أسهم القطاع الزراعي في قطاع غزة بنحو 11% من ناتجه الإجمالي عام 2022 (الجزيرة)
أسهم القطاع الزراعي في قطاع غزة بنحو 11% من ناتجه الإجمالي عام 2022(الجزيرة)
Published On 4/12/20254/12/2025
|آخر تحديث: 08:50 (توقيت مكة)آخر تحديث: 08:50 (توقيت مكة)
كشف تحقيق للجزيرة، يعتمد على تحليل صور أقمار صناعية ومقارنة خرائط تحليلية متخصصة، عن أن إسرائيل تواصل حرب تجويع صامتة ضد سكان قطاع غزة، رغم دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في 10 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حيث أظهر التحليل -الذي أجراه فريق وكالة "سند" للتحقق الإخباري بشبكة الجزيرة- أن سياسة التجويع الإسرائيلية لم تتوقف، بل أعادت تشكيل نفسها.
وتبين من مقارنة خرائط "الخط الأصفر"، وهو خط الانسحاب الإسرائيلي الأول المنصوص عليه بالمرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، مع خريطة من دراسة منشورة في دار نشر الأبحاث العلمية "إس سي آي آر بي" (SCIRP) توضح أنواع التربة في قطاع غزة، إلى جانب دراسة منشورة بالمركز الدولي للدراسات الزراعية المتقدمة في البحر الأبيض المتوسط "سي آي إتش إي إيه إم" (CIHEAM) لتصنيف درجة خصوبة التربة، أن إسرائيل تسيطر على ما يزيد على 53% من مساحة قطاع غزة والتي تقع في مناطق تعد من الأكثر خصوبة وإنتاجا زراعيا بالقطاع، وتحرم الفلسطينيين من الوصول إلى مصادر غذائهم الأساسية.
وعلى الرغم من قدم خريطة أنواع التربة في القطاع واحتمال تعرضها لتغيرات نتيجة عوامل متعددة، يظل تصنيفها وفق درجة الخصوبة ثابتا.
المحاصيل الأساسية تحت السيطرة الإسرائيلية
بناء على خصوبة التربة في قطاع غزة، تزرع الحمضيات والخضراوات في التربة الرملية الرسوبية التي تغطي الجزء الشرقي من القطاع، في حين تستغل التربة الطينية الخصبة المحصورة في شماله الشرقي لزراعة المحاصيل الحقلية كالقمح والشعير، وفق وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية (وفا).
وتشكل الخضراوات ما نسبته 53% من إجمالي الأراضي الزراعية في غزة، وتتركز 34% من هذه المساحات بمحافظة شمال القطاع، و30% في خان يونس، وفق الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني. وهما المنطقتان اللتان تسيطر إسرائيل على أكثر من نصف مساحتهما الزراعية.
أما المحاصيل الحقلية فكانت تنتشر في منطقة شمال غزة بمساحة تقدر بنحو 2.6 كيلومتر مربع، و5.4 كيلومترات مربعة في خان يونس، و1.2 كيلومتر مربع في رفح، إلى جانب 3.4 كيلومترات مربعة بمدينة غزة ودير البلح، إلا أن هذه المساحات إما دمر معظمها بفعل العدوان الإسرائيلي على القطاع أو بات تحت السيطرة الإسرائيلية، حسب وفا.
وبالتالي، يظهر تحليل توزيع هذه المحاصيل، داخل المحافظات وخريطة توزع التربة وخصوبتها بالقطاع، أن غالبية الأراضي الزراعية المنتجة خصوصا مناطق زراعة الخضراوات والحبوب تقع ضمن نطاق السيطرة الإسرائيلية، مما يعني أن جيش الاحتلال لا يكتفي بالتحكم في الأراضي الخصبة فحسب، بل يفرض سيطرة عملية على موارد الغذاء الأساسية في غزة.
القطاع الزراعي في غزة بالأرقام
تبلغ مساحة الأراضي الزراعية في قطاع غزة نحو 150 كيلومترا مربعا، أي ما يعادل 41.2% من إجمالي مساحة القطاع. ووفق الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، يُعد القطاع الزراعي إحدى الركائز الأساسية للاقتصاد المحلي، إذ بلغت مساهمته نحو 11% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2022.
كما أوضح المركز أن نحو 44% من استهلاك الأسر الفلسطينية للمنتجات الزراعية في قطاع غزة عام 2022 كان يعتمد على الإنتاج المحلي، مقابل 56% على الواردات الزراعية التي يقيد الاحتلال الإسرائيلي دخولها منذ اندلاع الحرب. وقد أدى ذلك إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي وحرمان آلاف الأسر من الحصول على غذائها الأساسي.
تدمير ممنهج للقطاع الزراعي
تظهر بيانات الأمم المتحدة "يو إن أو إس إيه تي" (UNOSAT) -المحدثة في يوليو/تموز 2025- أن الأراضي الزراعية في غزة تعرضت لأضرار جسيمة خلال 21 شهرا من الحرب الإسرائيلية لتشكل المناطق المتضررة ما نسبته 86.1%من إجمالي المساحات المزروعة بالقطاع، ولم يتبق سوى نحو 6.6 كيلومترات مربعة من الأراضي القابلة للزراعة داخل المناطق الفلسطينية، وتقع معظمها في مناطق منخفضة الخصوبة.
ووفقا للخريطة التالية، بلغت مساحة الأراضي الزراعية -التي دُمرت بفعل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023- نحو 129.6 كيلومترا مربعا.
اختفاء المساحات الخضراء
أجرى فريق "سند" تحليلا لمؤشر الغطاء النباتي "إن دي في آي" (NDVI) في قطاع غزة، اعتمادا على صور أقمار صناعية التقطت في سبتمبر/أيلول لعامي 2023 و2025، بهدف رصد تأثير الحرب الإسرائيلية على المساحات الزراعية في قطاع غزة.
وأظهرت النتائج تراجعا حادا في مساحة الأراضي الزراعية خلال عامين من الحرب، مما يعكس تدهورا واسعا في الغطاء النباتي نتيجة عمليات التدمير للأراضي الزراعية.
وتظهر الصورة الأولى المساحات المزروعة في غزة باللون الأخضر خلال سبتمبر/أيلول 2023.
وتظهر الصورة الثانية، الملتقطة خلال سبتمبر/أيلول 2025، تدميرا واسعا للأراضي الزراعية بفعل العمليات العسكرية الإسرائيلية في محافظة شمال ومدينة غزة، وفي رفح وخان يونس والمناطق الشرقية من المحافظة الوسطى، ولم يتبق سوى أجزاء محدودة من البنية الزراعية في خان يونس ودير البلح.
وعند المقارنة بين الخريطتين، يبرز تراجع حاد للمساحات الخضراء التي كانت تغطي شمال وشرق وجنوب قطاع غزة، ويقاطع هذا الانحسار بوضوح مع بيانات "يو إن أو إس إيه تي" (يوليو/ تموز 2025) التي تشير إلى أن نحو 86% من الأراضي الزراعية قد دمرت. ويؤكد أن انخفاض مؤشر الغطاء النباتي "إن دي في آي" لا يعكس تغيرا طبيعيا، بل نتيجة تدمير ممنهج للأراضي الزراعية نفذه جيش الاحتلال الإسرائيلي.
ضرب الزراعة المحمية وانهيار إضافي للأمن الغذائي
أظهرت بيانات الأغذية والزراعة "فاو" (FAO) لعام 2021 أن قطاع غزة كان يضم نحو 8872 دفيئة زراعية قبل بدء الحرب الإسرائيلية. وتوضح الخريطة التالية توزيع الدفيئات الزراعية بالقطاع، والتي اعتمدت عليها "سند" كمرجع جغرافي لمناطق الإنتاج الزراعي في غزة.
وقامت "سند" بتحليل مناطق السيطرة الإسرائيلية وتأثيرها على الإنتاج الزراعي، حيث ظهر أن نحو 5126 دفيئة زراعية تقع ضمن المناطق التي يُحظر على الفلسطينيين الاقتراب منها، بنسبة تتجاوز 57% من الدفيئات الزراعية بالقطاع.
وقد أظهرت بيانات "يو إن أو إس إيه تي" صادرة في أكتوبر/تشرين الأول 2025 أن نحو ما نسبته 79.6% من الدفيئات الزراعية بالقطاع قد تعرضت للدمار بفعل آلة الحرب الإسرائيلية. فقد دُمرت الدفيئات بنسبة شبه كاملة في محافظتي غزة والشمال، وبنسب 70.3% في خان يونس، و62.3% في دير البلح، و93.7% في رفح.
وتعكس هذه الأرقام حجم الخسارة المزدوجة بين فقدان السيطرة على مناطق الإنتاج الزراعي وتدمير جيش الاحتلال للبنية الزراعية المحمية من قبل الاحتلال.
زراعة بلا أرض
وفق تحليل أجراه فريق "سند" -استنادا إلى موقع "الخط الأصفر" الذي يحدد مناطق الانسحاب الإسرائيلي- تبين أن نحو 38% فقط من الأراضي الزراعية تقع ضمن المناطق التي يسمح للفلسطينيين بالبقاء فيها، بمساحة تقدر بحوالي 57 كيلومترا مربعا.
غير أن 50.8 كيلومترا مربعا من هذه المساحة قد دمر بالكامل بفعل الحرب الإسرائيلية على القطاع بين أكتوبر/تشرين الأول 2023 ويوليو/تموز 2025، أي ما يزيد على 88% من الأراضي الزراعية الواقعة داخل مناطق السيطرة الفلسطينية.
وبناء على ذلك، لم يتبق سوى 6.6 كيلومترات مربعة فقط من الأراضي الصالحة للزراعة، أي ما نسبته نحو 5% من إجمالي الأراضي الزراعية في قطاع غزة، وهي بالكاد تكفي لتغطية احتياجات نحو مليوني فلسطيني يعيشون داخل القطاع.
حرب التجويع بصيغة جديدة
لا تقتصر خسارة الفلسطينيين هنا على المساحة الزراعية فحسب، بل تمتد إلى نوعية الأرض نفسها، إذ أصبحت الزراعة بالمناطق المتاحة لهم عاجزة عن تلبية احتياجاتهم الأساسية من الغذاء.
ووفقا للمعطيات السابقة، يتضح جليا أن المساحات الزراعية القليلة المتبقية تقع في مناطق أقل خصوبة مقارنة بالأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل، مما يجعل قدرتها الإنتاجية محدودة حتى في حال إعادة تأهيلها.
وتكشف هذه البيانات والأرقام أن حرب التجويع التي استخدمتها إسرائيل سلاحا ضد سكان قطاع غزة لم تتوقف مع وقف إطلاق النار، بل أعادت تشكيل نفسها ضمن واقع مختلف، في ظل سيطرة جيش الاحتلال على أكثر الأراضي خصوبة وتدميره الممنهج لما تبقى منها، مما يفرض واقعا يجعل الفلسطينيين يعتمدون كليا على المساعدات الغذائية في ظل شبه انهيار القطاع الزراعي.
المصدر: الجزيرة

0 تعليق