الأسواق تترقب شرارة الفيدرالي: الذهب يكسر السقف والدولار تحت ضغط السياسة - الأول نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
لم يكن تجاوز المعدن الأصفر مستويات 4200 دولار مجرد امتداد لحركة صعود معتادة، بل انعكاسا واضحا لثلاثة تحولات جوهرية

تجاوز سعر الذهب مستويات 4200 دولار للأونصة (كأعلى سعر في التاريخ الحديث)، بالتزامن مع تسعير الأسواق لاحتمالية تصل إلى 90% لخفض سعر الفائدة الأمريكي هذا الأسبوع.

بينما تستقر أسعار النفط الخام (برنت) نحو حدود 62 دولارا للبرميل، متأثرة بضغوط الوفرة والمخاوف الجيوسياسية.

تشير هذه المؤشرات إلى أن المستثمرين يتخذون مواقعهم تحسبا لـتحول نقدي رئيسي في عام 2025.

منعطف تاريخي يواجه الاقتصاد العالمي

يقف الاقتصاد العالمي في لحظة محورية تتسم بتركيب معقد من التحديات، هي الأكثر حساسية منذ الأزمة المالية العالمية قبل عقد ونصف.


لم يعد المشهد الاقتصادي يخضع فقط لمعادلات التضخم وأسعار الصرف التقليدية، بل بات خاضعا لتأثيرات متقاطعة من السياسة الداخلية الأمريكية، التحولات الجيوسياسية السريعة، وتنامي الثقل الاقتصادي الشرقي.

إن الترقب الحذر الذي يسبق قرار الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لهذا الأسبوع يتجاوز أهمية القرار بحد ذاته ليصبح مؤشرا على إعادة تسعير واسعة للمخاطر وتحديدا لاتجاهات رؤوس الأموال على المدى المتوسط.

الذهب والفضة.. ملاذان بعيدان عن قبضة الدولار

لم يكن تجاوز المعدن الأصفر مستويات 4200 دولار مجرد امتداد لحركة صعود معتادة، بل انعكاسا واضحا لثلاثة تحولات جوهرية.

أولا، يبحث المستثمرون عن أصول توفر اليقين ولا تتآكل بفعل القرارات النقدية المتقلبة أو الصراعات الجيوسياسية، ليكون الذهب هو الملاذ الأبرز.

الارتفاع الأخير لا يعكس فقط ترقب قرار الفائدة، بل استعدادا لمرحلة أطول وأعمق من تخفيف السياسة النقدية.

ثانيا، يعلم الذهب جيدا أن خفض الفائدة يرفع من جاذبيته، حيث تنخفض تكلفة الفرصة البديلة للاحتفاظ بأصل لا يدر عائدا.

وعلى الرغم من أن الأسواق قد تسعر خفضا قريبا، فإن لغة بيان الفيدرالي ونبرة التوجيه المستقبلي هي ما ستحدد ما إذا كان الارتفاع الحالي سيشهد جني أرباح محدودا أم سيتحول إلى موجة صعود جديدة غير مسبوقة.

في سياق متصل، لم يكن قفز الفضة إلى مستويات قاربت 59 دولارا (وهو مستوى قياسي حديث) محض مصادفة.

فإلى جانب التفسير التقليدي المتعلق بشح المعروض، دخلت الفضة بقوة في قائمة الأصول التي تجذب الباحثين عن تنويع لملفات الحواط بعيدا عن الدولار.

والأهم هو دورها الصناعي المتزايد في قطاعي الطاقة المتجددة والإلكترونيات المتقدمة، ما يمنحها قوة دفع صاعدة ذات طبيعة طويلة الأجل، لتعمل كأصل استثماري وصناعي في آن واحد.

في المقابل، يظهر سوق النفط صورة أكثر تعقيدا، حيث تترنح الأسعار بين وفرة الإمدادات والمخاطر الجيوسياسية المتزايدة.

فاستقرار أسعار برنت حول 62 دولارا ليس دليلا على ضعف الطلب فحسب، بل نتيجة مباشرة لعودة الإنتاج من حقول عراقية رئيسية وزيادة في المخزونات.

يظل هذا التوازن هشا للغاية. فالوفرة الحالية تضغط على الأسعار، لكن الخوف من الاضطرابات يمنع الانهيار.

أي انهيار في المحادثات الدولية أو تصعيد عسكري مفاجئ في مناطق التوتر الرئيسية، مثل البحر الأسود، كفيل بدفع الأسعار إلى قفزة سريعة تتجاوز 70 دولارا خلال أسابيع معدودة، مما يؤكد أن أسواق الطاقة أصبحت أسيرة للمشهد الجيوسياسي بشكل لم يسبق له مثال.

الصراع الداخلي: استقلال الفيدرالي تحت الاختبار

تأتي اللحظة الحالية لتؤكد أن السياسة الأمريكية قد اقتحمت ساحة القرارات النقدية.

فالتصريحات الصادرة عن شخصيات سياسية نافذة، حول اشتراط خفض الفائدة الفوري على المرشح الجديد لقيادة الفيدرالي، تمثل تدخلا علنيا يكسر خطوط الفصل التقليدية عن المؤسسة النقدية.

هذا الضغط السياسي يولد قلقا مضاعفا في الأسواق، ويقلل من ثقة رؤوس الأموال في قدرة السياسة النقدية على العمل بمعزل عن الاعتبارات الانتخابية.

إن هذا الصراع على قيادة البنك المركزي لا يقتصر على تحديد سعر الفائدة، بل يمثل خلافا بين رؤيتين متناقضتين لمستقبل الاقتصاد.

خفض "متشدد" وتأثير عالمي

من المتوقع أن يقرر الفيدرالي خفضا للفائدة بمقدار ربع نقطة هذا الأسبوع، مدفوعا بثلاثة عوامل رئيسية: تباطؤ واضح في مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي، تراجع ثقة المستهلكين الجزئية، وتباطؤ مستمر في سوق العمل حيث سجلت رواتب القطاع الخاص أكبر انخفاض منذ أكثر من عامين ونصف.

السيناريو الأرجح هو ما يسمى بـ "الخفض المتشدد": خفض للفائدة ولكنه مصحوب بلهجة حذرة وملامح تشير إلى عدم الاستعداد لتكرار الخفض بسرعة.

هذا يرسل رسالة مزدوجة: دعم محدود للاقتصاد مع حذر بالغ من إعادة إشعال التضخم.

التأثير العالمي: سيؤدي هذا الخفض إلى

تراجع في حركة الدولار، ما يفتح الباب أمام صعود أكبر للذهب والمعادن الثمينة.

تحرير مؤقت للرسمال في الأسواق الناشئة، مما يعزز من قدرة اقتصادات كالصين والهند على المناورة.

تحديد تكلفة الاقتراض حول العالم لعام كامل.

يدخل النظام المالي مرحلة إعادة تموضع، حيث يميل الثقل تدريجيا نحو المعادن الثمينة للحواط، وتصبح أسواق الطاقة أسيرة للجيوسياسة.

قرار الفيدرالي هذا الأسبوع ليس مجرد تعديل نقدي، بل هو الشرارة الأولى التي ستحدد مستقبل الاقتصاد العالمي للسنوات المقبلة.

0 تعليق