Published On 29/9/202529/9/2025
|آخر تحديث: 07:17 (توقيت مكة)آخر تحديث: 07:17 (توقيت مكة)
أعلن باحثون من جامعة أستراليا الغربية ضمن المركز الدولي لبحوث علم الفلك الراديوي في أستراليا، عن رصد بنية كونية ضخمة تربط بين مجرتين تبعدان نحو 53 مليون سنة ضوئية عن الأرض، هما المجرة "إن جي سي 4532" والمجرة "دي دي أو 137".
ووفقا للدراسة التي نشرت في 24 سبتمبر/أيلول في دورية "مونثلي نوتيس" التابعة للجمعية الملكية الفلكية، يمتد هذا الجسر من الغاز لمسافة تقارب 185 ألف سنة ضوئية، ويصاحبه ذيل غازي بطول 1.6 مليون سنة ضوئية، وهو الأطول الذي يجري رصده حتى الآن.

طول غير مسبوق
والسنة الضوئية هي وحدة مسافة، تعبر عن المسافة التي يقطعها الضوء في سنة، وتساوي تقريبا 9.5 ترليونات كيلومتر، يعني ذلك أن طول هذا الجسر يقترب من مليون و750 كوينتليونا كيلومتر.
ويقول قائد فريق البحث في الدراسة ليستر ستيفلي سميث، أستاذ علم الفلك في المركز الدولي لبحوث علم الفلك الراديوي، إن هذا الاكتشاف خطوة مهمة لفهم طريقة تفاعل المجرات.
ويوضح في تصريحات للجزيرة نت: "أظهرت النماذج التي صممها الفريق أن القوى المدية بين المجرتين، مع قربهما من عنقود مجرى العذراء الهائل (تجمع كبير للمجرات يبعد عن درب التبانة نحو 59 مليون سنة ضوئية) لعبت دورا أساسيا في ما نشاهده من تدفق للغاز".

كيف يتكون مثل هذا الجسر؟
ويقول ستيفلي سميث: "بينما تدور المجرتان حول بعضهما وتتجهان نحو سحابة الغاز الساخن التي تحيط بعنقود العذراء، تتعرضان لقوة تعرف باسم ضغط الحرف، أي اندفاع المجرة داخل وسط "بين-عنقودي" ساخن يجردها من جزء من غازها".
ويضيف أن حرارة ذلك الوسط تصل إلى ما يعادل 200 ضعف حرارة سطح الشمس، ما يؤدي إلى تسخين الغاز وتجريده ببطء على مدى نحو مليار سنة، في عملية تشبه احتكاك قمر صناعي عند دخوله الغلاف الجوي للأرض، لكن على مقياس كوني هائل.
إعلان
واكتشفت هذه الظواهر ضمن مشروع "واللابي"، وهو مسح واسع للسماء يدرس توزيع الهيدروجين المتعادل داخل المجرات باستخدام تلسكوب الراديو "أسكاب" التابع لوكالة العلوم الأسترالية.
ويشير الباحث إلى أن "الهيدروجين المتعادل هو المادة الأولية لتشكل النجوم. لذلك يمنحنا هذا الجسر والذيل فرصة نادرة لفهم كيف تعيد المجرات توزيع غازها، وكيف يؤثر ذلك في ولادة النجوم، خاصة داخل البيئات الكثيفة مثل العناقيد".
ولفهم أهمية الاكتشاف، يكفي أن نتذكر أن المجرات لا تعيش منفصلة، كما يقول قائد فريق البحث، موضحا أن "المجرات تتبادل المادة والطاقة باستمرار، وتخضع لشد وجذب بين الجاذبية والرياح الغازية الساخنة في الفضاء بين-المجري".
ويضيف: "وفي حالتنا هذه، تكشف المشاهدات عن تيار مادي متصل بين مجرتين، مع ذيل ممتد إلى مسافة قياسية، ما يقدم مختبرا طبيعيا لدراسة تأثيرات البيئة المحيطة في شكل المجرات وحياتها الداخلية.

التيار الماجلاني
ويشير ستيفلي سميث إلى تشابه لافت بين هذا النظام وبين ما نراه في مجرة درب التبانة مع سحب ماجلان المرافقة لها، إذ يرصد الفلكيون "التيار الماجلاني" كجسر من الغاز يمتد حول مجرتنا.
هذا التشابه يساعد العلماء على اختبار أفكارهم عن تطور المجرات باستخدام نظامين مختلفين لكنهما يخضعان لقوانين فيزيائية واحدة. والتيار الماجلاني هو تيار من السحب الغازية عالية السرعة يمتد من سحابتي ماجلان الكبرى والصغرى مرورا بالقطب الجنوبي لمجرة درب التبانة.
ويخطط الفريق لمتابعة الرصد عبر أطوال موجية أخرى، من خلال الأشعة السينية لتعقب البلازما الساخنة في عنقود العذراء، وتحت الحمراء وتحت المليمتر لرصد الغبار وجزيئات الغاز البارد.
وتهدف هذه الخطط، إلى رسم خريطة كاملة لدورة الغاز بين المجرتين والوسط المحيط، ومعرفة ما إذا كان الجسر يغذي تشكل نجوم جديدة، أم أن البيئة القاسية تجرد المجرات من وقودها وتبطئ وتيرة ولادة النجوم.
ويختم الباحث بملاحظة أن هذا الاكتشاف "يؤكد فكرة أن الكون شبكة من الجسور والتيارات، لا جزر منفصلة، وأن الجسر الذي يمتد 185 ألف سنة ضوئية، والذيل الذي يبلغ 1.6 مليون سنة ضوئية، ليسا مجرد منظر سماوي مدهش، بل دليل حي على كيفية تغير المجرات عبر الزمن، وكيف تعاد صياغة قصتها من جديد بفعل قوى المد والجزر الكونية".
0 تعليق