طلاب الجامعات ضحايا حواجز الاحتلال في الضفة الغربية - الأول نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نابلس- عشرة حواجز عسكرية إسرائيلية على الأقل تحيط بمدينة نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة، يتمركز فيها جنود مدججون بالسلاح شغلهم إعاقة الفلسطينيين وقهرهم، وتصل مزاجيتهم أحيانا حد القتل بمجرد الاشتباه أو دونه، فأيديهم على الزناد دوما.

ويتعرض طلبة الجامعات، أكثر من غيرهم لهذا التنكيل، خلال تنقلهم اليومي عبر الحواجز، وبحكم أنهم من فئة الشباب فهم مستهدفون أكثر من غيرهم، يواجهون باستمرار بطش الجنود الإسرائيليين، ويخضعون لإجراءات عسكرية مشددة، تتمثل في القهر والإذلال وقد تنتهي باعتقالهم، فالاحتلال يحول الحواجز مصايد للمواطنين.

وفي نابلس، حيث يوجد العديد من الجامعات والكليات التي يقصدها عشرات آلاف الطلبة من كل أنحاء الضفة، تتضاعف مشكلة الحواجز العسكرية تزامنا مع بدء العام الدراسي الجديد، كمعضلة رئيسية، تؤدي إلى معاناة كبيرة وإرهاب نفسي وجسدي للطلبة.

طلبة جامعيون خلال تنقلهم عبر حاجز ديرشرف العسكري غرب نابلس بوقت سابق- الضفة الغربية- نابلس- الجزيرة نت3
طلبة جامعيون أثناء تنقلهم بجانب ساتر ترابي أقامه الاحتلال وهم أكثر الفئات استهدافا على الحواجز الإسرائيلية (الجزيرة)

مصايد الاعتقال

ويحكي حال الطالب علي دوابشة مأساة الحواجز بكل تفاصيلها، فهو لا يمر عبر واحد أو اثنين، بل 4 أو 5 حواجز، وأحيانا أكثر يوميا، ويتعرض لكل أشكال الابتزاز والعنف التي يمارسها جنود الاحتلال، فضلا عن التأخير ساعات الذي يُنغص يومه ويفشل دوامه.

ومن منزله في قرية دوما، أقصى جنوب نابلس، ينطلق علي (22 عاما) باكرا، ليبدأ رحلة معاناته اليومية، فيصطدم بداية بالبوابة العسكرية التي نصبها الاحتلال أخيرا عند مدخل قريته، لتكون عقابا جماعيا لسكان القرية ولتسهيل اعتداءات المستوطنين ومنع اعتراضهم.

وحتى يصل جامعة فلسطين التقنية (خضوري) في مدينة طولكرم شمال الضفة، حيث يدرس التربية الرياضية، يمر علي بحواجز "زعترة" و"عورتا" و"المربعة"، ثم حاجز "دير شرف"، وأحيانا يضطر لسلك طرق التفافية أطول وأبعد، هربا من أزمة الحواجز وإغلاقاتها المتعمدة، لكنه يُفاجأ بأوقات كثيرة بنصب الجنود الإسرائيليين حواجز "طيَّارة" (طارئة) أشد فتكا من الثابتة.

إعلان

ويقول دوابشة للجزيرة نت، إن احتجاز الطلبة واستهدافهم متبع منذ سنوات، ويبدأ بالتوقيف والتفتيش الجسدي وتفتيش الهواتف والمركبات، وسط ضرب وتنكيل وشتم.

ومن ثم يقومون بتقييد من يحتجزونه ويعصبون عينيه ويُصلب ساعات في ظروف سيئة، لينتهي المشهد بالاعتقال أو إطلاق سراح المحتجز، ولكن بعد فوات الأوان، حيث يكون الطلبة قد تعطلوا عن دوامهم وكذلك حال المواطنين الآخرين، والأسوأ أن المشهد قد يتكرر مرات عدة في وقت قصير.

عاطف دغلس- طلبة الجامعات يواجهون معاناة كبيرة في التنقل عبر الحواجز- الضفة الغربية- نابلس- الجزيرة نت1
طلبة داخل جامعة النجاح بنابلس مع بدء العام الدراسي الجديد (الجزيرة)

مخاطر أكبر

وعاش دوابشة المعاناة واقعا عند حاجز دير شرف غربي نابلس ذات مرة، وحرم أداء امتحانه النهائي، ليسجل "غير مكتمل" حسب نظام الجامعة، ويعيد الاختبار لاحقا متحملا كافة الصعوبات النفسية والمعنوية.

وتتفهّم الجامعة والمدرِّسين -يضيف دوابشة- معاناة الطلبة وتراعي ظروفهم، خاصة من يتم احتجازهم، فتعمد لتأجيل الامتحانات والتغاضي إلى حد ما عن الغياب لمن تعرقله الحواجز، أو يعلق الدوام والتعويض للطلبة في وقت آخر، إذا كان عدد المحتجزين أو الذين أغلقت الحواجز في وجوههم كثيرا.

وفي محاولته للتغلب على معاناة الحواجز والغياب قسرا انتقل الطالب للسكن في مدينة طولكرم، لكنه واجه مخاطر أكبر، حيث تتعرض المدينة لعملية عسكرية إسرائيلية متواصلة منذ أكثر من 7 أشهر.

كما لا يمكنه المكوث طويلا وبعيدا عن ذويه وقريته دوما التي يهاجمها المستوطنون باستمرار، فهو مسؤول متطوعي الإسعاف في البلدة، وعليه الحضور.

لكنه وخلال فترة الامتحانات الرئيسية يبذل علي جهدا مضاعفا للوصول لجامعته، فينطلق باكرا جدا، أو يبيت عند أصدقائه قبل الاختبار بيوم.

وإن ساء الحال أكثر مع الحواجز، يلجأ بعض الطلبة إلى تأجيل الفصل الدراسي لوقت آخر، لكنه حل أخير بالنسبة لعلي، الذي بات في سنته الجامعية الأخيرة.

وضاعفت الحواجز تكاليف التنقل للطلبة، ما أرهق أسرهم التي يعيش معظمها أوضاعا صعبة في ظل تردي الحالة الاقتصادية بالضفة الغربية المحتلة، ومن نحو 12 دولارا كان يدفعها علي ذهابا وإيابا تضاعف المبلغ إلى 25 دولارا، وأحيانا أكثر.

لكن حال المواطن نادر سالم مع بناته الثلاث، أشد وأصعب من تلك التكاليف، فهن يتنقلن يوميا من قريتهن جنوب مدينة جنين إلى جامعتهن في نابلس، ويقطعن طرقا طويلة تتخللها حواجز الاحتلال بكل أشكالها.

ويقول سالم للجزيرة نت، إنه يعيش قلقا مستمرا خاصة في ظل الإغلاق المفاجئ للطرق والحواجز، حيث يتم احتجازهن كسائر المواطنين ساعات، ما ينعكس على أوضاعهن النفسية وعلى تحصيلهن الأكاديمي.

ويضيف نادر "أقوم أحيانا بنقلهن بمركبتي، لكن ذلك لا يمنع المعاناة والانتظار الطويل عند الحواجز، وفي ظل الظروف الأمنية الاحتلالية المعقدة التي تعيشها نابلس ومدن أخرى، يصعب استئجار سكن لبناتي".

إسرائيل تستخدم الحواجز العسكرية لاذل المارين وقهرهم وعزل المناطق - الضفة الغربية- نابلس- الجزيرة نت5
إسرائيل تستخدم الحواجز العسكرية لاعتقال المارين وقهرهم وعزل المناطق عن بعضها بعضا (الجزيرة)

حواجز قتل

وتنشر إسرائيل أكثر من 900 حاجز عسكري -تزداد أعدادها يوما بعد آخر- بين قرى ومدن الضفة الغربية، وتتنوع بين حواجز وبوابات عسكرية وساتر ترابية تعيق جميعها حركة المواطنين، وتقطع تواصلهم الاجتماعي والجغرافي وحتى الزراعي بأراضيهم أيضا.

إعلان

وطالت انتهاكات الاحتلال ومنذ بدء الحرب في 7 أكتوبر/تشرين أول 2023 قطاع التعليم بمختلف مكوناته، بما فيها المدارس والجامعات، حيث فقدت غزة 18 ألفا و877 من طلبتها وكوادرها التعليمية، إضافة إلى 33 ألفا و652 جريحا، بحسب إحصائية لوزارة التربية والتعليم العالي منذ الحرب حتى مطلع سبتمبر/أيلول الجاري.

وفي الضفة وحدها، استشهد 108 من طلاب المدارس وجرح 741 واعتقل 379، مقابل 35 شهيدا من طلبة الجامعات و231 جريحا و413 معتقلا، كما استشهد 5 من الكوادر التعليمية بمدارس الضفة و21 جريحا و182 معتقلا.

إعادة تشكيل الجغرافيا

ويقول رئيس هيئة الجدار والاستيطان (جهة حكومية) مؤيد شعبان، إن الاحتلال يتفنن في اختراع أسباب قهر الفلسطينيين، وعلى امتداد جغرافية الأراضي الفلسطينية، بحواجز الجحيم التي تحرق الوقت والصحة والعيش.

وإن ذلك -يضيف شعبان في بيانه- لم يكن ليكون لولا توقف العالم تماما عن كونه حارسا لحقوق الإنسان، ورادعا لمسلكيات الإجرام التي ينتهجها الاحتلال الأخير، ليترك الفلسطيني الأعزل في محصلة الأمر فريسة البلطجة والتوحش.

ولفت شعبان إلى أن منهجية الإغلاق الشامل للجغرافية الفلسطينية، المتمثلة في الحواجز والمعابر والبوابات وجدار الضم والتوسع الذي يمتد طوله 700 كيلومتر، لم تهدف للتحكم في سير وحركة الفلسطينيين على الشوارع وحسب.

بل أراد الاحتلال -يختتم شعبان- أن يعيد تشكيل الجغرافية الفلسطينية بأهوائه المريضة، محيلة وجود الفلسطينيين إلى معازل وكانتونات ضيقة، طاردة للعيش والسكن، وخاضعة لأعتى منظومة رقابة وتحكم على حياتهم.

0 تعليق