في عصر العزلة.. كيف يعيد الخليج وأوروبا صياغة علاقاتهما؟ - الأول نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

الدوحة ـ تبدو العلاقات الخليجية الأوروبية في منعطف إستراتيجي جديد تدفعه التغيرات العميقة في السياسة الأميركية، وتفاقم التوترات الدولية، وتنامي الحاجة إلى أمن الطاقة، وصعود القوى المتوسطة الباحثة عن أدوار أكثر تأثيرا.

هذه المعطيات شكلت محور نقاش جلسة "العلاقات الخليجية الأوروبية في عصر العزلة الإستراتيجية" ضمن أعمال اليوم الأول لمنتدى الدوحة، حيث اتفق المشاركون على أن الطرفين باتا أكثر إدراكا لحاجتهما المتبادلة، وأن مستقبل علاقتهما لن يبنى فقط على المصالح التقليدية، بل على تعميق الحوار الإستراتيجي، وتفعيل الشراكات الثنائية والمتعددة لمواجهة عالم يزداد تعقيدا.

قال مستشار رئيس الوزراء والمتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية القطرية ماجد الأنصاري، إن التحولات في الإستراتيجية الأمنية الأميركية تعد نقطة انطلاق ضرورية لفهم مستقبل العلاقات بين الخليج وأوروبا، موضحا أن "واشنطن لم تعد ترى الشرق الأوسط أو أوروبا كأولوية إستراتيجية كما كان الحال سابقا، وهذا النهج سيستمر سنوات".

وأضاف أن الكتلتين الخليجية والأوروبية تشتركان في التحديات نفسها، خصوصا الإرهاب والمخاطر الأمنية العابرة للحدود، الأمر الذي يجعل الحوار الإستراتيجي بين الطرفين "ضرورة وليس خيارا"، وأكد وجود حوار قائم فعلا بين قيادات الجانبين.

جلسة العلاقات الاوروبية الخليجية على هامش منتدى الدوحة (الجزيرة)
جانب من جلسة العلاقات الأوروبية الخليجية على هامش منتدى الدوحة (الجزيرة)

العمل المشترك

وعن الوساطة وحل النزاعات، أشار الأنصاري إلى أن الطرفين قادران على العمل المشترك، مستشهدا بالاتفاق الذي أعلن عنه في كولومبيا والذي جاء بجهود مشتركة من قطر والنرويج وإسبانيا. وقال "لدينا في الخليج، وفي قطر تحديدا، إرادة سياسية وتجربة راسخة تجعلنا قادرين على لعب دور الوساطة الفاعل".

وتوقف الأنصاري عند ملف أمن الطاقة، مؤكدا أن الحرب الأوكرانية وأحداث البحر الأحمر أظهرت مدى الترابط بين أمن الخليج واستقرار الأسواق العالمية، موضحا أن الخليج، بوصفه موردا أساسيا للطاقة، يرتبط استقراره بـ"استقرار العالم وعملائنا الكبار في آسيا، وشركائنا الإستراتيجيين في أوروبا".

إعلان

وأشار إلى وجود نقاش خليجي أوروبي عن الإطار التشريعي الخاص بأمن الطاقة، إلا أن أحد التحديات يكمن في غياب مستويات تقنية متينة داخل الأجهزة البيروقراطية للجانبين، رغم التواصل الجيد على مستوى القيادات. وأضاف "نحتاج إلى تقوية العلاقات الخليجية الأوروبية على مستوى العمل المؤسساتي التقني".

إعادة تشكيل النظام العالمي

من جانبه، قال عضو البرلمان الألماني ونائب الكتلة البرلمانية لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي نوربرت روتغن، إن الولايات المتحدة لم تتجه نحو "العزلة الإستراتيجية" بقدر ما تسعى إلى التحكم في غرب الكرة الأرضية والتأثير على السياسات والديمقراطية الأوروبية، موضحا أن ما نراه اليوم هو "إعادة تشكيل للنظام الدولي" مع ظهور منافسة واسعة بين القوى الكبرى، حيث تحاول روسيا العودة إلى حروب الأراضي، وتسعى الصين إلى الهيمنة في منطقة البحر الهادئ، بينما تركز واشنطن على بسط نفوذها على النصف الغربي للكرة الأرضية.

ورأى روتغن، أن هذا التحول "يفتح نافذة مهمة للتقارب بين الخليج وأوروبا"، لأن كلتيهما قوى متوسطة يمكن أن تبني مصالح مشتركة في مجالات الطاقة والتكنولوجيا والبيئة، حتى رغم الخلافات الثقافية والتاريخية القائمة بينهما، واعتبر أن التعاون بين الجانبين يمكن أن يكون وسيلة لحل النزاعات ومرحلة ما بعد حل النزاعات، ومنها ملف إعادة إعمار سوريا.

وعدّد روتغن نقاط القوة الأوروبية، "إنها تمتلك سوقا اقتصادية هائلة، وقوة مدنية، وقدرات تقنية ضخمة، كما تمر في عملية تحول كبيرة في نموذجها في استهلاك الطاقة نحو الطاقة المتجددة، وهو ما يشكل فرصة كبرى للشراكات الخليجية الأوروبية.

جلسة العلاقات الاوروبية الخليجية على هامش منتدى الدوحة (الجزيرة)
المشاركون في الجلسة يؤكدون نقاط التلاقي بين دول الخليج وأوروبا (الجزيرة)

التعاون في الملف السوري

وقال رئيس المجلس الاستشاري للمعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية باولو ماغري، إن إعادة إعمار سوريا تمثل أحد أهم الملفات القابلة للتعاون بين الخليج وأوروبا، مضيفا أن الشعور بالعزلة الذي يعيشه الطرفان من التحولات الأميركية يجب أن يستثمر للنهوض بالعلاقات.

وأوضح ماغري أن العلاقة تحتاج إلى طموح متبادل ومعرفة أعمق، وإلى كثير من التواضع، لأن الاتحاد الأوروبي يضم دولا متعددة الاتجاهات، في حين مجلس التعاون يضم عددا أقل بكثير من الدول، وهذا يتطلب العمل على شراكة متوازنة.

وأكد الأكاديمي الإيطالي ضرورة بناء العلاقة على أساس متين ومستمر بعيدا عن تقلبات السياسة الأميركية، داعيا إلى توسيع برنامج إيراسموس الأوروبي للتبادل التعليمي ليشمل دول الخليج، لتعزيز التبادل الثقافي والعلمي بين الطرفين.

برنامج إيراسموس هو برنامج ممول من الاتحاد الأوروبي لدعم التعليم والتدريب والشباب والرياضة، ويهدف لتعزيز التعاون والتفاهم الثقافي.

عبدالعزيز صقر رئيس مركز ابحاث الخليج (الجزيرة)
صقر: شراكة الخليج وأوروبا يجري العمل عليها منذ سنوات (الجزيرة)

ملف الهجرة

أما رئيس مركز الخليج للأبحاث عبد العزيز صقر، فقال إن الشراكة بين الخليج وأوروبا من الملفات التي يجري العمل عليها منذ سنوات، وإن الأمن يأتي في مقدمة هذه الملفات، بما فيها التهديدات غير التقليدية، وعلى رأسها الحرب السيبرانية.

إعلان

وأشار الأكاديمي السعودي إلى أن ملف الهجرة يمثل تحديا مشتركا، حيث تنقل أعداد من المهاجرين من آسيا عبر الخليج باتجاه أوروبا، موضحا أن أوروبا تعد الشريك الدفاعي الثاني لدول الخليج بعد الصين، وأن مشاركة المعلومات الاستخبارية من القضايا الحيوية للطرفين، خصوصا في ظل غياب وحدة القرار داخل الاتحاد الأوروبي.

وانتقد الموقف الأوروبي من الحرب على غزة، قائلا إن الاتحاد الأوروبي "لم يتحرك بالسرعة اللازمة لوقف ما يجري، على عكس ما حدث في أوكرانيا"، رغم أن كليهما يمثلان اعتداءات واضحة على المدنيين.

ملف الطاقة

وفي حديث خاص للجزيرة نت، أكد رئيس مركز الخليج للأبحاث أن دول الخليج، باعتبارها منتجا رئيسيا للطاقة، تمتلك القدرة على سد جزء كبير من احتياجات أوروبا، الأمر الذي يفتح المجال لتعاون أوسع في الملفات السياسية والاقتصادية والاستثمارية، إضافة إلى تعزيز التعاون المجتمعي أو ما يُعرف بـ "الناس للناس".

وعن قدرة أوروبا على لعب دور خارج محيطها في ظل أزماتها الداخلية، قال صقر، إن أوروبا لا تستطيع تقديم الضمانات الأمنية التي تحتاجها المنطقة، رغم كونها شريكا اقتصاديا مهماً لدول الخليج، إذ تبلغ قيمة التعاون الاقتصادي معها نحو 161 مليار دولار. وأكد أن الولايات المتحدة لا تزال الجهة ذات الدور الأكبر في ضمان الأمن الإقليمي.

وأوضح عبد العزيز صقر، أن الدور الأوروبي لم يتراجع سياسيا، فالدول الأوروبية لا تزال أعضاء فاعلة في مجلس الأمن ولها تأثير دولي، غير أن المشهد السياسي العالمي ومتغيرات السياسة الأميركية تركت تأثيرا على مجمل الأدوار الدولية، بما فيها الأوروبية.

حرب أوكرانيا

وعن الخلاف بين الولايات المتحدة وأوروبا في أوكرانيا، قال صقر إن دول الخليج لعبت دورا متوازنا ومسؤولا في هذا الملف، فهي ضد احتلال الأراضي بالقوة، وضد العنف، وتدعم الحوار السياسي بين الأطراف، موضحا أن دول الخليج ساندت أوكرانيا في الأمم المتحدة، وقدمت مساعدات إنسانية، وتمسكت بموقف واضح يرفض استخدام القوة في أي صراع لاحتلال أراضي الغير.

وبخصوص إعلان أوروبا وقف استيراد النفط والغاز الروسيين بحلول عام 2026، قال الأكاديمي السعودي، إن هذا التوجه يدفعها بطبيعة الحال نحو تعزيز علاقاتها الاقتصادية بدول الخليج، خصوصا في مجال الطاقة، مؤكدا أن دول الخليج يمكن أن تكون البديل الإستراتيجي لأوروبا، وتسعى فعلا إلى تطوير ما يعرف بـ "مراكز الطاقة"، بحيث تكون منصات لتخزين الطاقة وتصديرها إلى أوروبا بشكل مستدام.

0 تعليق