الدوحة- ناقش قادة عالميون أهمية الاستثمار في الإنسان والمواهب الشابة، وتمكين المبدعين في المجالات الثقافية والفنية، وتعزيز الصحة والتعليم في دول الجنوب، بالإضافة إلى دور التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في تعزيز الإنتاجية الزراعية وتحقيق الاستدامة الاقتصادية.
وخلال جلسة بعنوان "الفصل القادم للبشرية: الابتكار والأثر من الجنوب العالمي"، نظم منتدى الدوحة المنعقد اليوم السبت لقاء حواريا بمشاركة رئيسة متاحف قطر الشيخة المياسة بنت حمد آل ثاني ورئيس مؤسسة غيتس بيل غيتس، ورئيس مؤسسة دانغوت آليكو دانغوت، بحضور عدد من الشخصيات القيادية والمؤسساتية.
وأكد المشاركون أن التعاون بين القطاعين العام والخاص والمؤسسات الإنسانية يشكل ركيزة أساسية لإعادة تعريف التنمية في الجنوب العالمي، من خلال دمج الابتكار والاستثمار البشري والتصنيع المحلي للموارد، بهدف بناء مستقبل أكثر عدالة واستدامة وابتكارا.
سمو الأمير المفدى يستقبل سعادة السيد بيل غيتس المؤسس المشارك لشركة مايكروسوفت، بمناسبة زيارته للبلاد للمشاركة في النسخة الـ23 من منتدى الدوحة 2025، وذلك في فندق شيراتون الدوحة. https://t.co/8lhHyqqtcJ pic.twitter.com/Jv3eYjagL8
— الديوان الأميري (@AmiriDiwan) December 6, 2025
تمكين المواهب
وركزت الشيخة المياسة خلال حديثها على "أهمية تمكين المواهب والمبدعين في منطقتنا"، مستشهدة بالمؤسسات القطرية -التي ترأسها شخصيا- حيث تولي اهتماما كبيرا للمؤسسات الثقافية، وبناء المجموعات الفنية التي "تحتفي بهويتنا وتراثنا وانتمائنا في عالم شديد الترابط".
وأوضحت "حين بدأنا تأسيس المتاحف والمجموعات الفنية، أدركنا أن هناك نقصا في المساحات التي تحتضن المواهب وتنميها، لذلك أسسنا معهد الدوحة للأفلام الذي احتفل هذا العام بمرور 15 عاما وأنهى للتو مهرجانه السينمائي، كما أطلقنا مركز "إم 7″ ليكون حاضنة للموضة والتصميم والتكنولوجيا".
إعلان
وأضافت "ونحن هذا العام نحتفل بمرور 20 عاما على تأسيس متاحف قطر و50 سنة على انطلاق مسيرة التحديث تحت شعار "تطور أمة"، وفي هذه الرحلة توسع عملنا ليشمل أفريقيا من خلال منتدى قطر أفريقيا للأعمال، الذي أصبح منصة مهمة للتواصل مع المبدعين الأفارقة".
وتابعت الشيخة المياسة "أفريقيا قارة مذهلة بتنوعها ومواهبها، لكن ينقصها التنسيق والبنية التحتية، وعندما تتعاون الدول بدلا من التنافس ستشهد تحوّلا هائلا، ولدينا مثال في قطر، فالمؤسسات الثقافية أصبحت رافعة أساسية لبناء الهوية وخلق فرص اقتصادية حقيقية. وعندما بدأنا قبل سنوات، لم يكن أحد يرى الثقافة أولوية، أما اليوم فهي في قلب أي مشروع لتجديد الهوية الوطنية في العالم".
من ناحيته، قال بيل غيتس إنه ليس من الجنوب العالمي، لكن عمله قاده إلى السفر كثيرا، خاصة في أفريقيا، حيث شاهد الإمكانات الهائلة والتحديات الكبيرة، وعندما أنشأ مؤسسة غيتس عام 2000 كان الهدف هو تمكين الأطفال من الوصول إلى كامل قدراتهم، ولاحظ أن أمراضا مثل الملاريا وسوء التغذية والالتهابات الرئوية والإسهال تفتك بهم وتعيق تطورهم، "بينما لا يُخصص لها أي تمويل يُذكر".
وأضاف "الملاريا قتلت وحدها هذا العام نحو 600 ألف طفل، وعندما تبرعتُ بـ30 مليون دولار، أصبحت أكبر ممول لأبحاثها في العالم، وهذا أمر غير منطقي لقارة غنية بهذا القدر، وتركز مؤسستنا على مساعدة الدول العالقة في فخ الفقر، والطريق إلى ذلك يبدأ بتحسين الصحة والتعليم"، وأكد أنه في حال تحقيق ذلك سوف تصبح الدول مكتفية ذاتيا كما حدث في آسيا في دول مثل الهند وإندونيسيا وفيتنام.
محور أساسي
وأشار غيتس إلى أن الزراعة هي المحور الأساسي للتنمية في المرحلة الأولى بأفريقيا، ورغم أن معظم الأفارقة يعملون فيها، فإن القارة تستورد الغذاء. ومع التربة المتدهورة وتغير المناخ والنمو السكاني، يحتاج القطاع إلى دعم كبير. لكن باستخدام الذكاء الاصطناعي يمكن توفير مستشار زراعي رقمي يوجه المزارعين ويزيد إنتاجية المزارع الأفريقية من 20% من الإنتاج العالمي إلى مستويات أعلى بكثير.
وعن خطر تحول الذكاء الاصطناعي إلى فجوة رقمية جديدة، يرى أن العكس هو الصحيح؛ فهو سيجعل خدمات الصحة والتعليم متاحة عبر الهاتف مجانا عبر طبيب افتراضي، ومعلم ومستشار زراعي يعملون على مدار الساعة، والتحدي الوحيد هو تحسين الاتصال الرقمي وتوفير الهواتف بأسعار مناسبة.
من جهته، قال آليكو دانغوت إن أفريقيا تضم 1.4 مليار نسمة، والشراكات أمر حاسم، "فشراكتنا مع مؤسسة غيتس أسهمت في القضاء على شلل الأطفال في نيجيريا بعد عقود من الجهود، ونعمل الآن في مجالات الصحة وتمكين الشباب والتعليم، وسنطلق الأسبوع المقبل صندوقا بقيمة 700 مليون دولار لتمويل تعليم 155 ألف طالب على مدى 10 سنوات".
وأضاف "كما نعمل على صناعة متكاملة في مجالات النفط والبتروكيميائيات والزراعة، ونوفر تدريب العمالة المحلية وبناء القدرات. ونمنح المزارعين الدعم التقني والمالي اللازم ونشتري منهم المحاصيل، مما يخلق دخلا مستداما".
إعلان
وحول دمج الصناعات الإبداعية، يوضح دانغوت أن هذه القطاعات جزء من المنظومة نفسها، و"ندعو الحكومات لتقديم حوافز ضريبية تدعم الاستثمار في الإبداع، لأن 70% من الأفارقة دون سن 35 عاما، ومن الضروري إطلاق طاقاتهم، واليوم كثير من الفنانين الأفارقة لم يتخيلوا قبل 10 سنوات بلوغ هذه المكانة العالمية، لكن الإمكانات هائلة".
وقالت المديرة التحريرية لمؤسسة الديمقراطية والثقافة في باريس كيم كونيف تابر إن الجلسة طرحت وجهات النظر المختلفة حول الطرق التي يمكن من خلالها زيادة الصمود في الجنوب العالمي، ورؤية تأثير مختلف الفاعلين بطرق متنوعة ومميزة، وهو ما وجدته مثيرا للإعجاب.
جلسة ملهمة
وأضافت تابر في تصريح للجزيرة نت أن الجنوب بحاجة إلى منصات للتعبير عن نفسه، وأكدت أهمية أن تكون هذه المنتديات أماكن يشارك فيها الجميع بالتساوي، لا حديثا من الشمال عن الجنوب فحسب، ليحصل الجميع على فرصة للتعبير عن آرائهم بحرية والمشاركة في صنع القرار.
وشددت على أهمية منح دول الجنوب الفرص والمساعدة للتعبير عن ذاتها وعدم تهميشها بما يكفل تحقيق العدالة لدول طالما تطلعت لتحقيقها.
كما أكد أزو وامبوغو، أمين ومخرج مهرجان لاغوس ومؤسسة الفنانين الأفارقة في نيجيريا، أن هذه الجلسة التي جمعت قادة عالميين "ملهمة للغاية"، ووضعت الخطوط العريضة لما يبدو عليه مستقبل الجنوب العالمي "الذي يجب أن يكون شاملا وليس معزولا"، مشددا على أهمية ربط الناس بالنيات الطيبة والعمل المشترك عِوض الفصل الجغرافي.
وقال للجزيرة نت إن "إنشاء طاولة جديدة للتعاون يجب أن يكون هدفنا، على أن تكون شاملة ونموذجية للآخرين ليتعلموا منها".
وتطرق إلى قضايا العدالة الاقتصادية والموارد الطبيعية، موضحا أن حوالي 30% من الثروات المعدنية تقع في نيجيريا، وربما تصل إلى 40 و50% على مستوى أفريقيا، "إلا أنها لم تتخذ بعد إستراتيجيات طويلة الأمد لتحقيق أقصى استفادة منها، كما هناك حاجة لتطوير شراكات إستراتيجية مع الدول المجاورة ومع قطر وغيرها عوض تصدير الموارد الخام، والعمل على معالجتها وإنتاج الطاقة والمنتجات داخل القارة".
وأكد وامبوغو أن المنطق الجديد يجب أن يقوم على التصنيع المحلي للمنتجات مثل الهواتف والأجهزة بدلا من الاعتماد على تصدير الموارد، وأن هذا الهدف لا يمكن تحقيقه إلا عبر التعاون والشراكات الصحيحة، لافتا إلى أن التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي يوفران "فرصة للقفز فوق الفجوة التكنولوجية التي فاتتنا خلال الـ20 عاما الماضية، ويمكّنان الجنوب العالمي من تحقيق تقدم وابتكار غير مسبوق، وتعزيز قدرته على المنافسة العالمية".

0 تعليق