يقع بين مدينتي القدس ورام الله، افتُتح رسميا عام 1924. اشتغل مدة تقارب 75 عاما تحت ثلاث سلطات سياسية متعاقبة: الاحتلال البريطاني (1925-1948)، والحكم الأردني (1948-1967)، والاحتلال الإسرائيلي (1967-2001)، وتحول لاحقا إلى مستوطنة صناعية.
في ذروة عمله في سنوات الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، كان معبرا جويا حيويا يربط القدس بالعالم العربي ويستقبل آلاف الحجاج والسياح سنويا.
الموقع
يقع مطار القدس الدولي بين مدينتي القدس ورام الله بالقرب من قرية قلنديا ومخيم قلنديا للاجئين.
التاريخ
عام 1925 أنشأ الجيش البريطاني مهبطا للطائرات إلى الشرق من قرية قلنديا على بعد بضعة كيلومترات شمال القدس، وقد استخدمه في تلك الفترة الجيش وكبار المسؤولين.
وقد تم اختيار موقع المهبط نظرا لقربه النسبي من القدس، التي كانت مقر حكومة الانتداب البريطاني في فلسطين، وكذلك بسبب طبيعة الأرض المسطحة في منطقة يغلب عليها الطابع الجبلي.
وفي عام 1936 خضع المهبط لتطوير جزئي، إذ تكلف رجل الأعمال اليهودي بنحاس روتنبرغ بترميم مدرجه، وبعد ذلك بوقت قصير، بدأ استخدامه لأغراض تجارية محدودة.
وكانت تستخدمه، بشكل نادر وغير منتظم، شركة "خطوط فلسطين الجوية" التابعة لروتنبرغ، إلى جانب شركة الطيران البريطانية "إمبريال إيرويز".
" frameborder="0">
تعرّض المطار لأضرار جسيمة في حرب النكبة عام 1948، ومع قرار تقسيم فلسطين انتقلت السيطرة عليه إلى المملكة الأردنية الهاشمية، ونظرا لأهميته الجغرافية والاقتصادية، قررت الحكومة الأردنية إعادة تشغيله، وأُطلق عليه رسميا اسم "مطار القدس" يوم 18 مايو/أيار 1950، وهو اليوم الذي شهد أول رحلة مدنية تقل لاجئين فلسطينيين قادمين من مصر إلى الضفة الغربية.
شهد المطار عمليات تطوير متتالية، ففي عام 1954 أُنشئ مدرج معبّد قصير، وتم تمديده في 1955 ليبلغ 1850 مترا، مما أدى إلى إغلاق مؤقت لطريق القدس/رام الله عند الإقلاع والهبوط.
وفي عام 1956 اكتمل بناء مبنى الركاب وموقف السيارات بتكلفة بلغت مليون دينار أردني، ومع التوسع السريع للطيران التجاري في العالم، أوصت شركة استشارية بريطانية عام 1960 بتمديد المدرج إلى 3 آلاف متر.
إعلان
وأُجريت دراسة جدوى عام 1962، لكن الخطة لم تُنفذ، ورغم بعض التحسينات في مرافق الركاب عام 1966، فإن العمل بالمطار توقف إثر اندلاع حرب 1967.
منذ أواخر الأربعينيات وحتى منتصف الستينيات من القرن العشرين، كان للمطار دور محوري في الربط بين بلاد الشام وشمال أفريقيا، وخاصة في ظل تعقيد السفر عبر الحدود بين الأردن وفلسطين المحتلة.
فبينما كان السفر البري من بيروت إلى القدس يستغرق نحو 14 ساعة، أتاح المطار اختصار الرحلة إلى ساعة واحدة فقط جوا.

سياسيا سعى الأردن إلى تعزيز مكانة القدس في تلك الحقبة، فرفعت مرتبة بلديتها عام 1959، وأعلنتها "عاصمة ثانية" عام 1960، وفي عام 1965 اقترح المخطط البريطاني هنري كيندال ضم المطار إلى حدود البلدية، لكن حرب 1967 عطّلت تنفيذ المشروع.
بعد نكسة يونيو/حزيران 1967، استولى الاحتلال الإسرائيلي على المطار، وعام 1981 ضمه بموجب ما يسمى "قانون القدس"، وأطلق عليه اسم "مطار عطروت" نسبة إلى مستوطنة "عطروت" المقامة على أراضي الفلسطينيين في المنطقة.
في السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين، طوّرت سلطات الاحتلال المطار، لكن رفض المجتمع الدولي الاعتراف بسيادة إسرائيل على أراضي 1967 مما حال دون استخدامه للرحلات الدولية، واقتصر على الرحلات الداخلية والمستأجرة.
وأثناء الانتفاضة الثانية، وبسبب قربه من رام الله، تعرض المطار لعمليات فدائية فلسطينية، مما أدى إلى إغلاقه في أكتوبر/تشرين الأول 2000، وتسليمه رسميا للجيش الإسرائيلي في يوليو/تموز 2001.
ولاحقا في قمة كامب ديفيد عام 2000، قدم الاحتلال المطار وكأنه جزء من أراضيه في القدس، الأمر الذي رفضه الوفد الفلسطيني، مؤكدا أنه مطار وطني للفلسطينيين.
واقترح يوسي بيلين استخدامه بشكل مشترك مثل مطار جنيف الذي تتقاسمه سويسرا وفرنسا.
في فبراير/شباط 2012، حوّل الاحتلال المطار إلى منطقة صناعية، وفي عام 2020 قدمت وزارة الإسكان التابعة للاحتلال مخططا لبناء حي استيطاني ضخم على أنقاض المطار وأراضي بلدة قلنديا، يتضمن 9 آلاف وحدة سكنية ومرافق تجارية وصناعية، إلى جانب فندق ضخم يقام في مبنى المغادرة والاستقبال التاريخي للمطار.
" frameborder="0">
مطار القدس تحت الحكم الأردني
في أعقاب ضمّ الأردن الضفة الغربية عام 1950، بما في ذلك الجزء الشرقي من القدس، أصبح مطار القدس الإقليمي منفذا رئيسيا لدخول الحجاج والسياح إلى المدينة المقدسة، وإلى الأردن عموما.
وأثناء هذه الفترة، بدأت أعداد الزوار في الارتفاع بشكل مطّرد، وكان للمطار دور بارز في هذا النمو اللافت؛ إذ شهد في منتصف الستينيات من القرن العشرين وصول نحو ثلثي المسافرين جوا إلى الأردن، متجاوزا بذلك عدد القادمين عبر مطار عمّان.
وقد خُصص المطار بشكل رئيسي لاستقبال مجموعات الحجاج المسيحيين الكبيرة، التي قدمت على متن رحلات تجارية أو طائرات مستأجرة. كما استقطبت المواقع الدينية في القدس ومحيطها نسبة كبيرة من الحجاج المسلمين، خاصة أولئك الذين كانوا يمرون عبر المدينة في طريقهم إلى مكة المكرمة.
إعلان
انعكس ذلك على عائدات السياحة، إذ شكلت الضفة الغربية ما بين 60% و70% من إجمالي زيارات المواقع التاريخية في الأردن في الفترة ما بين 1963 و1967، وقد شكّلت القدس وحدها نحو 85% من الإيرادات الناتجة عن زيارة المواقع التاريخية في الضفة الغربية في منتصف الستينيات.
من الناحية التشغيلية عمل مطار القدس ساعات النهار فقط، مستقبلا طائرات صغيرة ومتوسطة الحجم. وفي عام 1957 خدم المطار نحو 60 ألف راكب، مما جعله من بين أبرز 14 محطة طيران تجاري في الشرق الأوسط آنذاك. وبحلول عام 1966 ارتفع هذا الرقم إلى نحو 100 ألف راكب سنويا.
" frameborder="0">
وفي 18 عاما من تشغيله تحت الحكم الأردني تعامل المطار مع نحو 15 شركة طيران، معظمها وطنية ومحدودة الحجم، منها ست شركات أردنية. وسجلت شركات طيران غربية كبرى مثل "بواك" و"سويس إير" و"لوفتهانزا" و"إير فرانس" و"أليطاليا" والخطوط الإسكندنافية حضورا في السوق السياحية المحلية من خلال مكاتب تمثيل أو وكلاء محليين في المدينة.
وعملت تلك الشركات على الترويج لوجهاتها وخدماتها، وتنظيم حجوزات السفر، وتسويق القدس ضمن برامجها السياحية، رغم أنها لم تكن تسير رحلات مباشرة إلى مطار المدينة.
ويُعزى ذلك إلى محدودية البنية التحتية في المطار، فضلا عن اعتبارات سياسية، إذ امتنعت الدول الغربية عن الاعتراف الرسمي بضم الأردن الضفة الغربية، وتجنبت بالتالي استخدام مطار داخل منطقة متنازع عليها.
رغم ذلك توفرت من المطار رحلات مباشرة إلى أكثر من 15 مدينة في أوروبا والشرق الأوسط والخليج وآسيا الوسطى، وكانت بعض الخطوط الجوية تسير رحلات إلى القدس قبل أن تُنشئ خطوطا إلى عمّان.
كان المطار يخدم أساسا الأجانب، خصوصا السياح والحجّاج، لكنه كان كذلك وسيلة سفر حيوية للمواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية، إذ استخدمه طلاب الجامعات في تنقلهم بين القدس وعواصم عربية مثل القاهرة وبيروت ودمشق، في ظل غياب الجامعات المحلية آنذاك.

كما شكل أداة عملية للتجارة، إذ اعتمد تجار الهدايا في القدس وبيت لحم على المطار لشحن منتجاتهم إلى الخارج، خاصة المصنوعات من خشب الزيتون والصدف، وشهد المطار في مناسبات نادرة وصول نجوم من عالم الفن العربي والعالمي، أمثال عمر الشريف وكاثرين هيبورن وفيروز.
ساهم المطار أيضا في تحسين معيشة سكان المناطق المحيطة به، خصوصا مخيم قلنديا للاجئين، إذ عمل بعضهم في خدمات المطار بأجور يومية بسيطة. كما مثل المطار للنخبة المقدسية الصغيرة بوابة للانفتاح على العالم، وأتاح لها فرصا ثقافية واجتماعية في الخارج لم تكن متاحة في مدينة محافظة ومحدودة الحجم.
ازدهار الرحلات العربية
منذ أوائل الخمسينيات، أصبحت القدس وجهة جوية رئيسية لشركات طيران عربية. فقط بدأت شركة طيران الشرق الأوسط رحلاتها المنتظمة إلى المدينة عام 1951، وبلغت 12 رحلة أسبوعيا بحلول 1953، بالتعاون أحيانا مع شركة "بان آم"، واستمر طيران الشرق الأوسط وطيران لبنان في تسيير 16 رحلة أسبوعية من بيروت حتى حرب 1967، مما جعل بيروت المدينة الأكثر اتصالا بالقدس.
أما شركة مصر للطيران فقد استأنفت رحلاتها إلى القدس في 1950، وبلغت 3 رحلات أسبوعيا في 1955، ثم ارتفعت إلى رحلات يومية بعد دمجها مع الطيران السوري عام 1958 واستمرت كذلك حتى 1965.
في الخليج بدأت الخطوط الجوية الكويتية رحلاتها إلى القدس عام 1954، وارتفعت إلى أربع رحلات أسبوعيا بحلول 1963. وسيرت شركة "ترانس أرابيا" بدورها أربع رحلات أسبوعية قبل اندماجها مع الكويتية عام 1964، مدفوعة بوجود جالية فلسطينية كبيرة في الكويت، وأنشأت بعض العائلات الكويتية "حي المطار" قرب القدس لاستخدامه أثناء زياراتها.
إعلان
الخطوط العراقية لم تُسير رحلات مباشرة لكنها أشارت إلى القدس في جداولها عبر ترتيبات غير مباشرة، أما الخطوط القبرصية، فسيّرت رحلات أسبوعية بين 1952 و1954، ثم استأنفتها مجددا في 1965، قبل أن تتوقف نهائيا منتصف 1967.

حوادث طيران
نظرا لوقوع مطار القدس في منطقة غير مستقرة سياسيا، أثّرت سلسلة من الأحداث الإقليمية والمحلية على نشاطه وسلامة الرحلات الجوية التي انطلقت منه في فترة الحكم الأردني.
ففي 24 يوليو/تموز 1950، وقعت واحدة من أخطر الحوادث حين هاجمت طائرة مقاتلة إسرائيلية طائرة لبنانية مدنية كانت متجهة من القدس إلى بيروت، مما أسفر عن استشهاد راكبين وإصابة عدد من الركاب. وبعد عام واحد، وتحديدا في يوليو/تموز 1951، شهد المطار تشديدا كبيرا في الإجراءات الأمنية بعد اغتيال الملك عبد الله الأول في القدس، كما يروي المثقف جبرا إبراهيم جبرا الذي واجه تفتيشا دقيقا عند عودته من بيروت.
كما أثرت الاضطرابات السياسية في الأردن والمنطقة على سير العمل في المطار، فبعد الانتخابات الأردنية في أكتوبر/تشرين الأول 1954 اندلعت اضطرابات مدنية. وفي عام 1955 أدت الاشتباكات في عمان والقدس عقب دعم الحكومة حلف بغداد إلى وقوع ضحايا.
وفي أواخر 1956 أغلق مطار القدس مؤقتا بسبب أزمة قناة السويس، إذ سُمح للمواطنين الغربيين العالقين في المدينة بدخول إسرائيل وحجز رحلات للطيران من تل أبيب بدلا من مطار القدس.
توالت التحديات الأمنية والسياسية مثل محاولة انقلاب عام 1957، والحرب في لبنان عام 1958، وإنشاء الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا في العام نفسه، مما أدى إلى إغلاق مجالهما الجوي أمام الطائرات الأردنية.

كما تكررت الاضطرابات في القدس عام 1963 عقب محاولة جديدة لتأسيس اتحاد عربي شمل هذه المرة العراق إلى جانب مصر وسوريا.
انعكست تلك الأوضاع سلبا على السياحة والحج إلى القدس، إذ أدت الاشتباكات وقرارات إغلاق الأجواء إلى تعليق الرحلات الجوية أو منعها كلها، وأثارت مخاوف لدى الزوار الأجانب.
وإلى جانب التوترات السياسية، شهد المطار أيضا عددا من حوادث الطيران:
في يونيو/حزيران 1949 تحطمت طائرة صغيرة تابعة للأمم المتحدة أثناء الهبوط دون وقوع إصابات. في يناير/كانون الثاني 1959 تحطمت طائرة شحن أردنية بعد إقلاعها، ولم يعرف عدد الضحايا. في أبريل/نيسان 1965 وقع أسوأ حادث حين تحطمت طائرة ركاب أردنية متجهة إلى مطار القدس في جنوبي سوريا، مما أدى إلى مقتل جميع ركابها البالغ عددهم 54 شخصا.
0 تعليق