ريهام الزيني تكتب: مولد الهدي ذكرى وبشرى ورجعى ؟! - زاجل الإخباري

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

زينوا الدنيا وأعلنوا السرور، فقد حل ذكري ميلاد ربيع الرسولﷺ، ذكري المناسبة العطرة العزيزة علي الأرواح والقلوب، ذكري بداية فجر جديد للبشرية ومولد الرحمة المهداة للإنسانية، ذكري مولد سيد الكائنات والمخلوقات، نبي الأمة، والمنة العظمي، والنعمة الكبري الذي به إمتلأت القلوب إيمانا، والعقول يقينا، والكون هدي وذكري وبشري ورجعي للعالمين.

 

 كيف لا وهو الذي كرمه الله عز وجل فجعله سيد ولد آدم وخاتم الأنبياء والمرسلين؟، كيف لا وهو الذي حظيت أمته بالتكريم وعلو الشأن والمكانة والتقدير فوق باقي الأمم أجمعين؟، كيف لا وهو الذي إستنارت الكون بمولده والوجود بطلعته، وأشرقت الأرض بنور ولادته، وتجاوبت السماوات والأرضين مع هذا الحدث العظيم، كيف لاوهو الذي جعل مولده نورا وبركة وإهتز له عرش كسرى، وإنطفأت به نار فارس بعد أن ظلت مشتعلة ألف عاما؟، كيف لا وهو الذي جعله الله أمنا وأمانا وسلاما لأمته من العذاب؟، كيف لا وهو الذي شرفه الله وجعل وجوب إتباعه وإتباع سنته العطرة من طاعته ومحبته عز وجل؟.

 

 فأي تشريف أجل من أن يربط كمال الإسلام والإيمان بتمام محبة رسوله العدنانﷺ؟، أي تقدير أعظم من أن يجعل الله الشهادة بنبوته في أول ركن من أركان الإسلام؟، أي تكريما أكبر تعزيزا من أن يختصه الله بمعجزة الإسراء والمعراج؟، أي حبا أكثر توقيرا وإحتراما ونصرة وحفظ مقاما يفوق من أن يصلي الله عليه ويجعل الملائكة دائمة الصلاة عليه إلى يوم الدين؟.

 

فلا خلاف أن الذكري لا تكون الإ تنبيه للغافلين وإيقاظ الراقدين، وأنها لا تنفع الإ المؤمنين المستحضرين المنة والنية روح العبادة الحقيقية وباب الإيمان ومفتاح الأنوار والأسرار في جميع الأقوال والأفعال والأحوال الظاهرية والخفية، لا خلاف أن المؤمنين الصادقين هم فقط من يتقلبون بين نعم الله مستحضرين سبب هذه النعم العظيمة الذي هو رسول رب العالمين، مستحضرين حلمه ورحمته، وصبره وتحمله، وحرصه على أمته، وتألمه على غفلتهم، وأسفا على عدم إدراكهم لفضل الله وأوامره، وعدم إستجابتهم لفضل الله عليهم آناء الليل وأطراف النهار من ذكر الجنان إلى ذكر اللسان إلى ذكر الجوارح والأركان، ولكن ما علينا الإ التذكرة إعمالا بقول الله عز وجل {فذكر إنما أنت مذكر ٢١ لست عليهم بمصيطر ٢٢ الإ من تولي وكفر ٢٣ فيعذبه الله العذاب الأكبر ٢٤} -الغاشية، فلا تترددوا أحبتي في التذكير فهي مهمتنا ورسالتنا أجمعين إلي يوم الدين.

 

إنه لنبأ عظيم، يشهد بأنه رسول من أنفسنا من أشرفنا وأنبلنا وأكرمنا، ميزه الله واصطفاه وهيأه ورباه وأدبه وأحسن تأديبه فأعطاه من كل خير وحباه، وأكرمه وإجتباه، إنه نبي منهجه التيسير والتبشير، يكره المشقة لأمته، وللناس والعالمين، ويتجنب هلكتهم إلي يوم الدين، فإذا كان حريصا علينا بوجوب عبادة الله والإلتزام بطاعتة وتقواه، فما ذلك من هوان ولا بقسوة في قلبه ولا غلظة، بل رحمة بنا من ذل الغفلة وإتباع الشهوة، والحرص علي أن يكون لنا شرف حمل الدعوة وحظ الجنة التي وعد بها المتقون.

 

إنه لنبأ عظيم، يشهد بأنه ذكري مولد نبي ليس كباقي الأنبياء ورسول ليس كغيره من الرسل الذين أرسلوا لخلق معلوم ولزمن محدود، معجزاتهم رهينة بوجودهم، ومعجزتهﷺ خالدة إلى يوم الدين، كان الله عز وجل ينادي كل الأنبياء والرسل بأسمائهم وما نادي حبيبه المصطفيﷺ بإسمه أبدا، ولكن كان يشرفه دائما بالرسالة ويكرمه بالنبوة: {يأيها النبي}أو{يأيها الرسول}، ولا سيما ميزه أيضا حتي في لحظة العفو الرباني والعتاب الرحماني لأقصي درجات اللطف الإلهي الخاص بقدر هذا النبي العظيم القدر.

 

إنه لنبأ عظيم، يشهد بأنه يوم الإثنين من ربيع الأول ذكري مولد خاتم الأنبياء والمرسلين، إنه يوم السعادة الدائمة للإنس والجن بل ولكل العوالم والكائنات والوجود، يشهد بأنه اليوم الذي كان يحبه سيدنا محمد ﷺ وميزيه بالصيام والقيام والأعمال الصالحة والعبادات المقدسة، لما لا وهو اليوم الذي ولد فيه، وأنزل عليه الوحي فيه، وخرج مهاجرا فيه، وقدم المدينة فيه، وتوفي أيضا فيه، أليس هذا شكلا من أشكال الإحتفال بذكري المولد النبوي الشريف منذ فجر الإسلام؟، وذلك ردا علي المشككين في جواز الإحتفال بهذا اليوم العظيم يوم مولد طه الأمين إمام المرسلين وسيد الأولين والآخرين.

 

إنه لنبأ عظيم، يشهد بأنه ذكري مولد سيد الوجود الشاهد المبشر النذير والسراج المنير سيدنا محمدﷺ، إنه يوم لا ينبغي اعتباره مجرد يوم كباقي الأيام والشهور والأعوام، بل يجب أن نجعله بشرى نحياها ونعيشها ونتنفسها بكل معانيها وأسرارها وتفاصلها وروحانياتها النورانية المباركة، بل نحيى ونعيش مع الحبيب، لما لا وسيرة الرسولﷺستظل محفورة في الأرواح والقلوب، لما لا وحياة النبي ستظل باقية في طريقة حياته وأخلاقه وأفعاله إلي يوم الدين، فإذا كان الزمان يتغير فحياة النبي لم ولن تتغير أبدا الأبدين.

 

ألسنا نسلم عليه في التشهد قائلين السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته؟ أليست روحه ترد إليه حتى يرد السلام على من يسلم عليه؟ ألسنا بهذه المعاني نستطيع أن نربط ذكرى مولده الشريف بذكري ميلاد ومصير خير أمة أخرجت للناس أوكل الله إليها قيادة وإرشاد العالم لتحرر الإنسان من نزعة الذيلية والتبعية والقطيعيه وتحرر الإنسانية من العبودية وعاداتٍ الجاهلية التي أرهقت الناس قرونا عديدة.

 

لعل من الصعب، إن لم يكن من عاشر المستحيلات، تقديم شخصية كشخصية سيدنا محمدﷺ، أو الإلمام بعظمتها والإحاطة بملامحها وقسماتها فى بضع سطور أو مقالات، لأننا نقف اليوم مع ذكري مولد الصادق الأمين الذي لم يكن ميلاده حدثا عاديا، بل كان حدثا تاريخيا وإستثنائيا غير مجري التاريخ، وأضاء للإنسانية درب الهداية والرحمة والسلام والأمان.

 

وفي هذا الإطار، علينا أن نتأمل ونتدبر أحبتي أن الله لم يقل فقط علي سيدنا محمدﷺ رحمة للمؤمنين ولا رحمة للعرب بل قال رحمة للعالمين، نعم سيدنا محمد نبي لكل الأمم، بل نالوا من رحمته حتى الجماد والطيور والحيوانات، وعلينا أن نتذكر أيضا أن الله خلقنا جميعا رجالا ونساء وإنس وجن وحكاما ومحكومين وعربا وعجما لنعبد الله وحده ونتقيه حتى نستقيم على توحيد الله وطاعته والمسارعة في تنفيذ أوامر الله.

 

وإنطلاقا مما سلف، يمكن القول إن ذكرى المولد النبوي الشريف هي ليست مجرد مناسبة بل ذكرى وبشرى ورجعى وفرصة ذهبية لكل مسلم ومؤمن يتذكر فيها حاله مع الله، ويتذكر فيها موقعه وموقع أمة نبيه العدنان، ومهما تهت في مسارح الحياة، فلا تنسي علاقتك مع الله، وتحسسها دائما كأعظم شيء تخاف فقدانه، ومن ثم يكشف الله لك عن ساعد الجد ومتحليا بصفات الحرص والتخلق بخلق الأنبياء والمرسلين، مستحضرا جسامة المسؤولية وتبعات التشريف والتكليف، تصديقا لقول الله عز وجل: {وكذلك جعلناهم أمة وسطا لتكونوا شهداء علي الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا}.

 

وفي الختام، فإنني أود أن أشكر الله عز وجل علي ما فتح به علي من خير ورزق وتيسير وتوازن بين نضج العقل وثبات القلب وتمام الرشد وعدم الإنجراف لأهواء ذاتية مفتقرة الروح الإنسانية التي تساعدني علي الإنطلاق من جديد في دروب الحياة للإستمرار في توصيل رسالتي بعد توقف غير مقصود، وتضمن لنا السير نحو إستكمال الطريق بعيدا عن أي مؤثرات خارجية عملية أو شخصية، ومن أجل كتابة هذا المقال، للتواصي بالحق والتعاون علي البر، والتناصح في الله، والتذكير بما خلقنا وما أرسل الرسل والأنبياء من أجله، حتى نكون على بينة وبصيرة مما خلقنا من أجله، ومما يجب علينا فعله في هذه الحياة، حتى نلقي الله وهو راض عنا.

 

وأخرا وليس أخيرا، فما أحوجنا في هذا الزمان إلى وقفة متأملة مع الروح والنفس والحياة والموت، تلك الحقيقة المرة التي يرحل بها الإنسان من حياة إلى أخرى، ومن دار إلى دار، تلك الحقيقة التي مازالت وستظل تحير العلماء، ما أحوجنا إلي فهم أنفسنا وما على كل إنسان إلا أن يستجيب لنداء رب العالمين والإقتداء برسوله الكريم ولدينه ومنهجه القويم وتصديقه فيما أتي به من شريعة وعقيدة وأخلاق ودستور صالح لكل زمان ومكان، ما أحوجنا إلي الإقتداء بكل الرسل والأنبياء الأولينﷺ فيما إختص به من الخلق الكريم، ما أحوجنا إلي إستذكار وإستحضار كل هذه المعاني العظيمة في الأرواح والقلوب والأذهان من ذكري مولد الهادي البشير، الذي دعانا إلى الخير، وأوصانا بالتراحم لنظل أمة صالحة تسودها الأخوة والمحبة ويعم فيها السلام والأمان وتحقق العدل والمساواة، لتكون ذكراه الشريفةﷺ مناسبة عظيمة وفرصة ذهبية تتجدد لنجدد المعاني الإنسانية الربانية السامية، ونتذكر فيها أخلاق النبوة، لنبقى كما وصفنا الله عز وجل: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} صدق الله العظيم "آل عمران ١١٠".

 

0 تعليق