كتب محمد الجمل:
واصلت "الأيام" رصد مشاهد جديدة من العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، ووثقت استمرار جرائم الاحتلال، خاصة في مدينة غزة.
ومن بين المشاهد التي رصدتها "الأيام"، مشهد يرصد حصار مدينة غزة من جميع الجهات، مع إبقاء منفذ خروج وحيد جنوب غربي المدينة، ومشهد آخر يوثق الدمار الكبير الذي تسببه العربات المفخخة التي يتم تفجيرها يومياً في أحياء المدينة، ومشهد ثالث يرصد قيام لصوص بسرقة الخيام المخصصة لنازحي مدينة غزة، وإعادة بيعها لهم بأسعار مرتفعة.
حصار مع منفذ خروج
واصل جيش الاحتلال حصار مدينة غزة من جميع الجهات، مع بقاء منفذ خروج وحيد، على شارع الرشيد، جنوب غربي المدينة، يسمح للمواطنين بمغادرة المدينة.
ووفق مصادر محلية فإن جيش الاحتلال استكمل إغلاق الناحيتين الشرقية والشمالية لمدينة غزة بالكامل، وأغلق ما يزيد على 70% من المحور الجنوبي، بعد السيطرة على أجزاء واسعة من حيي الزيتون والصبرة، نزولاً حتى حي تل الهوا، وأبقى على مسافة محدودة لخروج المواطنين، تمتد من منطقة الشيخ عجلين حتى شاطئ البحر، بطول لا يتجاوز 1000 متر.
كما يواصل الاحتلال فرض حصار طبي مشدد على مدينة غزة، عبر منع وصول الوقود للمستشفيات، وكذلك منع منظمة الصحة العالمية، والمؤسسات المعنية من نقل الأدوية والمستلزمات الطبية لمستشفيات المدينة، مع استمرار قصفها وإخراجها تباعاً عن الخدمة.
وتُشير كافة التوقعات إلى أن جيش الاحتلال بصدد استكمال عزل المدينة بالكامل، وإغلاق شارع الرشيد في الفترة المقبلة، وحصار مَن بقي فيها، مع استمرار منع دخول الطعام والمساعدات والوقود، ما يُعرّض السكان لوضع صعب، ومجاعة متوقعة.
وأكد المتحدث باسم الدفاع المدني في قطاع غزة محمود بصل، أن جيش الاحتلال يواصل عمليات التوغّل البري في منطقتي تل الهوى والشيخ رضوان بمدينة غزة، موضحاً أن المدينة تتعرض لحصار خانق من جميع الاتجاهات، مع قصف متواصل وتدمير شامل للبنية التحتية والمباني السكنية.
وأشار بصل إلى أنه يتم يومياً إدخال أكثر من 20 عربة مفخخة إلى الأحياء المكتظة بالمواطنين، وتفجيرها داخل المناطق السكنية.
ولفت إلى أن جهاز الدفاع المدني يتلقى يومياً عشرات المناشدات من عائلات محتجزة داخل بنايات سكنية في مناطق التوغل، مؤكداً أن هناك مصابين محاصرين داخل المباني، وآخرين تحت الأنقاض بعد استهداف منازلهم، "ولا نستطيع الوصول إليهم".
وأوضح أن طواقم الدفاع المدني عاجزة عن الدخول إلى حيي تل الهوا والشيخ رضوان بسبب شدة القصف والتوغلات، وعدم السماح لها بالوصول.
وناشد بصل الأمم المتحدة والجهات الدولية المختصة بضرورة التدخل الفوري لوقف الحرب، والضغط على الاحتلال لفتح ممرات إنسانية آمنة، تمكّن عناصر الإنقاذ من الوصول إلى العائلات والجرحى.
دمار كبير
طوّر الاحتلال العربات المفخخة التي يتم تفجير العديد منها في قلب أحياء مدينة غزة يومياً، بحيث بات يستخدم مجنزرات قديمة، قادرة على حمل أطنان من المتفجرات، إذ يتم تحريكها ووضعها وسط المربعات السكنية ثم تفجيرها.
ووفق مصادر محلية وشهود عيان، فإن الاحتلال في السابق كان يستخدم "روبوتات" صغيرة، يتم تحميلها بكميات من المتفجرات ومن ثم إرسالها وتفجيرها وسط المباني، لكن منذ بدء العملية الموسعة في مدينة غزة، لجأ الاحتلال إلى استخدام مجنزرات، الواحدة منها قادرة على حمل ما بين 5 و7 أطنان من المتفجرات، ومن ثم توجيهها إلى قلب المناطق المكتظة، وتفجيرها بين المباني.
وبمجرد إعطاء إشارة التفجير للناقلة تتحول السماء إلى اللون الأحمر القاني في ثوانٍ معدودات، وتمتد شظايا الانفجار إلى مساحة 500 متر مربع في المنطقة، ويقع دمارٌ هائلٌ في المكان، وإن كان في محيط الانفجار أشخاصٌ فلن يَظهر لهم أي أثر، حتى الأشلاء تكون مفتتة.
وتسبب تفجير الناقلات المذكورة في دمار واسع وكبير في المناطق التي يتم استهدافها، حيث خرجت صور من مدينة غزة لأحياء ومربعات سكنية دمرت عن آخرها بسبب الناقلات المذكورة، فقد انهارت عمارات، وامتلأت الشوارع بالركام، وحدثت حفرة كبيرة مكان انفجار الناقلة.
وذكر مواطنون من سكان مدينة غزة أن الناقلات المذكورة هي وسيلة الاحتلال لدفع السكان للنزوح عن المدينة، خاصة أنها تصل إلى المناطق السكنية دون سابق إنذار، وتنفجر بشكل مفاجئ.
وقالت هيئة البث الإسرائيلية، إن الجيش "أدخل مؤخراً ناقلات جند مدرعة مفخخة إلى مدينة غزة بهدف تدمير المباني والبنية التحتية، تمهيداً لدخول مزيد من القوات إلى قلب المدينة".
وأوضحت الهيئة أن تلك الناقلات "مدرعة قديمة من طراز M113 ومُعطّلة، حيث جرى ملؤها بأطنان متفجرات، ويمكن إدخالها عميقاً في المنطقة باستخدام نظام تحكم عن بُعد".
وفي إشارة إلى تصعيد عسكري مكثف، قالت الهيئة إن "تنفيذ عملية احتلال مدينة غزة سيتم على مراحل، وسيشمل استخدام نيران كثيفة لمرافقة القوات".
وتسعى إسرائيل إلى بث الذعر بنفوس المواطنين من خلال الحرب النفسية، لخفض أعدادهم في مدينة غزة، عبر دفعهم للنزوح قبل بدء أي توغل بري مرتقب.
سرقة الخيام
تضطر غالبية العائلات النازحة من مدينة غزة باتجاه جنوب ووسط القطاع، لشراء الخيام التي وصلت إلى القطاع خصيصاً لتسليمها لتلك العائلات مجاناً.
وكحال الطحين وباقي أنواع المساعدات الغذائية والعينية، تعرضت آلاف الخيام التي بدأت بدخول القطاع مؤخراً للسرقة من قبل اللصوص، الذين بدؤوا ببيعها في الأسواق بأسعار مرتفعة، تراوحت بين 1500 و3000 شيكل للخيمة الواحدة.
ويومياً يشاهد اللصوص وهم يصلون من منطقة "موراغ"، جنوب مدينة خان يونس، وهم ينقلون الخيام عبر شاحنات، أو دراجات "توك توك"، أو عربات "كارو"، ويقومون بعرضها في الأسواق لبيعها للنازحين، حيث يضطر الأخيرون لدفع الكثير من المال من أجل شرائها.
وقال النازح شريف ماضي إنه توجه إلى مدينة خان يونس دون خيمة، وبصعوبة تمكن من توفير قطعة صغيرة من الأرض، وظن أنه سيتسلم خيمة من المؤسسات الإغاثية، حتى علم أنه جرت سرقة كل الخيام التي تصل، ما اضطره لشراء واحدة مقابل 1800 شيكل.
وبيّن أن اللصوص يعرضون الخيام في السوق، ويطلبون أسعاراً مرتفعة، دون خجل، ويرفضون خفض أسعارها، ويقولون للمشترين بصلف "مش عاجبك تشتريش"، موضحاً أن الحاجة تجبرهم على شراء الخيام، وهي من حقهم في الأساس.
وأشار ماضي إلى أن ما يحدث أمر محزن، فحقوق النازحين من طعام وخيام تُسرق على مرأى ومسمع من الجميع، ولا أحد يستطيع منع هذه المهزلة، وأن المواطنين مضطرون لشراء حصصهم من المساعدات مقابل مبالغ مالية كبيرة.
من جهته، قال الشاب عبد الكريم، الذي رفض ذكر اسمه، وهو أحد لصوص المساعدات على طريق "موراغ"، إن هناك نوعين من الشاحنات تصل إلى القطاع في الوقت الحالي، الأول شاحنات تُجار، وتصل من "دوار التحلية"، وطريق "كيسوفيم" جنوب ووسط القطاع، وعليها تأمين مشدد، ومن يحاول سرقتها يتم التصدي له، وقد يُقتل. أما النوع الثاني فهو شاحنات مساعدات، وتصل غالبيتها من محور "موراغ"، وهي بلا تأمين، وجميع ما يصل من هذا المحور تتم سرقته سواء مواد غذائية، أو خيام.
وأكد عبد الكريم أنه ومع مرور الوقت تحول اللصوص في منطقة "موراغ" إلى عصابات منظمة، يعملون بشكل متناغم، ويمتلكون مركبات وشاحنات، ولديهم أشخاص لحمايتهم من عصابات أخرى، وتحدث في غالبية الأيام شجارات بالسلاح الأبيض بين اللصوص، يسقط بسببها ضحايا.
0 تعليق