محللون: ضبابية الأهداف والخلافات تربك جيش إسرائيل وتطيل أمد الحرب - الأول نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

انقر هنا للمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعي

share2

منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة، لم تكُف إسرائيل عن رفع شعار "النصر المطلق"، لكن هذا المفهوم الذي يكرره رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بلا تعريف واضح تحول إلى معضلة سياسية وعسكرية تكشف حجم الارتباك داخل المنظومة الإسرائيلية.

وبينما يصر نتنياهو على أن الحرب لن تتوقف قبل تحقيق أهدافها، يزداد الغموض عن ماهية هذه الأهداف وكيفية إنجازها، وهو ما دفع مراقبين إلى القول، إن غياب الرؤية وتزايد الخلافات الداخلية يطيلان أمد الحرب ويضاعفان كلفتها.

فمنذ انطلاق العدوان، رفع نتنياهو سقف الشعارات بالحديث عن القضاء على المقاومة الفلسطينية واستعادة الأسرى وفرض السيطرة الكاملة على القطاع، غير أن تباين هذه الأهداف وتناقضها جعل من "النصر" فكرة هلامية، يصعب تحقيقها عسكريا أو سياسيا.

الأكاديمي والخبير بالشؤون الإسرائيلية مهند مصطفى يرى في حديثه لبرنامج "مسار الأحداث" أن المؤسسة العسكرية نفسها لا تدرك المدى الزمني ولا الشكل النهائي للعملية، وهو ما ينعكس بارتباك على قراراتها الميدانية.

وتُرجع قراءات إسرائيلية جانبا من هذا الغموض إلى حسابات الوقت، فبينما يسعى نتنياهو لإظهار إنجاز سريع يبرر استمراره في الحكم ويحفظ تماسك ائتلافه، يدفع مسؤولون آخرون، مثل رئيس الأركان إيال زامير، باتجاه إبطاء العمليات لتفادي الغرق في مستنقع غزة أو خسارة مزيد من الأسرى.

هذا التباين يشي بأن الإجماع العسكري والسياسي، الذي طالما شكل أساسا لخوض الحروب الإسرائيلية، يغيب اليوم بشكل لافت، بينما تبدو ممارسات الجيش على الأرض أقرب إلى سياسة "إدارة عجز" من كونها إستراتيجية حسم.

" frameborder="0">

غياب تصور النصر

وفي هذا السياق، يشير العميد إلياس حنا الخبير العسكري والإستراتيجي، إلى أن غياب تصور واضح للانتصار دفع الجيش إلى تكثيف القوة التدميرية كبديل من الحسم، مستخدما أحدث التقنيات والروبوتات المفخخة لتسوية أحياء بكاملها.

إعلان

لكنه يلفت إلى أن هذا المسار لا يجيب عن سؤال جوهري: كيف يمكن لإسرائيل أن تترجم هذا الدمار إلى إنجاز سياسي أو أمني؟

وفي قطاع غزة، يرى الكاتب والمحلل السياسي أحمد الطناني، أن الاحتلال يمارس سياسة التهجير والتدمير الشامل لدفع الأهالي إلى النزوح، لكنه يواجه رفضا شعبيا واسعا لفكرة "المناطق الآمنة" التي يروّج لها، إذ سرعان ما تتحول إلى ساحات قتل جديدة.

هذا الرفض الشعبي يضع الاحتلال أمام مأزق؛ فهو يحقق دمارا هائلا لكنه لا يكسر صمود السكان ولا ينهي حضور المقاومة.

وإذ تراهن إسرائيل على تآكل قدرات المقاومة، تؤكد الوقائع أن الأخيرة تواصل عمليات استنزاف، من الكمائن إلى استهداف الدبابات وزرع العبوات الناسفة.

ويشير الطناني إلى أن المقاومة تعي محدودية قدرتها على منع التقدم العسكري، لكنها تركّز على رفع كلفته البشرية والسياسية بما يعيد ارتباك القيادة الإسرائيلية إلى الواجهة.

اللافت أن هذا المأزق يتعمق مع كل خسارة في صفوف الجيش الإسرائيلي، حيث يزداد الضغط الداخلي على نتنياهو، فغياب الإجماع الاجتماعي والسياسي حول الحرب، إلى جانب انقسام المؤسسة العسكرية، يجعل من كل جندي قتيل أو أسير عبئا مضاعفا على القيادة الإسرائيلية.

وبحسب مصطفى، فإن مثل هذه الخسائر هي من أبرز العوامل التي تدفع نتنياهو إلى التصعيد الخارجي لتغطية عجزه الداخلي.

" frameborder="0">

سرديات متناقضة

إلى جانب الميدان، تتكشف أبعاد أخرى للأزمة، حيث يرى الدكتور محجوب الزويري، الأكاديمي والخبير في سياسات الشرق الأوسط، أن نتنياهو أسير سرديات متناقضة: فمن اعتبار الحرب "معركة وجودية" إلى توسيعها ضد إيران، وصولا إلى استثمار الدعم الأميركي المطلق.

غير أن هذه السرديات لم تنتج تعريفا واضحا للانتصار، بل جعلت إسرائيل عرضة لمزيد من التناقضات، خاصة بعد أن عاد آلاف الفلسطينيين إلى شمال غزة عقب هدنة يناير/كانون الثاني 2025، وهو ما بدا حينها هزيمة سياسية مدوية.

كما يشير الزويري إلى أن نتنياهو يحاول إعادة تعريف الحرب في ضوء إخفاقاته، معتبرا أن "النصر" لن يُقاس فقط في غزة بل في الإقليم ككل، غير أن هذه المقاربة تزيد من التشتت، إذ توسّع دائرة الحرب من دون أن تحسم أصل المعركة، وهو ما يفتح الباب لحرب مفتوحة بلا أفق زمني.

هذا الغموض ينعكس كذلك على الساحة الدولية، فبينما يزداد الاعتراف بالإبادة ويميل الرأي العام العالمي إلى التعاطف مع الفلسطينيين، تعتمد حكومة نتنياهو إستراتيجية مزدوجة: التطبيع مع العزلة الدولية واعتبارها "انتصارا"، والتهديد بتوسيع الاستيطان أو ضم الضفة ردا على أي اعتراف بالدولة الفلسطينية.

لكن هذه المقاربة –وفق مصطفى– تصطدم بقلق عميق داخل المجتمع الإسرائيلي نفسه، الذي يخشى من عزلة خانقة تضرب قطاعات الاقتصاد والتكنولوجيا والفن.

ولا يغيب عن المشهد أن الزمن بات عنصرا ضاغطا على الطرفين، فإسرائيل التي عجزت عن تحقيق "النصر المطلق" خلال عامين تجد نفسها أمام معركة استنزاف طويلة، في حين يدرك الفلسطينيون أن استمرار المقاومة، ولو بأدوات محدودة، كفيل بإبقاء الاحتلال في مأزق مفتوح.

0 تعليق