صناعة الأفلام في الأردن: كيف حوّلت هوليوود الصحراء الكاميرات إلى محرك اقتصادي وبوابة للترويج السياحي؟ - الأول نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
شطناوي: الدراسات العالمية أثبتت أن تأثير السينما والدراما في قرار اختيار الوجهة السياحية بات يتفوق أحياناً على وسائل التواصل الاجتماعي الكردي: المملكة استضافت منذ تأسيس الهيئة الملكية للأفلام أكثر من 150 فيلماً وإنتاجاً عالمياً

لم تعد صناعة الأفلام مجرد فن يروي القصص، بل تحولت إلى رافعة اقتصادية وثقافية استراتيجية تضع الدول على الخريطة العالمية. وفي الأردن، نجحت هذه الصناعة في تجاوز دورها الفني لتصبح أداة تسويق فعّالة ومُحرّكاً أساسياً لـ "سياحة الأفلام"، حيث تترسخ مواقع التصوير الخلابة في ذاكرة المشاهدين العالميين، وتتحول إلى وجهات سياحية جاذبة تحقق عوائد اقتصادية كبيرة.


أجمع أكاديميون ومختصون في حديثهم لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، على أن الأردن يقطف ثمار استثماره في هذا القطاع، حيث تحولت مواقع أيقونية مثل وادي رم والبترا إلى استوديوهات عالمية مفتوحة استقطبت أضخم الإنتاجات السينمائية، ما انعكس مباشرةً على القطاع السياحي بزيادة أعداد الزوار، وتنشيط منظومة الخدمات اللوجستية، وخلق مئات فرص العمل للشباب الأردني.

سياحة الأفلام.. أداة ترويج تتفوق على الإعلانات

يوضح الدكتور إبراهيم الكردي، من كلية السياحة والفندقة في الجامعة الأردنية فرع العقبة، أن "سياحة الأفلام" أصبحت إحدى أدوات الترويج المحورية للأردن كوجهة سياحية عالمية.

ويؤكد أن أفلاماً مثل "المريخي" (The Martian) و**"الكثيب" (Dune)** رسّخت صورة وادي رم كأيقونة لأفلام الخيال العلمي، بينما أضفت مشاهد من سلسلة "إنديانا جونز" (Indiana Jones) سحراً درامياً على مدينة البترا، ما أثار فضول ملايين المشاهدين ودفعهم لزيارة هذه المواقع.

ويتفق معه الدكتور حكم شطناوي، أستاذ السياحة والفنادق في جامعة اليرموك، الذي يشير إلى أن الدراسات العالمية أثبتت أن تأثير السينما والدراما في قرار اختيار الوجهة السياحية بات يتفوق أحياناً على وسائل التواصل الاجتماعي، مؤكداً أن الأعمال العالمية التي صُوّرت في المملكة قدمت صورة بصرية متجددة تتجاوز بقوة أثر الحملات الإعلانية التقليدية.

عائدات اقتصادية مباشرة وحوافز تنافسية

لا يقتصر الأثر على الترويج فقط، بل يمتد إلى ضخ أموال مباشرة في الاقتصاد المحلي. ووفقاً للدكتور الكردي، فإن كل إنتاج سينمائي ضخم يُقام في الأردن يضخ ما بين مليون إلى خمسة ملايين دولار في الاقتصاد، عبر قطاعات النقل، والضيافة، والتموين، والحرف اليدوية. وأشار إلى أن المملكة استضافت منذ تأسيس الهيئة الملكية للأفلام أكثر من 150 فيلماً وإنتاجاً عالمياً، ما وفر مئات فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، واستفاد منها السكان المحليون بشكل مباشر.

ولتعزيز هذه المكانة، عملت الحكومة الأردنية على تقديم حوافز مالية تنافسية، أبرزها، كما ذكر الدكتور شطناوي، قرار منح استرداد نقدي يصل إلى 45% من حجم الإنفاق داخل الأردن للإنتاجات الكبرى، وهو ما جعل المملكة وجهة أكثر جاذبية على المستويين الإقليمي والدولي.

بنية تحتية متطورة ومواقع تصوير فريدة

يُرجع الخبراء جاذبية الأردن لصناع الأفلام إلى تنوعه الجغرافي الفريد الذي يجمع بين الصحاري الشاسعة، والمواقع الأثرية العريقة، والتكوينات الجيولوجية النادرة. وفي هذا السياق، يرى الفنان الفوتوغرافي والرحالة عبد الرحيم العرجان أن معظم المواقع الأردنية تصلح للتصوير، لكنه يسلط الضوء على تفرّد مناطق مثل البحر الميت، ووادي عربة، وأسواق عمان التراثية.

ويضيف العرجان دعوةً إلى استقطاب أفلام تتناول الرسالة الدينية المسيحية في مواقع المغطس المعتمدة من الفاتيكان، واستثمار المواقع التاريخية مثل جرش وأم الجمال.

وتدعم هذه الميزة الطبيعية بنية تحتية متطورة، تتجسد في توسيع استوديوهات "أوليفوود" (Olivewood) التي افتتحها جلالة الملك عبدالله الثاني عام 2023، وبرامج التدريب المتخصصة التي تهدف إلى تأهيل كوادر محلية محترفة.

مستقبل واعد وطاقات شبابية مبدعة

مع استمرار العمل على تعزيز البنية التحتية السينمائية وعقد الشراكات الدولية، يسير الأردن بخطى ثابتة لترسيخ مكانته كمركز إقليمي لصناعة الأفلام. ويشدد العرجان على ضرورة الاستثمار في الطاقات الشبابية الأردنية، مستشهداً بفيلم "ذيب"، الذي أنتج بسواعد وأفكار محلية بالكامل وحصد جوائز دولية مرموقة، كخير مثال على قدرة الشباب الأردني على الإبداع ورفع اسم المملكة في المحافل السينمائية العالمية.

ومن المبادرات المبتكرة التي تربط السينما بالسياحة، أشار العرجان إلى إطلاق "مسار هوليوود" على ظهور الخيل في وادي رم، والذي يتيح للسياح زيارة أشهر مواقع تصوير الأفلام العالمية في المنطقة، في تجربة فريدة تمزج بين المغامرة وسحر السينما.

0 تعليق