معلولا بلدة سورية تقع في ريف دمشق، وهي من أبرز الفضاءات الحضارية والسياحية والدينية والثقافية في البلاد، وتشتهر البلدة المبنية في قمة جبلية بآثارها القديمة وكنائسها وأديرتها الضاربة في عمق التاريخ، وهو ما يجعل زائرها يعيش تجربة فريدة تجمع بين التاريخ والثقافة والدين والجغرافيا والطبيعة الخلابة.
يسكن في البلدة مزيج من أغلبية مسيحية وأقلية مسلمة يعيشون في انسجام وتناغم ممتد عبر قرون طويلة من التاريخ المشترك، ويتكلم البعض اللغة الآرامية (السريانية) التي كان يتحدث بها المسيح عليه السلام.
اكتسبت البلدة جزءا من شهرتها العالمية بفضل "لغة المسيح"، التي كانت منتشرة في جميع أنحاء الشرق الأدنى في عصره، وظل بعض سكان المنطقة يستعملونها بلكنة محلية تجذب العديد من علماء اللسانيات المهتمين باللغات السامية القديمة، وفق تقدير منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو).
ويصف موقع "سوريا اليوم" معلولا بأنها "مدينة تختزن التاريخ ويفوح منها عبق القداسة، وتبدو كأنها لوحة معلقة ما بين السماء والأرض. بيوتها بيضاء مثل قلوب سكانها، متدرجة على الجبل تنسج حكاياه وبحجارته تتجذر. أما كهوفها فهي ذاكرة التاريخ، فمعلولا هي سوريا العتيقة".
الموقع وأصل التسمية
تقع بلدة معلولا السورية في ريف دمشق على بعد 56 كيلومترا شمال شرق العاصمة دمشق، وتوجد تحديدا بين سلسلتين جبليتين في منطقة القلمون، في قلب جبل معلولا، الذي ترتفع أعلى قممه إلى أكثر من 1900 متر.
شيدت البلدة تدريجيا في حصن جبلي تحيط به جبال صخرية على طريق إستراتيجي يربط العاصمة دمشق بلبنان.

وتعود تسمية البلدة إلى أصول آرامية قديمة وهي كلمة تعني في الأصل "المدخل" أو "المبدأ"، وظلت التسمية راسخة رغم أن البلدة حملت مسميات أخرى عبر العصور، من بينها سيليوكوبوليس في العصور الرومانية.
ويرجّح آخرون أن اسم "معلولا" مشتق من الجذر الآرامي "علل"، والذي يعني "دخل" أو "مر"، وهو ما قد يحيل إلى الفجوات الجبلية الضيقة التي تحيط بالبلدة، ويشير البعض إلى أن الاسم يدل على ارتفاعها ووقوعها في مكان عال.
وتشير مصادر أخرى إلى أن اسم معلولا ورد بهذه الصيغة في كتاب كنسي قديم بمعنى "المدينة الغنية الجميلة"، كما ذكرها الفلكي والجغرافي اليوناني بطلميوس (90 – 168م).
إعلان
أما في عهد اليونانيين والرومان فقد أطلق على معلولا اسم "سكوبولوسا"، ويعني "الوعرة المحجرة"، وذلك بسبب وعورة مسالكها وكثرة الصخور فيها.
المناخ
بما أن البلدة توجد في قمة جبلية فإن مناخها متأثر بالبيئة الجغرافية المحيطة بالمنطقة، إذ يكون شتاؤها قارس البرودة وتصاحبه تساقطات ثلجية، أما فصل الصيف فيكون عادة معتدلا نسبيا.
وتنتعش في محيط البلدة الممتد على واد أخضر مترامي الأطراف أنشطة زراعية ترتكز أساسا على أشجار العنب والتين والزيتون.

السكان
بلدة معلولا ذات أغلبية مسيحية وفيها عدد من المسلمين السنة الذين يتعايشون مع بعضهم منذ مئات السنين، وظل عدد منهم يتكلّمون اللغة الآرامية (تعرف بالسريانية)، وهي لغة المسيح عليه السلام، إضافة إلى اللغة العربية.
ويشكل المزيج من التقاليد المسيحية والإسلامية في البلدة نسيجا ثقافيا ثريا ينعكس في المهرجانات المحلية والحياة اليومية، ويتجلى في الاحترام المتبادل والتعايش المتناغم بين السكان، ليجسد مثالا على المجتمع السوري متعدد الطوائف.
وحسب مصادر صحفية سورية، بلغ عدد سكان البلدة قبل اندلاع الثورة السورية في مارس/آذار 2011 نحو 6 آلاف نسمة، غالبيتهم من المسيحيين مع وجود أقلية مسلمة.
ووفق اليونسكو، فإن عدد سكان البلدة يبلغ نحو خمسة آلاف نسمة يعيشون فيها بشكل دائم. لكن تصريحات مرشدين سياحيين ترجح أن العدد يصبح في حدود المئات أثناء فصل الشتاء، ويتضاعف عندما يعتدل المناخ في الربيع والصيف، وتتحول البلدة إلى قبلة للسياح من سوريا ومن خارجها.
التاريخ
بلدة معلولا واحدة من أقدم المدن والقرى الآرامية في سوريا وفي العالم بأسره، وتزخر بالآثار التاريخية المحفورة في الصخر.
وتوجد فيها كنائس وأديرة يعود تاريخ بعضها إلى القرن العاشر قبل الميلاد، مثل دير "مار سركيس" ودير "مار تقلا"، اللذين صنفتهما اليونسكو ضمن أهم وأقدم الآثار المسيحية في العالم.
وتحتفظ البلدة بآثار من مختلف الحضارات التي تعاقبت عليها، بما فيها الآرامية واليونانية والرومانية والبيزنطية والعربية الإسلامية، وهو ما حولها إلى فسيفساء معمارية وحضارية وأكسبها شهرة محلية وعالمية.

وتشير الدراسات والحفريات في جبل معلولا وجروفه الصخرية إلى أن الإنسان سكن هذه المنطقة منذ عصور ما قبل التاريخ، ويذكر المؤرخون أن البلدة كان لها سور يلتف حول بيوتها القديمة لحمايتها من أي عدوان.
وتمثل الأحجار الضخمة والكهوف والمغارات المحفورة في الصخر -التي سكنها الإنسان القديم- شاهدا على تاريخ يمتد عبر آلاف السنين، منذ العهد الآرامي حين كانت معلولا تتبع مملكة حِمص إلى العهد الروماني الذي سُمِّيت فيه معلولا "سليوكوبوليس".
وتلا ذلك العهد البيزنطي، الذي برز فيه أثرها الديني المهم عندما أصبحت بدءا من القرن الرابع مركزا لأسقفية استمرت حتى القرن الـ17.
وبعد الفتح الإسلامي لبلاد الشام، عاشت بلدة معلولا فترة من الاستقرار والازدهار على غرار باقي أنحاء المنطقة، واحتفظت بتراثها الديني والثقافي.
المعالم
تحتوي معلولا على معالم تاريخية كثيرة ومتنوعة، أهمها الأديرة والكنائس والممرات الصخرية، فضلا عن آثار مسيحية قديمة، منها كنيسة بيزنطية قديمة وأضرحة بيزنطية منحوتة في الصخر في قلب الجبل.
إعلان
ومن أبرز المعالم السياحية في المدينة فجّ يُعرف محليا باسم "فجّ مار تقلا"، وهو عبارة عن شق صخري شاهق يشكّل ممرا ضيقا من طرف الجبل الذي تقع عليه البلدة إلى الجهة المقابلة، ويقسمها إلى شطرين.
وعن سر ذلك الانقسام، تروي بعض الأساطير المرتبطة بتاريخ البلدة أن قديسة كانت تُدعى تقلا، وهي سليلة عائلة وثنيّة نبيلة من منطقة القلمون، أرادت اعتناق المسيحيّة، ففسخت خطوبتها، التي دبّرها والدها مع رجل وثنيّ، ثم هربت من منزل عائلتها إلى هذا الجبل، الذي انشق فجأة ليفتح لها طريقا بينما كان الجنود يلاحقونها لقتلها.
وبمحاذاة ذلك الفج، يقع "دير مار تقلا" -الذي يشتهر بكهفه التاريخي- ويُعتقد أن القديسة تقلا، تلميذة القديس بولس، عاشت فيه بقية حياتها وتوفيت وهي في سن التسعين، وفق بعض الروايات.

وعادة ما يقترن اسم البلدة بذكر ذلك "الفج" المميز بوجود عدد من الغرف والخلوات المحفورة في الصخر على مستويات وأحجام متباينة، بما يشكّل إحدى العجائب الطبيعية التي يمكن للزائر مشاهدتها في هذا المكان.
ومن بين المعالم الأخرى التي تشتهر بها البلدة ساقية يتفاوت منسوب مائها بالزيادة والنقصان تبعا للفصول والمواسم، ويتقاطر عليها الناس للشرب من مائها اعتقادا بامتلاكه خصائص علاجية تشفي أمراض المفاصل والعقم ويطهّر النفس والجسد.
كما يوجد في معلولا دير القديسين سركيس وباخوس، وهو من أقدم الكنائس في سوريا والعالم، ويرجع تاريخ تشييده إلى القرن الرابع الميلادي، إذ بُني فوق أنقاض معبد وثني قديم.
وإلى جانب هذه المعالم الدينية، فإن الطابع المعماري للبيوت في البلدة يُمثل جزءا من هويتها العمرانية الفريدة، إذ شُيدت المنازل بعضها فوق بعض على السفح الجبلي، فبدت سطوح البيوت بمثابة أروقة ومعابر لما فوقها، مشكلة مشهدا معماريا متناسقا ومميزا.
ومن الآثار الشهيرة الأخرى في البلدة المغارات متعددة الأغراض المنتشرة في أرجائها، ويعود بعضها إلى عصور ما قبل التاريخ، وهي في معظمها كهوف طبيعية كبيرة سكنها الإنسان، وأدخل عليها بعض التعديلات عبر الزمن، حسب إمكانات ووسائل كل حقبة تاريخية.
ومن أشهر تلك المغارات معبدا إله الشمس وحمّام الملكة أو الحمّام الإمبراطوري وصخرة الآلهة في الجهة الشرقية من البلدة.
وفي معلولا جامع قديم أُعيد بناؤه وترميمه في خمسينيات القرن الـ20، تعلوه منارة مربعة، ويمثل شاهدا على روح التسامح الديني التي عُرفت بها المنطقة عبر العصور.

الاقتصاد
كان النشاط الاقتصادي في معلولا مرتكزا بالأساس على السياحة، لا سيما الدينية منها لكثرة معالمها المسيحية.
غير أن هذا النشاط تراجع بشكل كبير مع تدهور الأوضاع الأمنية في عموم سوريا منذ مارس/آذار 2011 على خلفية اندلاع الاحتجاجات المطالبة بتغيير النظام السياسي، ففقدت البلدة بريقها السياحي تدريجيا، وبدأ بعض سكانها النزوح إلى مناطق أخرى.
وتضرر اقتصاد البلدة في خضم الأزمة الاقتصادية التي عصفت بسوريا نتيجة الاضطرابات الأمنية، وتدمير البنى التحتية والعقوبات الاقتصادية المفروضة من الدول الغربية، فضلا عن تشريد الملايين من السكان داخل البلاد وخارجها.
0 تعليق