حقيقة الوضع المالي لليابان - الأول نيوز

0 تعليق ارسل طباعة

د. محمد الصياد*

لا ضير بطبيعة الحال في لجوء الحكومة اليابانية لتوجيه مؤسساتها المالية (بنك اليابان المركزي، والحكومات المركزية والمحلية، والمؤسسات المالية المملوكة للحكومة وصناديق التقاعد)، للانخراط في تجارة عالمية للعملة، رأس حربتها الاحتياطيات المصرفية اليابانية الضخمة، استغلالاً للفارق بين عوائد الاستثمار بالين الياباني وعوائد الاستثمار بالعملات الأخرى (الدولار الأمريكي تحديداً). فهذه ممارسة شرعية لا غبار عليها في مذهب حرية الأسواق المفتوحة. لكن، إذا ما تسببت هذه السياسة في إلحاق أضرار باستقرار الأسواق الأخرى، فعندئذ تصبح اليابان (أو أية حكومة أخرى تلجأ إلى سياسة خطف عناقيد العنب المتدلية تفضيلاً لعناقيدها غير الناضجة)، هدفاً لسهام النقد، لا سيما من جانب المتضررين من سياستها هذه. خصوصاً إذا ما كان المتضررون حلفاء اليابان. لذلك من غير المستبعد أن تكون حملة التشكيك والتهويل الملحوظة أخيراً في بعض وسائط الميديا الأمريكية والبريطانية، بشأن حالة الاقتصاد الياباني، رداً تحذيرياً وقاسياً على ممارسات المؤسسات المالية اليابانية في أسواق أمريكا وأوروبا. على نحو ما فعلت مؤسسة «استعراض المنافسة العالمية» (Global Competition Review) على سبيل المثال. وهي مؤسسة أمريكية بريطانية (لها مقران في لندن وواشنطن) تختص بأبحاث ودراسات المنافسة العالمية والقانون والسياسة في العالم. حيث زعمت بأن اليابان على حافة الانهيار الاقتصادي بعد أن تخلص المستثمرون فيها من 10.6 مليار دولار من استثماراتهم في سوقها المالي. وذهبت إلى أن المخاوف تسيطر الآن على أسواق الأسهم في العالم بعد الضربة الشديدة التي تلقتها يوم الخامس من شهر أغسطس 2024 إثر ظهور بيانات مكتب العمل الأمريكي يوم 2 أغسطس 2024 التي أشارت إلى ارتفاع البطالة بنسبة 0.2% إلى 4.3%، وإعلان بنك اليابان المركزي، بالتزامن، رفعه سعر الفائدة حتى 0.25% بعد 17 عاماً من سياسة الفائدة الصفرية والسالبة.
واقع الحال، أن اليابان تواجه الآن سيناريو لا يبدو مواتياً، حيث أدى فرار المستثمرين في «الهجمة المرتدة» الأخيرة، إلى فقدان مؤشر توبكس نسبة 12% من قيمته، وذلك في أسوأ أداء له منذ عام 1987، مقارنة بانخفاضات بنسبة 2-3% في أمريكا وبريطانيا وأوروبا. في الوقت نفسه، بدأ الين الياباني في الانتعاش بفضل السياسة النقدية الجديدة لبنك اليابان (المركزي). فقد ارتفع بنسبة 13% في ظرف شهر تقريباً، بعدما كان في أضعف مستوياته منذ 37 عاماً. لكن هذا ليس مؤشراً للتعافي، فقد وضعت الأحداث كلاً من وزارة المالية وبنك اليابان أمام خيارين صعبين: إما تثبيت قيمة الين أو منع انهيار كارثي لسوق الأوراق المالية. وقد مهد قرار إعطاء الأولوية للين الطريق لتداعيات اقتصادية ذات أثر في كل جانب من جوانب الحياة اليابانية. اختار بنك اليابان دعم الين، والتضحية بسوق الأسهم، حيث سجل متوسط ​​أسهم نيكاي ثاني أكبر انهيار يومي له على الإطلاق، حيث انخفض بمقدار 2216.63 نقطة إلى 35909.70 يوم الجمعة 2 أغسطس 2024.
وتحمل هذه التحركات الحادة تداعيات لا تقتصر على المستثمرين والشركات اليابانية، ذلك أن الثقل المالي الذي تتمتع به البلاد يعني أنها قد تصبح مصدراً لمزيد من التقلبات في الأسواق العالمية المتوترة، كما تذهب «الإيكونوميست». فاليابان جزء من مجموعة الدول السبع والنظام المالي الجديد «متعدد الأقطاب» الذي أطلقته بنوك الاستثمار/مديرو الأصول مثل «جولدمان ساكس» و«بلاك روك» وغيرهما.
كما أن اليابان ليست أمريكا التي نجحت في إجبار العالم على الاعتراف بالدولار كعملة مرجعية عالمية (أداة دفع، وأداة اكتناز لدى البنوك المركزية وغيرها من البنوك والشركات والأفراد، وأداة قياس للقيمة)، ما منحها امتياز طباعة النقود من دون رصيد والاقتراض بلا سقوف. لذلك حين يصل الدين العام الياباني إلى 9.2 تريليون دولار أمريكي، أي بنسبة 263% من إجمالي الناتج المحلي الياباني، (بيانات مارس 2023)، فهذا مؤشر على وجود مكمن خطر كما الفقاعة التي تتمدد بلا كوابح، حتى لو حاول الإعلام الاقتصادي الياباني السائد التهوين منه على أساس أن معظم الديون اليابانية مقومة بالين الياباني وتعود ملكيتها لجهات محلية.
والحال، أنه منذ انهيار النموذج الياباني في النصف الثاني من ثمانينات القرن الماضي حين أُجبرت اليابان على رفع قيمة الين ما أفقدها ورقة نموذجها الرابحة (صادراتها السلعية الرخيصة) - وإدمانها للاستدانة لم يتوقف رغم منع بنك اليابان (المركزي) بموجب قانون المالية العامة من شراء السندات الحكومية، إذ يتم خرق القانون بالحصول على تفويض من البرلمان الذي تسيطر عليه الحكومة.
*خبير بحريني في العلاقات الاقتصادية الدولية

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق