هو الأبرز في أميركا اللاتينية منذ الحرب الباردة، ويتضمن حملة جوية واسعة النطاق لتدمير الدفاعات الجوية الفنزويلية والبنية التحتية القيادية والأصول العسكرية، تعقبها تحركات برية للسيطرة على المدن الرئيسية والمنشآت النفطية والمراكز الحكومية، ثم تنصيب حكومة مؤقتة، يُرجَح أن يقودها إدموندو غونزاليس وماريا كورينا ماتشادو، بدعم عسكري أميركي.

بمجرد انهيار الجيش الفنزويلي سيتحول الصراع إلى حرب عصابات. ستشن وحدات عسكرية متفرقة، ومجموعات مسلحة، ومنظمات إجرامية، تمردا ضد القوات الأميركية والحكومة المؤقتة، ما ينذر بعواقب وخيمة.

وبخلاف الفوضى الناجمة عن ذلك، سيضر هذا الغزو بشدة بعلاقات واشنطن مع معظم دول أميركا اللاتينية، وسوف يؤدي عزل الولايات المتحدة دبلوماسيا في باحتها الخلفية كما يرجح أن يحدث شقّا واضحا في القواعد المناصرة للرئيس ترامب التي ترفض قطاعات واسعة منها التدخل العسكري.

هذه العواقب، تجعل هذا السيناريو الأقل احتمالا في الوقت الراهن. لكن بمجرد أن تنطلق الصواريخ والقنابل يمكن لمسار الصراع أن يتطور بصورة غير متوقعة. وسوف يعتمد الناتج النهائي للصراع على 3 عوامل لا يمكن التنبؤ بأي منها، أولها إمكانية التوصل إلى تسوية في المفاوضات المعقدة بين ترامب ومادورو، وثانيها مدى تماسك الجيش في فنزويلا في مواجهة الضغط العسكري والنفسي الهائل، وثالثها وهو الأهم مدى استعداد ترامب للالتزام بعمل عسكري مكلف على الرغم من المخاطر السياسية الداخلية والخارجية. وما دامت هذه الأمور غير محسومة، فإن الباب سيظل مفتوحا على مصراعيه أمام أسوأ الاحتمالات، وأكثرها قتامة.

0 تعليق