تستولي حالة من التردد الحاد على أسواق المعادن الثمينة، حيث يترقب المتداولون بشغف قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي المرتقب الليلة.
هذا الترقب يضع الصراع الدائر بين قوى الشراء (الثيران) والبيع (الدببة) على عقود الذهب الآجلة على المحك، ويهدد بتحويله إلى حركة اتجاهية أحادية الجانب.
فالمعنويات السائدة في السوق تتأثر بعوامل متعددة؛ ليس أقلها التقارير الإعلامية، والظروف الاقتصادية الأوسع نطاقا، مثل ضغوط التضخم العالمية وخطوات البنوك المركزية لتعزيز عملاتها والسيطرة على الأسعار، خاصة في ظل التداعيات المحتملة للسياسات التجارية الجديدة.
جني الأرباح يرسم مسارا حادا
لم يدم صعود الذهب الأخير طويلا؛ فبعد أن دفعت موجة شرائية قوية عقود الذهب لاختبار مستوى قياسي بلغ 4,398.21 دولارا للأونصة في 20 أكتوبر 2025، شهدت الأسعار عمليات جني أرباح مكثفة.
هذا التراجع كان سريعا وحادا، حيث انزلقت العقود بزاوية ميل حادة بلغت 67 درجة على مدار الأيام الثمانية التالية، لتدفع الذهب لاختبار أدنى مستوى عند 3,910 دولارات في 28 أكتوبر من العام ذاته.
يرى مراقبون أن هذا الانزلاق لم يكن مجرد تصحيح فني، بل كان مؤشرا على تخوف طويل الأمد من احتمالية أن يكون الذهب، كملاذ آمن، مبالغا في تقييمه عند هذه المستويات المرتفعة تاريخيا.
إذ تراجع حجم الشراء حتى من قبل الباعثين التقليديين كالبنوك المركزية، ما يشير إلى أن عامل "الخوف من المرتفعات" أصبح مسيطرا على كبار المشترين والمستثمرين الاستراتيجيين.
مسار الارتفاع منذ نوفمبر 2023
ارتبطت فورة الشراء المستمرة في الذهب ارتباطا وثيقا بالتحولات السياسية الأميركية، بدءا من نوفمبر 2023 عقب فوز دونالد ترامب بالانتخابات، وتسارع هذا الزخم بعد تنصيبه في 20 يناير 2025.
هذه الموجة دفعت أسعار الذهب نحو قمم قياسية، مدعومة بتدفقات نقدية قوية عبر صناديق الاستثمار المتداولة في الذهب (ETFs)، وزيادة في المراكز ذات الرافعة المالية المرتفعة وسط توقعات متنامية بتسهيل نقدي من قبل الفيدرالي عبر المزيد من تخفيضات أسعار الفائدة.
ومع ذلك، حتى مع الإغلاق الحكومي الأميركي الذي استمر 43 يوما في تلك الفترة، وغياب البيانات الاقتصادية الأساسية (كبيانات مراكز الذهب في لجنة تداول السلع الآجلة CFTC)، استمرت الأسعار في الارتفاع لتسجل قمة قياسية.
يرى المحللون أن هذا الصعود القوي يرجع جزئيا إلى تشكيل "ضجة صعودية" بين المستثمرين عبر التقارير الإعلامية، حيث سارعت وكالات التصنيف إلى رفع توقعاتها لأهداف الذهب لتتراوح بين 4,900 دولار و5,500 دولار.
إلا أن هذه الأهداف لم تتحقق بعد، حيث إن الأسعار المرتفعة تاريخيا تعيق فعالية الذهب كملاذ آمن، بالنظر إلى طبيعته كأصل غير مدر للعائد.
التوقعات: مفتاح التقلب في التوجيه المستقبلي
في الوقت الراهن، ورغم ارتفاع الرهانات على خفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس من قبل الاحتياطي الفيدرالي في اجتماع الليلة، وتزايد الآمال بتوجيهات مستقبلية إيجابية، تظل عقود الذهب الآجلة معلقة بالقرب من نقطة محورية عند 4,245 دولارا منذ 5 ديسمبر.
من المتوقع أن يشهد الذهب حركة متقلبة جدا الليلة.
فإذا أبقى الاحتياطي الفيدرالي على أسعار الفائدة دون تغيير – في محاولة للسيطرة على التضخم المتصاعد – فإن صراع "الثيران والدببة" قد ينتهي سريعا لصالح الدببة بهبوط حاد.
أما إذا تحقق خفض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس كما هو متوقع، فسيكون مصير الذهب مرهونا بـ"التوجيهات المستقبلية".
فأي إشارة إلى مسار بطيء أو حذر في التخفيضات القادمة قد تضعف الذهب، في حين أن الإيحاء بتسارع وتيرة التيسير النقدي هو الوحيد القادر على إشعال موجة شرائية جديدة تدفع بالأسعار إلى ما بعد القمم القياسية المسجلة.

0 تعليق