لماذا تمدّد اللهب بهذه السرعة محاصرا السكان داخل 8 أبراج؟
Published On 8/12/20258/12/2025
|آخر تحديث: 10:02 (توقيت مكة)آخر تحديث: 10:02 (توقيت مكة)
لا تزال تفاصيل الحريق الذي اجتاح مجمع "وانغ فوك كورت" شمال هونغ كونغ يوم 26 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي تتصدر النقاش العام، بعد أن تحول خلال ساعات إلى واحدة من أسوأ الكوارث الحضرية منذ منتصف القرن الماضي، مخلفا 156 قتيلا وعشرات المفقودين، في وقت تواصل فيه فرق الإنقاذ عمليات البحث داخل الأبراج الثمانية المتضررة.
ورغم إعلان السلطات السيطرة على أجزاء من الحريق بعد أكثر من 15 ساعة من المكافحة، فإن سرعة انتشار اللهب بين الأبراج وطريقة تمدده الرأسية والأفقية طرحت أسئلة واسعة عن العوامل التي سمحت للنار بالتحول إلى حريق جماعي متعدد الأبراج، بدءا من المواد المستخدمة في أعمال الترميم، وصولا إلى تصميم المجمع وكثافة القاطنين داخله.
وفي هذا التقرير، نقترب من الأسباب المحتملة التي حولت الشرارة الأولى إلى حريق غير قابل للاحتواء، ونستعرض النتائج الأولية للتحقيقات الرسمية لفهم كيف وجدت النار طريقها عبر 8 أبراج سكنية في وقت قصير.
ثوان صنعت المسار..
بداية الاشتعال وانتقال النار بين الأبراج
وتفيد التحقيقات الأولية بأن النيران اشتعلت عند الساعة 02:51 ظهرا في الجزء السفلي من برج وانغ تشيونغ "بلوك إف" (Block F) المحاط بسقالات من الخيزران ومغطى بشبك بلاستيكي أخضر مخصص لأعمال الصيانة.
وما لبثت النار أن صعدت بسرعة على ارتفاع السقالات الخارجية، قبل أن تمتد إلى المباني المجاورة في سلسلة انتقال شبه متواصلة، ساعد على تسارعها أن الأبراج الثمانية تتخذ شكل حرف "في" الإنجليزي (V)، مما جعل المسافة بين الواجهات ضئيلة بما يكفي لانتقال الحرارة واللهب دون عوائق تُذكر.

وقود جاهز للاشتعال.. المواد التي ضاعفت الكارثة
وتقول السلطات إن تمدد الحريق بهذا الشكل لم يكن مجرد نتيجة قوة النيران، بل بسبب مواد كانت تعمل كوقود مفتوح حول الأبراج.

وتشير نتائج الاختبارات الأولية إلى 3 عوامل رئيسية:
الشبك الأخضر البلاستيكي المستخدم لتغطية السقالات لا يلبّي معايير مقاومة الحريق. ألواح فوم بلاستيكية أغلقت بعض النوافذ بهدف العزل خلال الصيانة، لكنها اشتعلت بسرعة وانصهرت، مما سمح للنيران بالدخول إلى الشقق وانتشارها عموديا. سقالات الخيزران -المستخدمة تقليديا في هونغ كونغ- عملت كهيكل قابل للاحتراق، مما جعل النيران تتحرك خارج الأبراج كما لو كانت تسير على مسار جاهز.
وتقول الشرطة إن ما حدث يمثل "إهمالا جسيما" من الشركة المنفذة لأعمال الصيانة، وإن المواد المستخدمة كانت سببا مباشرا في فقدان السيطرة على الحريق في ساعاته الأولى.
الهروب المستحيل.. كبار السن في مواجهة النار والدخان
وحسب بيانات حكومية، فإن أكثر من ثلث السكان فوق سن 65 عاما، مما جعل عملية الإخلاء بطيئة وصعبة، خاصة مع امتلاء السلالم والممرات بالدخان الكثيف.

لعبة وقت طويلة.. الإطفاء في مواجهة جدار من اللهب
واستخدمت فرق الإطفاء الرافعات والسلالم الهيدروليكية طوال الليل للوصول إلى طوابق تجاوزت ارتفاع 30 طابقا.
ووصف نائب مدير الإطفاء المشهد بأنه أشبه بـ"جحيم مفتوح" مع حرارة خانقة ورؤية شبه معدومة.
وبحلول صباح الخميس، تمكّنت السلطات من السيطرة على الحريق في 4 أبراج، بينما ظلّت النيران مشتعلة -بدرجات متفاوتة- في 3 أبراج أخرى.
ذكريات مؤلمة.. وصدمة جماعية
وأعاد الحريق الأذهان إلى كارثة برج غرينفيل في لندن عام 2017، حيث قُتل 72 شخصا نتيجة مواد خارجية قابلة للاشتعال، بينما وصف سكان هونغ كونغ ما جرى بأنه "صدمة وطنية" ودليل على ثغرات تنظيمية متراكمة.
أكبر كارثة منذ 76 عاما
ويصنف الحريق بوصفه الأسوأ منذ عام 1948، حين أودت كارثة مماثلة بحياة 176 شخصا. وفي ظل غضب شعبي متصاعد، أعلنت حكومة هونغ كونغ تشكيل لجنة تحقيق مستقلة لمحاسبة المسؤولين ومراجعة أنظمة السلامة في مواقع البناء.
ويقول خبراء إن ما حدث يعيد فتح النقاش حول استمرار استخدام الخيزران والمواد البلاستيكية في المباني المرتفعة رغم التوسع العمراني الهائل وارتفاع الأبراج في المدينة.
وفي حين لا تزال رائحة الدخان والرماد معلقة فوق الأبراج الثمانية، يبقى السؤال الأكبر الذي يشغل الشارع في هونغ كونغ:
كيف تحوّل حريق واحد إلى مأساة جماعية في واحدة من أكثر المدن تقدّما وتنظيما في آسيا؟
المصدر: الجزيرة + رويترز

0 تعليق