كتب خليل الشيخ:
لم تعد المواطنة "أم رائد" خلف تحتمل مجمع القاذورات وحفر الصرف الصحي التي تحيط بها من كل جانب.
وطفحت هذه الحفر على الخيام المجاورة لها وتحولت إلى مساحات واسعة من برك المياه العادمة، ما دفع بالمواطنة "أم رائد" (38 عاماً) إلى الصراخ بأعلى صوتها "يارب ارحمنا من هالعيشة الصعبة".
"مفش حد مهتم فينا ولا مدور علينا، لحالنا بنكابد الأوساخ والمجاري وحنضل هيك لغاية منموت"، هكذا أضافت ربة الأسرة التي تعيش برفقة أفراد أسرتها في خيمة مهترئة وسط تجمع كبير للخيام المقام غرب مدينة غزة.
وأوضحت أن جميع الجيران وهي أيضاً، أنشؤوا حفراً من أجل تصريف المياه العادمة منذ بداية نزوحهم، وتلك الحفر الامتصاصية امتلأت وطفحت في المنطقة المجاورة، ولم يعد هناك مكان يمكن تصريف هذه المياه داخله.
وفقدت المواطنة "أم رائد" كل السبل لكي تحافظ على النظافة الشخصية لأطفالها الذين تظهر عليهم الأوساخ المؤدية إلى الأمراض المعدية، في وقت يعاني قطاع غزة من شح كبير في مواد التنظيف.
وأشارت إلى أنها عجزت عن توفير مقومات النظافة لأطفالها الخمسة، فهم طوال الوقت يلهون بين الأتربة القذرة، ويقتربون من برك تجمع مياه الصرف الصحي بين الخيام، مؤكدة أنها فقدت القدرة للسيطرة عليهم.
"أم رائد" واحدة من عشرات آلاف المواطنين الذين يعيشون حياة بائسة بسبب تردي أوضاع النازحين في كافة خيام النزوح والتشرد.
وذكر النازح باسم الأخرس (43 عاماً)، أن طفح حفر التصريف التي تم إنشاؤها مع بداية النزوح قبل عدة أشهر تسبب أيضاً بمخاطر سقوط الأطفال الذين يقضون غالبية وقتهم في الشوارع وبين الخيام بهذه الحفر، وأيضاً تدهور نظافتهم الشخصية.
وقال: "نحن ننام عند مسافة لا تزيد على نصف متر من حفرة للتصريف الصحي التابعة لأحد الجيران، ولا يفصلنا عنها سوى قطعة قماش بالية".
وأضاف الأخرس: "البيئة القذرة والأوساخ الناجمة عن مواقد النار والأفران الطينية في المناطق الترابية، فضلاً عن نقص كبير في الحصول على المياه اللازمة للاستخدامات المنزلية ومياه الاستحمام وغياب مواد التنظيف، تؤدي إلى انتشار الأمراض والأوبئة".
وأشار إلى أن جميع أبنائه وأقربائه أصيبوا بأمراض معدية، كاليرقان والكبد الوبائي، والمغص الناجم عن تلوث مياه الشرب وغياب النظافة عند تجهيز الطعام.
من جهتها، قالت فاطمة، في الستينيات من عمرها، المقيمة في حي تل الهوا جنوب غربي مدينة غزة: إنها لا تستطيع التعامل مع القاذورات الناجمة عن الإهمال، في وقت تتزايد حالة النزوح، مشيرة إلا أن حفر الصرف الصحي تحيط بمنزلها من كل الجوانب.
ولفتت إلى أن شبكات الصرف الصحي معطلة، ولا تعمل بالقدر المناسب لحجم وضغط النازحين في المناطق الغربية والوسطى لمدينة غزة.
ورأت مصادر طبية أن غالبية الأسباب التي تؤدي إلى انتشار الأوبئة والأمراض ناجمة عن غياب النظافة الشخصية والنظافة العامة، إضافة إلى التدهور المستمر للبيئة، مشيرة إلى أن فصل الصيف يشهد غالباً انتشار الأمراض الجلدية والمعوية المعدية.
وقالت بلدية غزة: إنها تقدر حجم الخطر الذي يحيط بالمقيمين والنازحين في مناطق نفوذها بسبب الخلل الكبير الذي أصاب منظومة الصرف الصحي، والناجمة عن تصعيد قوات الاحتلال.
وبينت أن التصعيد الإسرائيلي منع طواقم البلدية من التعامل مع محطتَي التصريف في منطقتي "البقارة" شمالاً و"الزيتون" جنوباً، وإصلاح الأضرار التي طرأت على خطوط الصرف الصحي في مناطق أخرى.
يذكر أنه لا دور لبلدية غزة في التعامل مع حفر الامتصاص التي ينشئها النازحون في تجمعات الخيام المنتشرة في أحياء المدينة، ولا مع طفحها وتحوّلها إلى تجمعات من المياه العادمة.
0 تعليق