Published On 3/12/20253/12/2025
|آخر تحديث: 12:25 (توقيت مكة)آخر تحديث: 12:25 (توقيت مكة)
قالت مجلة لوبوان إن الجدل يعود في فرنسا حول أسماء المواليد ليطرح أسئلة أعمق تتعلق بالهوية الوطنية والاندماج وتفتت المجتمع، مع الإغراء بتنظيم هذا الاختيار الحميمي جدا كاختيار الاسم الأول للطفل.
وبعد عقود من الحرية المطلقة في اختيار أسماء الأطفال، أصبحت هذه الحرية -حسب تقرير جوزيف لوكور للمجلة- موضوعا سياسيا متفجرا أعاد إلى الواجهة الحديث عن قانون نابليوني قديم كان يفرض على الأهالي اختيار أسماء من القواميس الرسمية فقط.
اقرأ أيضا
list of 2 items end of listوقد اكتسب هذا السجال زخما عندما أعاد اليميني المتطرف إريك زمور، المعروف بمواقفه المتشددة من الإسلام والهجرة، الدعوة لإحياء قانون 1803 في أثناء حملته الرئاسية، مع أن فرض أسماء معينة في مجتمع ليبرالي، يتعارض مع المبادئ ومحكوم عليه بالفشل، كما تقول المجلة.
ومع ذلك يرى زمور أن الإسلام غير متوافق مع الجمهورية، وأن القانون الملغى كان سيمنع عمليا تقديم أسماء مثل محمد وعائشة، ولكن القانون النابليوني الذي يقدسه زمور، لم يطبق يوما بحذافيره، وكتبت عنه صحيفة "لالوا" عام 1912 أنه "لم ينظم شيئا على الإطلاق".
مساحة للتميز
وقد أثار كلام زمور موجة اعتراض، لأن فرنسا منحت الآباء حرية كاملة في تسمية أبنائهم منذ عام 1993، ولأن تسييس المهد، وتقنين أكثر الجوانب حميمية في حياة الناس، ليسا السبيل لبناء الأمة، كما تقول المجلة.
في المقابل، أطلقت مجموعة من النواب بقيادة فرانسوا روفان نقاشا مختلفا، مطالبة بأن يدرج الاسم الأول ضمن معايير التمييز المعترف بها قانونيا، لأنه يكشف تماما كاللقب عن الأصل الاجتماعي والديني، محذرين من التمييز الذي يعاني منه كل من "ينظر إلى اسمه على أنه شعبي جدا أو أجنبي جدا، كمحمد وديلان وسندي وجينيفر".
إعلان
وتكشف دراسة أجراها معهد السياسات العامة عام 2021 أن أصحاب الهويات التي توحي بأصل مغاربي تقلل فرص اتصال الشركات بهم بنسبة أكثر من 30% مقارنة بغيرهم، رغم تساوي المؤهلات، كما أوردت المجلة.
ويذكّر علماء الاجتماع بأن الاسم الأول لم يكن على الإطلاق مساحة للتميز الفردي كما هي الحال اليوم، إذ كان اختيار الاسم يرتبط بالسلالة العائلية وبهوية جماعية راسخة، وكانت 20% من الفتيات مثلا يحملن اسم "ماري" عام 1900، وكانت الأغلبية الساحقة من الفرنسيين تختار أسماء من التراث المسيحي، ولكن كل شيء تغير ابتداء من الستينيات.
معركة الأسماء تكشف عن أزمة أعمق، تتعلق بتفتت الهوية وتراجع المشترك وصعود الفردانية، ولكن محاولة تنظيم هذا الجانب الحميمي من حياة الناس قد تكون معركة خطأ في المكان الخطأ
الإكراه أم الجاذبية الثقافية؟
ومنذ ستينيات القرن الماضي، انفجر قاموس الأسماء، وظهرت موجة هائلة من الأسماء النادرة، مما يعكس -حسب الباحث جيروم فوركيه- تحول فرنسا نحو الفردانية وابتعادها عن نموذج ثقافي مشترك.
وبات الاسم -كما تصفه الباحثة آن لور سيلييه- "وشما اجتماعيا" يرافق صاحبه طيلة حياته، ويؤثر في فرصه المهنية والشخصية، ولذلك يرى عالم الاجتماع باتيست كولمون أن "مسؤولية اختيار الاسم باتت أشد وطأة اليوم لأنه، أصبح مستخدما أكثر بكثير مما كان من قبل".
ويؤكد الاقتصادي ورئيس جامعة باريس للعلوم والآداب، الموهوب مهود، وهو نفسه مهاجر سابق يحمل اسمًا عربيا، أن حمل اسم أجنبي لا يتعارض إطلاقا مع الاندماج الثقافي الكامل في فرنسا.
وتذكّر المجلة بالمبدأ الذي طرحه الكاتب الفرنسي إرنست رينان، وهو أن الأمة ليست قائمة على العِرق ولا الدين، بل على رغبة مستمرة في "العيش المشترك"، وهو ما يعني ضمنا أن جذب الآباء لاختيار أسماء من التراث الفرنسي لن يحصل بالقسر، بل بجاذبية الثقافة نفسها.
وخلصت لوبوان إلى أن معركة الأسماء تكشف عن أزمة أعمق، تتعلق بتفتت الهوية وتراجع المشترك وصعود الفردانية، مشيرة إلى أن محاولة تنظيم هذا الجانب الحميمي من حياة الناس قد تكون معركة خطأ في المكان الخطأ، لأن الاندماج الحقيقي لا يبدأ بالاسم، بل باللغة والتعليم والانتماء الطوعي.

0 تعليق