في مؤشر على تحول استراتيجي كبير في سياسة واشنطن تجاه سوريا، كشفت خمسة مصادر مطلعة لوكالة "رويترز" عن تسريح عدد من أبرز الدبلوماسيين الأمريكيين المعنيين بالملف السوري. وتأتي هذه الخطوة، التي طالت دبلوماسيين في "منصة سوريا الإقليمية" بإسطنبول، بالتزامن مع سعي إدارة الرئيس دونالد ترمب إلى دمج حلفائها الأكراد (قوات سوريا الديمقراطية) في قوات الأمن التابعة للحكومة المركزية في دمشق، في تحول جذري يهدد بقلب موازين القوى في المنطقة.
تصفية "الحرس القديم" في المنصة الإقليمية بإسطنبول
أفادت المصادر بأن الدبلوماسيين الذين تم تسريحهم من مناصبهم خلال الأيام القليلة الماضية، كانوا يعملون ضمن "منصة سوريا الإقليمية"، التي تُعتبر البعثة الأمريكية الفعلية إلى سوريا ومقرها في إسطنبول. وكان هؤلاء يرفعون تقاريرهم إلى المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، توماس برّاك، وهو مستشار مقرب من الرئيس ترمب.
ويرى مراقبون أن هؤلاء الدبلوماسيين يمثلون "الحرس القديم" الذي أشرف على سياسة دعم قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا ككيان منفصل لمواجهة تنظيم "داعش" والحد من النفوذ الإيراني. ويعتبر تسريحهم خطوة ضرورية لتمهيد الطريق أمام فريق جديد قادر على تنفيذ السياسة الجديدة التي تتجه نحو دمشق.
ورغم أن أحد المصادر قلل من أهمية الخطوة قائلاً إن "رحيل الدبلوماسيين لن يؤثر على السياسة الأمريكية تجاه سوريا"، إلا أن توقيتها وطبيعتها يشيران إلى العكس تماماً.
من التحالف إلى "الدمج": تحول جذري في سياسة واشنطن تجاه الأكراد
يمثل التوجه الجديد لدمج "قسد" في جيش النظام السوري، تحولاً جذرياً عن سياسة أمريكية استمرت لسنوات، قامت على تسليح وتدريب ودعم القوات الكردية كحليف رئيسي وموثوق على الأرض في الحرب ضد تنظيم "داعش".
وتعني هذه السياسة الجديدة، في حال تطبيقها، تخلي واشنطن عن مشروع الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، وإجبار حلفائها الأكراد على الخضوع مجدداً للسلطة المركزية في دمشق، وهو ما يمثل مطلباً قديماً للنظام السوري وحلفائه الروس والإيرانيين.
ماذا يعني هذا التحول للمنطقة؟
سيكون لهذا التحول الاستراتيجي، إن اكتمل، تداعيات جيوسياسية واسعة على جميع الأطراف المنخرطة في الصراع السوري:
بالنسبة للأكراد: سيمثل ضربة قاصمة لمشروعهم السياسي، ويتركهم في وضع ضعيف وعرضة لضغوط وربما هجمات من قبل النظام السوري وتركيا على حد سواء.
بالنسبة لنظام الأسد وحلفائه: سيُعتبر انتصاراً استراتيجياً كبيراً، يعزز من سيطرة النظام على المزيد من الأراضي والموارد (خاصة حقول النفط في الشرق)، ويرسخ النفوذ الروسي والإيراني في سوريا.
بالنسبة لتركيا: سترحب أنقرة بهذه الخطوة، حيث تعتبر قوات "قسد" امتداداً لحزب العمال الكردستاني وتصنفها كمنظمة إرهابية.
ويبدو أن إدارة ترمب، عبر مبعوثها الجديد توماس برّاك، تتجه نحو "إعادة ضبط" كاملة لملفها السوري، قد تكون أولويتها هي الانسحاب الكامل وإنهاء هذا الملف الشائك، حتى لو كان ذلك على حساب حلفائها الأكراد.
0 تعليق