"واي ورد".. دراما نفسية تكشف حدود تحكم السلطة في الأفراد - الأول نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

انقر هنا للمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعي

share2

عرضت منصة "نتفليكس" مسلسلها محدود الحلقات "واي ورد" (Wayward)، والذي ترجمته المنصة إلى "مراهقون خارج السرب" ، وحقق أكثر من 8.2 ملايين مشاهدة في أسبوع عرضه الأول، ليصبح من بين الأعلى مشاهدة على المنصة.

جاء تصنيف المسلسل القصير في فئة الغموض والإثارة النفسية، حول جرائم اختفاء سرعان ما نكتشف أن من بينها جرائم قتل، لكنها بحق المراهقين -في مدرسة لاستقبال المراهقين المتمردين أو المضطربين- بصفتهم موضوعا محوريا للأحداث، داخل بلدة هادئة لكن تنطوي على أسرار، في حبكة عادة ما تحقق النجاح، خاصة مع المسلسلات محدودة الحلقات.

اقرأ أيضا

list of 2 items end of list

حبكة معتادة بنهاية محبطة

اعتمد المسلسل -الذي تجري أحداثه في حقبة التسعينيات من القرن العشرين- على حبكة معتادة وإن كانت مركزية وواضحة: ضابط شرطة جديد اسمه "أليكس" ينتقل مع زوجته الحامل إلى بلدة "تول باينز"، حيث تبدأ الشكوك تتبلور حول مدرسة "تول باينز أكاديمي"، التي تدّعي أنها تعالج المراهقين المتمردين.

ومن بين هؤلاء مراهقتان، هما ليلى وآبي اللتان التحقتا بالمدرسة ثم حاولتا الهروب والكشف عما يُخفيه المكان، وسط تحولات وتوترات مستمرة، بينما تتكشف تدريجيا تواريخ الشخصيات وأسرارها وصلات خفية بين المدرسة وأفراد البلدة، في إطار من الرهبة المستترة (Not outright horror)، والتوتر النفسي وأجواء الغموض المتنامية.

لكن كل هذا يتحطم على صخرة النهاية المخيبة للآمال، إذ لم يجد المشاهد إجابات كاملة على كل الأسئلة، مما ترك بعض الفجوات في البناء السردي. وبعبارة أخرى، فقد فضل مخرج المسلسل الإبقاء على الغموض وعدم الإغلاق الكامل، مما يُعطي انطباعا بأنه مفتوح لجزء ثان لكنه في الوقت عينه قد يشعر بعض المشاهدين بأنه لم ينته كما ينبغي.

طائفة مختلة لتطوير الذات

واحدة من أهم نقاط القوة في مسلسل "واي ورد" هي أنها ليست مجرد قصة غموض، بل تحمل في طيّاتها نقدا ضمنيا للعديد من القضايا الاجتماعية والنفسية، على رأسها صناعة "المراهق المضطرب" والمؤسسات التهذيبية.

إعلان

ووفقا لصانعة المسلسل ماي مارتن (Mae Martin)، فإنها اعتمدت في كتابة القصة على أحداث حقيقية خاضها صديق قديم لها، حين كان مراهقًا واضطر للالتحاق بإحدى المدارس الداخلية بهدف تهذيب سلوكه، لكنهم وسّعوا المنظور لصناعة هذه الحبكة الجديدة.

ويسلط هذا العمل الفني الضوء على مؤسسات أو مدارس تُروّج بأنها "علاجية" أو تصحيحية للمراهقين، أو تجنح إلى تطوير مهاراتهم الذاتية وقدراتهم على تجاوز الصدمات والصعوبات، لكن بعضها قد يمارس أشكالا من السيطرة النفسية أو غسل الدماغ.

ويخوض المسلسل نحو أبعد من ذلك، بتحويل هذا المسار التطويري لما يشبه الطائفة الدينية أو الفكرية، بكل معتقداتها، والمعتقدات هنا ليست موروثة أو بفكرة دينية خارجية، وإنما يعتقدون بقوة الذات الفردية والدعم الجماعي على تطوير قدرة الفرد وتعامله مع صدمات الطفولة.

وفي سبيل ترسيخ هذا المفهوم يرتكب القائمون على هذه المدارس العديد من الجرائم لا تقتصر على غسل الدماغ والترهيب والخطف والإخفاء، بل تصل بهم أحيانا إلى القتل، وبهذه الطريقة، يطرح المسلسل تساؤلات حول حدود سلطة الكبار على المراهقين، وحق المؤسّسات متمثلة في شخصية "إيفيلين" مديرة المدرسة في التدخّل في النفوس والأفكار.

إيفيلين.. سلطة الزعيم

من أكثر الأدوار التي لاقت استحسانا جماهيريا ونقديا في المسلسل، شخصية إيفيلين، الزعيمة الغامضة للمدرسة، والتي تجمع بين الكاريزما والتأثير والتعسّف، وتُعدّ عنصر جذب مركزي للعمل، والتي جسدتها الممثلة الأسترالية توني كوليت، بأداء يُعطي الأبعاد المتعددة للشخصية المتسلطة الناعمة.

فهي ليست مجرد "شريرة" نمطية، بل شخصية تسعى لتحقيق رؤيتها الخاصة، والتي تعدّها مثالية لتنشئة وتهذيب المراهقين، وتمتد سلطتها إلى تقرير ماذا يفعلون ومتى، وكيف يفعلونه، كيف يعبرون عن مشاعرهم ومتى يمارسون عملا سيزيفيا بلا جدوى فقط لتهذيبهم.

هذه الشخصية تُعدّ من أعمدة العمل، لأنها تمثل قوة النظام الرمزي للمدرسة، وتُواجه تحركات التحرر التي تمثّلها ليلا وآبي وأليكس.

صدمات متراكمة

تغوص بعض حلقات المسلسل في ذاكرة بعض الشخصيات، لا سيما مديرة المدرسة، مرورا بتداخلات ماضيها الشخصي مع ماضي المدرسة والبلدة، لتكتشف تأثير الفراشة أو مراكمة الصدمات، فمن جيل الهيبيين الناشئ بعد حرب فيتنام يتولد غضب أحمق لدى شابة ترفض الحلول الوسط، وتلجأ للعنف لمعالجة الصدمات وتصبح "رؤيتها الساذجة" للعالم، نظام تربية وتقويم لجيل الأبناء من مراهقي الثمانينيات والتسعينيات، مما يشير إلى فكرة أن الظلم والتجارب القمعية تُركّب نفسها على أجيال متعاقبة، وتحتاج إلى كشف ومواجهة لإحداث تغيير.

ويقدم المسلسل المدرسة وكأنها تمثل نظامًا من الضغوط والأعراف التي تُطبّع السلوك وتحاول ضبطه، وصور الشخصيات الشابة على أنها تمثل -في جزء منها- مقاومة لهذا التمشيط الخارجي على الذات، وهذا التوتر بين النظام والمتمردين يُولّد الكثير من الطاقة الدرامية والرمزية.

مفارقة مكررة بين النور والظلمة

اعتمدت اللغة البصرية للمسلسل على الفوارق بين المشاهد النهارية الهادئة، والمشاهد الليلية أو الداخلية التي تغلفها الظلال والضباب الخفيف، مما يعزز الإحساس بالغموض والريبة، وهي تقنية بصرية معتادة في مثل هذا النوع من مسلسلات الإثارة، تبرز المفارقة بين الهدوء الظاهري والمضامين القاتمة تحت السطح، في بلدة هادئة ذات طبيعة خضراء لمجتمع مثالي، لكن داخل هذا المجتمع المثالي الكثير من الممرات الضيقة والغرف المغلقة والأبواب السرية والجرائم المختبئة.

إعلان

وفي النهاية، "واي ورد" هو عمل يمكن متابعته ليس فقط من باب التشويق، بل من باب التفكير في القضايا النفسية والاجتماعية التي يثيرها، ويمثل تجربة فنية طموحة، في نوع الغموض النفسي والإثارة، ولكن في المقابل، لم يخلُ من بعض العيوب الفنية، ففيه إيقاع سردي غير منضبط بين السرعة والقفز في مشاهد في مقابل البطء السردي في مشاهد أخرى، إضافة إلى بعض الفجوات في السيناريو، وأفعال غير مبررة دراميا بالأخص للشخصيات الثانوية، إلى جانب ترك الكثير من الأسئلة معلقة دون حسم.

0 تعليق