عاجل

وداع إفريقيا في “أقصر حرب في التاريخ”! - الأول نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

زنجبار – كانت جزر زنجبار حتى عام 1964 دولة على رأسها سلطان عربي، وكان العرب كبار ملاك الأراضي، وكانت الجالية العربية المتوطنة هناك منذ قرون تهيمن على أجهزة الدولة.

تعود جذور التواجد الإسلامي في هذه الجزر الواقعة الواقعة في المحيط الهندي قبالة السواحل الأفريقية إلى القرن العاشر الميلادي، عندما بدأ قادمون من بلاد فارس في الوصول والإقامة، ليمتزجوا سريعا مع السكان المحليين. شكّل هؤلاء مع الوقت أغلبية سكانية مسلمة، ضمت أفارقة وفرسا أطلقوا على أنفسهم اسم “الشيرازيين” تيمنا بمدينة شيراز، إحدى الإمارات الفارسية العريقة.

بالتوازي مع هذا الاستيطان الفارسي، ازدهرت العلاقات التجارية مع العرب، لا سيما من عُمان، ما حوّل زنجبار إلى مركز تجاري بحري رئيس ومحطة حيوية لشحن البضائع. لم تقتصر حركة التجارة على التوابل فحسب، بل امتدت لتشمل العاج والذهب والعديد من السلع الثمينة الأخرى.

مع مرور الزمن، لعب العرب العمانيون دورا محوريا في تشكيل تاريخ ومستقبل هذه الجزر. بدأوا في الهجرة إليها بشكل متزايد، مؤسسين سلالات من التجار وكبار ملاك الأراضي، واستطاعوا في النهاية أن يسيطروا بشكل كامل على جميع العمليات الحيوية ذات الأهمية الاجتماعية والاقتصادية، فقاموا بتنظيم التجارة البحرية وزراعة المحاصيل النقدية كالقرنفل، وأرسوا نظاما إداريا شاملا وقاموا بجباية الضرائب.

منذ منتصف القرن العشرين، سعت هذه النخبة العربية الحاكمة بجدية للحفاظ على مكانتها المتميزة وتعزيزها، وكانت حريصة على إعلان زنجبار دولة مستقلة في أسرع وقت ممكن، لضمان استمرار هيمنتها.

في عام 1964، كانت زنجبار ملكية دستورية يرأسها السلطان جمشيد بن عبد الله. بلغ عدد سكانها آنذاك قرابة ثلاثمائة ألف نسمة، تألفوا من مئتين وثلاثين ألف أفريقي بعضهم من أصول فارسية، وخمسين ألف عربي، وعشرين ألف مهاجر من شبه القارة الهندية.

أطلال قصر السلطان في زنجبار

على الرغم من كون العرب والهنود أقلية عددية، إلا أنهم احتلوا أهم المراكز في دوائر التجارة والاقتصاد، وهو ما ولّد شعورا متصاعدا بالاستياء بين الأغلبية الأفريقية.

جاءت النهاية مفاجئة ونهائية لهذا الوضع في عملية عسكرية خاطفة تذكرها معظم المصادر الغربية على أنها “ثورة” ضد الوجود العربي والنخبة الحاكمة.

في الساعة الثالثة صباحا من يوم الثاني عشر من يناير عام 1964، شن ما بين ستمائة إلى ثمانمائة متمرد، معظمهم من الأفارقة، وبدعم من عدد من ضباط الشرطة الذين كانوا قد فصلوا من الخدمة، هجوما منسقا على مراكز الشرطة في جزيرة أونغوجا، أكبر جزر الأرخبيل، ومستودعات الأسلحة، والمحطة الإذاعية.

كان المهاجمون مسلحون بمئات البنادق الآلية والمدافع الرشاشة، وتمكنوا بسرعة من الاستيلاء على المباني الاستراتيجية في العاصمة. في غضون ست ساعات فقط من اندلاع الاشتباكات، سقط مبنى التلغراف والمباني الحكومية الرئيسة بأيديهم. باستثناء المطار الذي صمد حتى الساعة الثانية والربع بعد الظهر، كانت السيطرة على الجزيرة قد اكتملت.

لاذ السلطان جمشيد بن عبد الله مع رئيس وزرائه وأعضاء مجلس الوزراء بالفرار من الجزيرة على متن يخت، بينما استولى الثوار على القصر السلطاني. في غضون 12 ساعة من القتال في الشوارع، سقط ما لا يقل عن ثمانين قتيلا وجرح مئتان.

تختلف الروايات حول العقل المدبر والمخطط لهذه الأحداث. فبينما تشير الوثائق التاريخية الرسمية في زنجبار إلى أن رئيس حزب آسيا والمحيط الهادئ، عبيد أماني كرومي، هو من خطط وقاد “التمرد”، تذكر مصادر أخرى أن جون أوكيلو، وهو سياسي وشرطي سابق من أصل أوغندي، هو من لعب الدور الرئيس في التخطيط للانقلاب.

تتضارب أيضا التقديرات حول عدد الضحايا بين بضع مئات وآلاف، لكن ثمة أدلة موثقة على عمليات إعدام جماعي للأسرى العرب ودفنهم في مقابر جماعية.

قام طاقم إيطالي بتصوير هذه المشاهد من طائرة هليكوبتر وعرضها في فيلم وثائقي بعنوان “وداعا أفريقيا”، والذي يعد الدليل البصري الوحيد على هذه المجازر. فر آلاف العرب من الجزر باتجاه عُمان، في حين أن المجتمع الأوروبي الصغير في زنجبار لم يتعرض لأي أذى.

انتهت أعمال العنف الكثيفة في الثالث من فبراير، وحصل عبيد أماني كرومي على دعم شعبي واسع كرئيس للبلاد. عاد ضباط الشرطة إلى الخدمة وانتشروا في الشوارع، وفتحت المتاجر التي كانت قد أغلقت أو نهبت، وبدأت عملية نزع الأسلحة غير المرخصة من المدنيين.

أعلنت الحكومة الثورية الجديدة نيتها محاكمة خمسمائة سجين سياسي. وفي الوقت نفسه، شكلت الشخصية الغامضة جون أوكيلو مجموعة شبه عسكرية أطلق عليها اسم “قوات الحرية”، قامت بتنظيم دوريات في الشوارع ومارست نهب الممتلكات العربية بشكل منظم.

ولكن سلوك أنصار أوكيلو المتطرف، وخطابات زعيمهم العدوانية، ولهجته الأوغندية الواضحة، وديانته المسيحية، سرعان ما أدت إلى نفور غالبية سكان زنجبار المعتدلين. بحلول شهر مارس، تم نزع سلاح العديد من أفراد قواته على يد أنصار كرومي وميليشيا حزب الأمة. صدر قرار رسمي بتجريد أوكيلو من رتبته في الحادي عشر من مارس، وتم منعه من العودة إلى زنجبار عندما حاول دخولها من البر الأفريقي الرئيس، ليرحل إلى تنجانيقا ثم إلى كينيا، قبل أن يعود أخيرا إلى وطنه الأصلي أوغندا.

في أبريل من العام نفسه، شكلت الحكومة “جيش التحرير الشعبي”، وأكملت عملية نزع سلاح ما تبقى من قوات أوكيلو المسلحة. في السادس والعشرين من أبريل 1964، أعلن كرومي توحيد زنجبار مع تنجانيقا، لتتشكل دولة جديدة أطلق عليها اسم تنزانيا.

هكذا، وبعملية عسكرية استغرقت ثمانية وثلاثين دقيقة فقط، وفق بعض الروايات، انتهى الوجود السياسي والاجتماعي المهيمن للعرب في زنجبار، في واحدة من أسرع الثورات وأكثرها دموية في تاريخ أفريقيا الحديث، والتي أعادت رسم الخريطة الديموغرافية والسياسية للجزر بعنف، وطويت صفحة الحكم العربي الذي دام قرونا.

المصدر: RT

0 تعليق