عاجل

سوق الوهم.. "استغراب" يفضح معايير جمال متغيرة لا تعرف الثبات - الأول نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في عالم تتقدم فيه صناعة المظهر على مشاعر الفقد والإنسان، استهل برنامج “استغراب” حلقته حول معايير الجمال بقصة صادمة لتفضيل امرأة أميركية جلسة تقشير بشرة على حضور جنازة صديق مقرب.

وتروي الحلقة (يمكن مشاهدتها كاملة عبر هذا الرابط) كيف تحولت تجربة الصحفية أليكس كوشنسكي إلى مرآة لهوس متنامٍ بالتحسينات التجميلية، بعد أن اعترفت في كتابها "Beauty Junkies" بأنها كانت "مدمنة جمال"، وأن الصناعة التي كشفت كواليسها تغيّر البشر أكثر مما تغيّر وجوههم.

وتتوسع الحكاية من لحظة فردية إلى ظاهرة عالمية، إذ يصف البرنامج الطفرة الهائلة في عمليات التجميل بالصين، حيث تخطت شابة تُدعى آبي وو حاجز الـ100 عملية، مدفوعة بعبارة تلخص المزاج السائد: "دايما فيه أحسن"، وهي جملة يراها البرنامج أصل الهوس الحديث.

اقرأ أيضا

list of 4 items end of list

وتعرض الحلقة كيف أصبحت تطبيقات تعتمد الذكاء الاصطناعي جزءا من ثقافة التجميل، تقيس الملامح وتقترح تعديلات مستقبلية، مما يخلق حلقة دائمة من عدم الرضا، ويعيد تشكيل إدراك المستخدمين لوجوههم حتى يغدو الشكل الطبيعي أقل مثالية من الصور المحسنة رقميا.

ويكشف البرنامج اتساع السوق ليتجاوز الحدود الآمنة، مع وجود 80 ألف مركز تجميل غير مرخص في الصين وحدها، يعمل فيها أكثر من 100 ألف ممارس غير مؤهل، وهو ما أدى إلى أخطاء طبية ووجوه متورمة وتجارب انتهت بأصحابها إلى محاولة استعادة شكلهم القديم دون جدوى.

ويربط البرنامج بين هذا الاندفاع المحموم وبين تطبيع اجتماعي جعل العملية التجميلية حدثا عاديا لا يختلف كثيرا عن موعد طبي بسيط، في حين كان القرار ذاته قبل عقدين فقط خطوة كبيرة تتطلب تفكيرا واحترازا ومراجعة للأسباب والدوافع قبل الوصول إلى غرفة العمليات.

هوس الصورة

وتستعرض الحلقة انتقال هوس الصورة إلى الصالات الرياضية، حيث يفترض أن يكون الهدف تحسين الصحة، لكن المقارنات المكثفة ونماذج الأجسام المثالية دفعت كثيرين للاعتماد على مكملات غير صحية، في حين أظهرت دراسة نرويجية أن مدربين يلجؤون لأساليب مؤذية للحفاظ على المظهر.

ويشير السرد إلى ازدهار سوق المكملات الهرمونية ومنشطات النمو التي تُباع عبر الإنترنت أو في النوادي الرياضية دون رقابة، مما جعل سعيا بريئا نحو "سكسباك" أو مظهر عضلي معين بوابة لأضرار طبية تشمل الكبد والقلب والهرمونات، في مقابل صورة رقمية مثالية.

ولا يغفل البرنامج انتقال عدوى الهوس إلى الأطفال، إذ انتشرت ظاهرة "Sephora Kids" على منصات التواصل، حيث تظهر فتيات تتراوح أعمارهن بين 7 و10 سنوات في مقاطع "تجهزوا معي"، مستخدمات منتجات مقاومة للشيخوخة، وهو ما انتقدته طبيبات باعتباره خطرا على عقولهن قبل بشرتهن.

وتستعرض الحلقة مثالا صارخا عبر إطلاق شركة جديدة لمنتجات العناية الموجهة للأطفال، مؤكدة أن تغليف المنتجات برسومات لطيفة لا يلغي أثرها النفسي العميق، ولا حقيقة أن شركات التجميل تستثمر في سوق ناشئ يربط الطفولة المبكرة بفكرة الحاجة إلى تحسين المظهر.

وتنتقل الحلقة نحو الجذور النفسية، مؤكدة أن كثيرا من المقبلين على التعديلات الجمالية يعانون اضطراب تشوه صورة الجسد الذي يجعل صاحبه يرى عيوبا لا يراها غيره، فيدخل في دوامة عمليات لا نهاية لها لأن المشكلة ليست في ملامحه، بل في مرآته الداخلية.

وتلفت الحلقة النظر إلى كتاب "عصر الفراغ" للفيلسوف جيل ليبوفيتسكي، الذي يرى أن الإنسان المعاصر فقد مشاريع المعنى الكبرى، فصار الجسد ملاذا لتحديد الهوية ووسيلة للهرب من الزمن، وهي رؤية يربطها البرنامج بما يسمّيه علماء النفس "قلق الشيخوخة".

قبل وبعد

وتوضح أن شركات التجميل تبني خطابها الدعائي على هذا القلق، مستخدمة مقارنات "قبل وبعد" وشعارات تستغل الخوف من الزمن، في حين تصبح الصور المعدّلة على شبكات التواصل معيارا جديدا يتجاوز قدرة الإنسان الطبيعية على تقبّل واقعه.

ويستعرض "استغراب" التحولات التاريخية في معايير الجمال خلال القرن الماضي، من تقديس البشرة البيضاء، إلى اعتبار السمار رفاهية، ثم العودة إلى موجات تفتيح البشرة، ليؤكد أن الركض خلف معايير متغيرة سيظل سباقا خاسرا مهما حاول الفرد اللحاق به.

وتناقش الحلقة ظاهرة "التكيف الإدراكي" التي تجعل العين تعتاد على الوجوه المعدّلة رقميا، فترى الوجه الطبيعي أقل جمالا، مما يعمّق الإحساس بالنقص ويزيد دافع الخضوع لتدخلات تجميلية جديدة في حلقة لا تهدأ.

ويتوقف السرد عند أثر هذه الثقافة على الصحة النفسية، مستشهدا بدراسات تربط بناء الهوية على القيم الداخلية -كالإنجاز والمعرفة والعلاقات- بانخفاض معدلات القلق، في حين يرتفع الاكتئاب واضطرابات الأكل لدى من يربطون هويتهم بصورة أجسادهم.

وتبرز الحلقة دراسة من جامعة ييل تفيد بأن من يملكون تصورا إيجابيا للتقدم في العمر يعيشون سنوات أطول، مقابل من يعتبرون الشيخوخة تهديدا، في إشارة تناقضية إلى أن الخوف من الزمن يسرّع آثاره بدلا من تأجيلها.

ويقارن البرنامج بين حاضر يربط القيمة بالصورة وماضٍ كانت فيه معايير التقدير تميل للعلم والخلق والعمل، مستشهدا بمواقف نبوية تؤكد أن قيمة الإنسان لا تختزل في هندامه أو مظهره، بل في أثره وصدقه وصفاته الداخلية.

وتختتم الحلقة بسؤال يختصر كل رحلة البحث: هل نريد جسدا يُقَيَّم أم إنسانا يُقدَّر؟ معلنة أن استعادة التوازن تبدأ من مراجعة علاقتنا بمعايير جمال تُفقد صاحبها ذاته كلما ركض خلفها أكثر.

انقر هنا للمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعي

share2

0 تعليق