كتب محمد الجمل:
رصدت "الأيام"، مجموعة جديدة من المشاهد، من العدوان الإسرائيلي المُستمر على مدينة غزة، وما نجم عنه من معاناة كبيرة للمواطنين، منها مشهد يرصد النزوح الواسع من المدينة باتجاه جنوب ووسط القطاع، ومشهد آخر بعنوان "القنابل المُدمرة"، ومشهد ثالث يرصد مساعي الاحتلال لتدمير تراث وتاريخ المدينة العريق.
نزوح واسع
شهدت مدينة غزة وضواحيها، أكبر موجة نزوح منذ بدء الهجوم الحالي على المدينة، حيث عبرت "تبة النويري"، الواصلة بين شمال القطاع ووسطه، مئات المركبات، والشاحنات، وكذلك مركبات صغيرة، ودرجات نارية، وعربات كارو، ومواطنون مشياً على الأقدام.
وتسببت الغارات العنيفة، والأحزمة النارية، وكذلك تقدم الدبابات باتجاه حي الشيخ رضوان شمالاً وحي تل الهوا جنوباً، في دفع المواطنين للنزوح باتجاه جنوب القطاع، فراراً من الموت والأهوال التي باتوا يواجهونها في المدينة.
وأكد غالبية النازحين أو الراغبين في النزوح، أنهم يواجهون مصاعب ومعضلات كبيرة، أهمها ندرة وسائل المواصلات، وارتفاع الأجرة، فاستئجار شاحنة صغيرة أو متوسطة بحاجة إلى مبلغ مالي يتجاوز 4000 شيكل، حتى تنقل العائلة وحاجياتها من المدينة، باتجاه جنوب أو وسط القطاع.
وأكد المواطن محمد صبح، أنه كان متردداً بشأن النزوح من المدينة، ويميل للبقاء فيها، لكن ما عاشه في اليومين الماضيين أمر لا يُطاق، فالقصف والغارات لا تتوقف، والأحزمة النارية تنشر الرعب، والدبابات تقدمت باتجاه حي الشيخ رضوان ووصلت إلى منتصف الحي، والمُسيرات تُلاحق المارة والنازحين، ولم يعد أمامه وغيره من المواطنين سوى النزوح جنوباً.
وأكد أن النزوح من المدينة أمر صعب وقاسي، فلا مركبات تقله، ولا مال لديه، موضحاً أنه اضطر للتنازل عن خلية شمسية يزيد سعرها على 4000 شيكل لسائق شاحنة، حتى يوافق الأخير على نقله باتجاه الجنوب، وهو لا يعرف أين سيتوجه، وحتى لو بقي وعائلته في الشارع، أفضل من البقاء في جحيم غزة الذي لا يُطاق.
وأشار إلى أنه ترك خلفه مئات العائلات تستعد للنزوح، بعضها لم يجد وسيلة مواصلات، وأخرى سيتحرك أفرادها مشياً على الأقدام، والوضع يزيد صعوبة.
بينما قال المواطن يوسف سالم، ويمتلك مركبة نقل متوسطة، إنه يتلقى يومياً عشرات الاتصالات من مواطنين يريدون مغادرة المدينة، وللأسف يعتذر عن غالبيتها، فنقل عائلة واحدة من المدينة إلى الجنوب يحتاج ما بين 5-6 ساعات، بمعنى أنه لا يستطيع نقل أكثر من عائلتين أو 3 عائلات حال واصل العمل لساعة متأخرة من الليل، مرجعاً ارتفاع تعريفة النقل لغلاء الوقود، الذي يتم شراؤه من السوق السوداء، وارتفاع أسعار قطع غيار المركبات والشاحنات، وخطورة الوضع في غزة، فهو يتوجه للمدينة ويغادرها والقصف لا يتوقف، ويعيش طوال تواجده في غزة في قلق وخوف.
وأوضح سالم أن أقل من ثلث مركبات النقل ما زالت تعمل، ولا يمكنها تلبية العدد الكبير من الطلبات التي تصلها في الوقت الحالي، لذلك هناك أزمة كبيرة، والمشكلة أن الجميع يريدون المغادرة فوراً، ومعهم حق بسبب الخطر.
قنابل مُدمرة
لجأ الاحتلال مؤخراً لاستخدام أعتى أسلحته لتنفيذ مهمة تدمير مدينة غزة، خاصة مبانيها المرتفعة، حيث شكلت الطائرات الحربية ما يشبه الجسر الجوي، لنقل القنابل والصواريخ من قواعدها داخل إسرائيل، ومن ثم إسقاطها على مباني المدينة، في أكبر عملية تدمير جوية يشهدها القطاع منذ بداية العدوان الحالي.
ووفق ما رصده مواطنون من سكان المدينة، فإن الغارات الجوية المتتابعة على المدينة، يتم خلالها استخدام أسلحة فتاكة، وقنابل كبيرة، بعضها تُحدث انفجارات غير مسبوقة، وتنشر الدخان والغبار والشظايا على مسافات كبيرة.
وأكد مواطنون أنه وجراء استخدام قنابل ثقيلة، تنهار الأبراج والعمارات العالية في ثوان، وكأنها من ورق، وهذا دليل على ضخامة تلك القنابل.
من جهته قال المتحدث باسم الدفاع المدني في غزة محمود بصل، إن ما يتساقط على غزة ليس مجرد صواريخ، بل "براميل من نار وحمم بركانية مدمّرة تحرق الأرض وما عليها"، موضحاً أن المدينة تُدمر بصورة غير مسبوقة، وأبنيتها تنهار تباعاً.
وأكد المواطن ناصر رجب، ونزح حديثاً من المدينة باتجاه جنوب القطاع، إن ما يحدث في المدينة أمر غير مسبوق، فالغارات والأحزمة النارية لا تتوقف على مدار الساعة، ووميض انفجار القنابل يخطف الأبصار، بينما تُشاهد سحابات الدخان من جميع أنحاء مدينة غزة.
وأكد رجب أن الناس يفرون من حي إلى حي ومن مكان إلى مكان، ولا أحد يعرف متى وأين ستكون الغارة المقبلة، وأينما سار الشخص في شوارع المدينة، وجد أكوام الركام، الناجمة عن أبراج ومنازل جرى تدميرها حديثاً.
ولم يستبعد رجب وغيره من المواطنين استخدام الاحتلال مواد مشعة، أو متفجرات غير تقليدية في القنابل التي يُسقطها، فانفجاراتها قوية وغير مسبوقة، ووميضها قوي ويخرج على شكل كرة، وكأنها نسخة مصغرة من انفجار قنبلة نووية، واصفاً ما يحدث في المدينة بالجنون.
ووفق مصادر مطلعة فإن أغلب ما يتم إسقاطه على المنازل والبنايات المرتفعة هي قنابل مسقطة جواً من طراز MK83 وزنها حوالى 750 كيلو 3/4 طن، وقنبلة من نفس الطراز يُطلق عليها MK84 والأخيرة وزنها 1000 كيلوغرام "1 طن"، هي ضمن سلسلة قنابل أميركية شاع استخدامها في غزة خلال الحرب.
تدمير تاريخ غزة
منذ الأيام الأولى للعدوان الحالي على مدينة غزة، كانت المعالم الأثرية والتاريخية هدفاً لغارات الاحتلال، التي عملت على تدمير كل مبنى شاهداً على تاريخ المدينة وحضارتها القديمة.
وركزت الغارات على قصف مساجد قديمة، وبنايات يمتد تاريخها لعقود مضت، وحتى بعض كنائس غزة تعرضت للقصف، بينما جرى تدمير مباني تعليمية تشتهر فيها المدينة، وعلى رأسها مبانٍ تضم قاعات دراسية ومختبرات علمية في الجامعة الإسلامية بمدينة غزة.
ووفق مصادر محلية وشهود عيان، فإن البلدة القديمة بمدينة غزة، والتي تضم أحياء تاريخية، ومباني عريقة، تعرضت لغارات عنيفة في الأيام الماضية، حيث جرى تدمير معظمها، بينما ما زالت الغارات والقصف مستمراً.
ووفق "المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان"، فإن العدوان الإسرائيلي الواسع على مدينة غزة يُنذر بمحو ما تبقّى من معالمها الأثرية وتراثها المادي واللامادي محواً كاملاً، حيث يتعمد الاحتلال استهداف المواقع التاريخية، والأثرية، والدينية، والثقافية، في إطار استراتيجية استعمارية استيطانية ممتدة.
ووفق المرصد فإن العدوان المتصاعد منذ أكثر من شهر للسيطرة على غزة وتهجير سكانها، يشكل خطوة إضافية لاستكمال التدمير الشامل لمعالم المدينة، والقضاء نهائياً على أي أمل بترميم المواقع والمعالم التي تضررت.
وأكد أن أحياء المدينة القديمة الزاخرة بالمنازل التاريخية والمعالم الأثرية العريقة، مثل المسجد العمري الكبير، وكنيسة القديس بورفيريوس، والأسواق التاريخية، والمباني العثمانية والمملوكية، باتت عرضة للتدمير الكلي.
كما أكد المرصد أنه وثق هجمات جوية ومدفعية إسرائيلية استهدفت مواقع تاريخية عديدة، تشكل الجزء الأبرز في التراث الثقافي في قطاع غزة.
وأضاف إن إسرائيل تستهدف بلا هوادة الإرث الثقافي الإنساني في غزة، باعتباره حاملاً لقيم ومعالم أساسية في صون الهوية والذاكرة الجماعية في سياق جريمة الإبادة الجماعية.
وشدد المرصد على أن تدمير واستهداف المواقع التاريخية والأثرية يشكّل بحد ذاته جريمة حرب، وأحد الأبعاد المركزية في جريمة الإبادة الجماعية المرتكبة ضد الفلسطينيين.
0 تعليق