لماذا تواصل أوروبا دعم قيس سعيد رغم انتقادها المتزايد له؟ - الأول نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

قد يكون التوتر بين الاتحاد الأوروبي والحكومة التونسية دليلا على خلافات بين الجانبين لكنه لا يعني سعي بروكسل لإرغام الرئيس قيس سعيد على تعزيز حقوق الإنسان وإجراء إصلاحات سياسية، كما يقول محللون.

فقد تفاقم هذا الخلاف ووصل ذروته مؤخرا عندما أصدر البرلمان الأوروبي بيانا دعا فيه للضغط على سعيّد وربط العلاقات الاقتصادية معه بتحسين ملف الحقوق السياسية والحريات، وهو ما اعتبره الأخير تدخلا غير مقبول.

كما استدعى سعيّد سفير الاتحاد الأوروبي في بلاده جوزيبي بيروني وأبلغه احتجاجا شديد اللهجة على ما اعتبره "تجاوزا للأعراف الدبلوماسية"، وذلك بعد لقاء جمع المسؤول الغربي بالأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية في البلاد) نور الدين الطبوبي.

ولا يعتقد المحللون أن ملف الحقوق والحريات هو المحرك الرئيسي للخلاف المتزايد بين الشريكيين التاريخيين، ويقولون إن شيئا ما غير معلن يقود هذه التجاذبات.

ووفق حلقة 2025/12/4 من برنامج "سيناريوهات"، فإن الاتحاد الأوروبي هو الشريك التجاري الأول لتونس في مجال الطاقة ومجالات أخرى حيث يمتلك 88% من الاستثمارات الأجنبية المباشرة على أراضيها.

والأهم من ذلك أن الطرفين وقعا قبل عامين اتفاقا بقيت غالبية بنوده سرية، وتقول منظمات حقوقية إن الحكومة التونسية تولت بموجبه حراسة حدود شمال المتوسط البحرية ومنع تدفق مزيد من موجات الهجرة غير النظامية.

وينفي الرئيس قيس سعيد اتهامه بالتصدي للهجرة نيابة عن أوروبا مقابل حصوله على امتيازات مالية محدودة، لكن مسؤولين إيطاليين أشادوا مرارا وتكرارا بدور تونس في الحد من أعداد المهاجرين الذين تقول منظمات إنهم تزايدوا بشكل لافت على الأراضي التونسية، بعد توقيع الاتفاق.

" frameborder="0">

المصلحة أهم من المبادئ

لذلك، فإن هذا التجاذب بين الجانبين لا يعني رغبة الأوروبيين في تحسين الأوضاع السياسية والحقوقية بقدر ما يعكس خشيتهم من تفاقم الأزمة الداخلية على نحو يدفع بآلاف التونسيين إلى طرق أبواب أوروبا، كما يقول الباحث في مركز كارنيغي للشرق الأوسط حمزة المؤدب.

وصحيح أن حقوق الإنسان تمثل أساسا في العلاقات بين الجانبين، لكنها ليست أولوية -برأي المؤدب- إذا ما وُضعت أمام قضايا الطاقة وتأمين السواحل وتعزيز قدرة الحكومات الأوروبية على التصدي للهجرة غير النظامية.

لكن المشكلة الحقيقية بالنسبة للأوروبيين أنهم يرون سعيّد شريكا غير عقلاني ومن ثم فهم قلقون من أن يؤدي أي انفجار تونسي داخلي لتزايد معدلات المهاجرين بدلا من تقليصها، حسب المؤدب.

أما الكاتب الصحفي محمد اليوسفي، فيرى أن غموضا يكتنف الخلاف الحالي بين سعيد والأوروبيين، الذين يرى أنهم استخدموا تونس مجانا لمنع وصول المهاجرين لبلادهم.

ويعزو اليوسفي غضب الرئيس التونسي إلى احتمالية تراجع الأوروبيين عن وعود اقتصادية قدموها له عندما وقعوا الاتفاق الذي يقول إنهم "عقدوا مؤتمرا صحفيا للاحتفاء به بدون حضور الصحفيين وهذا يعكس انتهاك الجانبين لحرية الصحافة".

بل إن الاتحاد الأوروبي وقع الاتفاق الذي لم يخضعه سعيد لنقاش دستوري ولا عرضه على البرلمان التونسي، ومن ثم فإن حديثهم الحالي عن الحقوق السياسية وحرية التعبير لا يبدو جادا، برأي اليوسفي، الذي يعتقد أن هذا السجال لن يغير الوضع السياسي القائم.

كما نقل المتحدث عن مسؤول غربي أن القادة الأوروبيين أصبحوا يتواصلون مع الرئيس التونسي من خلال رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني التي كانت عرابة اتفاق الحد من الهجرة، معتبرا هذا "دليلا على وجود خلاف غير معلن بشأن أمور ليس من بينها ملف الحقوق والحريات".

" frameborder="0">

مخاوف من مشكلة الهجرة

واتفق الخبير في الشؤون الأوروبية دانيال بومر مع فرضية أن أوروبا لن تؤثر على الوضع السياسي التونسي، لكنه قال إنها لن تقبل بإفلاس تونس لأنها الأقرب إليها في منطقة المغرب العربي.

ويختلف بومر مع حديث اليوسفي والمؤدب عن تقديم قيس سعيد خدمات مجانية لأوروبا بقوله إنه حصل من اتفاق الحد من الهجرة على 100 مليون دولار دعم بها موازنته، فضلا عن حصوله على مبادرات في مجالات الطاقة والفولاذ.

ومع ذلك، لا تتعامل بروكسل مع تونس كشريك اقتصادي، وإنما كشريك أمني مهم في مواجهة تدفقات المهاجرين، برأي بومر، الذي قال إن غضب البرلمان الأوروبي (المنتخب شعبيا) لن يغير شيئا، لأن مفوضية الاتحاد (التي تختارها الحكومات) هي صاحبة القرار، وهي تقدم المصالح على حقوق الإنسان في تعاملها مع تونس.

وبما أن الحكومات الأوروبية هي صاحبة القرار وليس البرلمان، كما يقول دانيال بومر، فإنها "ستواصل دعم نظام قيس سعيد السلطوي، ولن تدعم أي تغيير سياسي قريب، طالما أنه يساعدها على كسب الانتخابات عبر التصدي للمهاجرين الذين يمثلون عبئا سياسيا عليها".

بيد أن اليوسفي يصف هذا الكلام بـ"غير الصحيح"، ويقول إن غالبية الموازنة تأتي من الداخل وليس من أوروبا التي حاولت الحد من مشكلة الهجرة عبر تصديرها لتونس، التي وصفها المؤدب بأنها "بلد بلا مشروع يقبل ما يُقدم له، ولا يحاول استغلال أوراق قوته، أو إعادة تموضعه عالميا".

ومن بين الأمور التي تدفع سعيد لعدم البحث عن تموضع جديد مع دول مثل الصين أو الخليج العربي "أنه يريد علاقات غير مشروطة، وبدون الحديث عن أي إصلاحات داخلية"، برأي المؤدب، الذي توقع توتر العلاقات بين سعيد وأوروبا بدون أي تغيير فعلي، وهو أمر يتفق معه اليوسفي.

وختم المؤدب بالقول إن بكين تعتقد أن هذا النظام غير قادر على بلورة رؤية مستقبلة، وأنه عاجز عن خلق تحالفات داخلية حتى مع من دعموا انقلابه، بينما يواصل تعميق عزلته الخارجية ويكتفي بلعب دور حارس السواحل الأوروبية بدلا من محاولة خلق شراكات حتى في منطقة المغرب العربي.

انقر هنا للمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعي

share2

0 تعليق