غزة – اعتبر الكاتب والمحلل المتخصص في الشؤون العربية والإسرائيلية جاكي خوري، أن مقتل ياسر أبو شباب، يوضح أن القيادة القادمة في قطاع غزة لن تولد بإملاء إسرائيلي.
وفي مقال نشرته صحيفة “معاريف” العبرية، رأى جاكي خوري أن “الإعلان امس الخميس عن وفاة ياسر أبو شباب ليس مجرد حدث أمني محلي في قطاع غزة. إنه يبرز مرة أخرى الفجوة الهائلة بين الرواية التي تحاول إسرائيل أن تخبرها لنفسها وبين الواقع المعقد في غزة. فالشخص الذي قدمته المؤسسة الأمنية والإعلام على أنه “بديل لحركة الفصائل الفلسطينية أو “شخصية حاكمة محتملة في اليوم التالي”، ظهر كشخصية مثيرة للجدل حتى في النطاق المحدود الذي عمل فيه – محاطاً بالخصوم في ظل تعدد القوى والعشائر والحسابات والتحالفات في المنطقة”.
وحسب خوري، “وفاة أبو شباب لم تفاجئ أحدا تقريبا في غزة. لقد أراد كثيرون رؤيته يختفي من الساحة – بدءا بالباقين من قادة حركة الفصائل، الذين رأوا فيه تهديدا أو على الأقل مصدر إزعاج لسلطتهم، مرورا بالخصوم المسلحين الذين تقاسموا معه النفوذ والمكانة، وأبناء العشائر الذين تضرروا منه ومن عائلته، وانتهاءً بأطراف داخل عشيرته حملت على مدى سنوات شعوراً بالعار بسبب أفعاله. أثبتت الرسائل التي تدفقت إلى الشبكات مباشرة بعد خبر وفاته مدى كونه هدفا مطلوبا. وسارع كل طرف إلى تبني رواية، أو نسب المسؤولية، أو تبرئة اسمه. والنتيجة واضحة: لا توجد قوة قوية بما يكفي لحماية المتعاونين مع إسرائيل”.
وبالنسبة للصحفي العربي الإسرائيلي، فحتى عشيرة أبو شباب، الترابين، “سارعت إلى التنصل منه بعد وفاته”. وفي بيان منسوب للعشيرة، كُتب أنه شكل “فصلا مظلما”، وأن دمه “أغلق فصلاً من العار”. وتعهد البيان أيضا بعدم السماح لأي فرد من عشيرتهم بالمشاركة في الميليشيات “التي تخدم الاحتلال”.
واعتبر خوري أن الأمر لا يتعلق بمجرد محاولة للتبرؤ منه، بل هو إعلان نوايا اجتماعي وسياسي يهدف إلى إرسال رسالة إلى غزة بأكملها: “هذا الرجل لم يكن جزءا منا، لذا لا تحاسبونا على أفعاله”.
وورد في المقال: “على الأرض، وبحسب التقارير، كان السبب المباشر لوفاته هو مواجهة بين أبو شباب وبين أفراد من عائلة أبو سنيمة – المعروفة بنشاطها الإجرامي. اندلع تبادل إطلاق نار بعد أن رفض أبو شباب بغطرسة الإفراج عن أحد أفراد العائلة الذي اعتقله، وتحولت المنطقة بأكملها إلى ساحة لتصفية الحسابات. الصورة التي تتشكل هي أنه لم تُبنَ قيادة حول أبي شباب – بل صراعات على السيطرة”.
ووفقا لـ خوري: “هنا يأتي دور إسرائيل. على مر السنين، تحاول المؤسسة الإسرائيلية – في الإعلام، والمؤسسة الأمنية، والخطاب السياسي – مرارا وتكرارا “صناعة شركاء”. شخصيات محلية تبدو قوية بما فيه الكفاية، ومهيمنة بما فيه الكفاية، والأهم من ذلك، مستعدة للتحدث باللغة التي تحب الأذن الإسرائيلية سماعها. وهكذا نشأت “نجوم” لحظية، مثلما كان ياسر أبو شباب في جنوب القطاع. كان أبو شباب بالضبط الشخصية التي تحب إسرائيل أن تصورها كشريك: مسلح ولكنه متعاون، معارض لحركة الفصائل لا ينتمي للسلطة الفلسطينية، ويبدو أنه يمكنه “ترتيب الشارع”. لكن في الواقع، كان مجرماً استندت قوته فقط إلى الأماكن التي سيطرت عليها إسرائيل مادياً. خارج حدود النفوذ الإسرائيلي – لم يكن لديه قوة ولا شرعية ولا جمهور”.
وبالنسبة للصحفي البارز، “هذا النمط ليس بجديد. يكفي أن نسأل عناصر “جيش لبنان الجنوبي” في لبنان، الذين اعتمدوا على إسرائيل لمدة عقدين حتى سقطت الأرض من تحت أقدامهم في ليلة واحدة. فمن يتلقى القوة من الخارج ولكنه لا يملك قاعدة دعم داخلية – فإن وقته مستعار. إسرائيل، مرة أخرى، بنت وهما حول شخص يمثل الحاجة لإيجاد “من يتولى الإدارة”، وليس حول الحاجة الفلسطينية الحقيقية لإيجاد قيادة”.
وختم خوري مقاله بالقول: “وفاة أبو شباب هي درس مهم.. القيادة لا تولد بإملاء إسرائيلي. كان أبو شباب قويا ظاهريا، ولكنه في الواقع كان حلقة ضعيفة اعتمدت على السلاح، وعلى الفوضى، وعلى اللعب المزدوج بين الأطراف المحلية وبين إسرائيل. لكن غزة ليست مكانا يمكن فيه تنصيب قائد من الأعلى وتوقع أن يقبله الناس على الأرض. فتاريخ المكان أقوى من أي تفكير هندسي”.
المصدر: “هآرتس”

0 تعليق