كابل- باميان إحدى ولايات أفغانستان وأشهر الوجهات السياحية فيها، منذ سبعينيات القرن الماضي جذبت السياح الأجانب بشكل خاص، ولسنوات طويلة بقيت بعيدة عن خارطة السياحة العالمية بسبب الحروب المتتابعة وانعدام الأمن.
إلى أن تم عام 2009 إعلان منتزه بحيرات بند أمير في باميان وهو أول منتزه وطني، فعادت الأضواء للولاية التي تحوي أكبر تمثالين لبوذا في العالم.
تقع باميان في وسط أفغانستان وتبعد عن العاصمة كابل بحوالي 240 كيلومترا، وللوصول إليها يمكن استخدام حافلات النقل العامة التي لا تزيد أجرتها على 4 دولارات، إذ تصعد بك الطريق تدريجيا إلى أعالي جبال هندكوش، وعلى ارتفاع يقارب 3 آلاف متر فوق سطح البحر تقع هذه الولاية العجيبة، وهناك تنتشر عدة فنادق بمستوياتها المختلفة من الشعبية، والتي لا تزيد أجرة الليلة الواحدة فيها على 10 دولارات، إلى فنادق الخمس نجوم.
أما الأنشطة التي يمكن ممارستها في باميان فهي عديدة، وأبرزها:
أولا: زيارة أكبر تمثالي بوذا في العالم
في وادي باميان الذي كان أحد أهم محطات طريق الحرير القديم يقع أكبر تمثالي بوذا في العالم، وهما محفوران في الصخر واسم أحدهما صلصال وارتفاعه 53 مترا، والآخر اسمه شمامة وارتفاعه 35 مترا.
وعلى الرغم من قيام حركة طالبان بتحطيمهما خلال فترة حكمهم السابقة، إلا أن التجويفين اللذين يحويان هذين التمثالين في الجبل ما يزالان يجذبان آلاف السياح سنويا.

وتقول الأسطورة المحلية إن التمثالين تخليد لقصة عشق خرافية بين رجل يدعى "صلصال"، وفتاة جميلة تسمى "شمامة"، كان يسعى الرجل لخطبتها وكان والدها يردّه إلى أن قبل بهذه الخطبة بشرط أن يصنع صلصال سدا يحجز ماء النهر ليستفيد منه السكان في الزراعة، فقام صلصال ببناء بحيرات سد أمير التي جعلت من باميان جنة، فاحتفل كل السكان بزفافهما، ولكنهما في ذلك اليوم تحولا إلى تمثالين حجريين فأصبحا رمزا للخصب والنماء.
إعلان
والحقيقة أن هذين التمثالين هما من بقايا معالم مدرسة غندهارا البوذية الفنية والتي تأسست خلال القرن السادس الميلادي، إذ كانت باميان واحدة من أهم المراكز البوذية في العالم آنذاك.
ولزيارة هذين التجويفين على السائح أن يشتري تذكرة بمبلغ 500 أفغاني، أي 3 دولارات ونصف، وتسمح هذه التذكرة للزائر بالدخول إلى كل الأماكن السياحية في باميان.
ثانيا: السباحة في البحيرات
على بعد نحو 40 كيلومترا من مركز باميان، تقع بحيرات بند أمير وهي مجموعة من أجمل البحيرات في العالم، وتشكلت هذه البحيرات الستة بشكل طبيعي خلال قرون طويلة.

وشكلت الرسوبيات حواجز طبيعية حول البحيرات، وتتسرب إليها المياه الصافية من داخل شقوق الصخور، ولا يعرف حتى الآن مدى عمقها، وتمتاز البحيرات بزرقة لازردية غامقة بسبب نقائها.
كما يمكن للسائح السباحة في هذه البحيرات أو ركوب قوارب البدالات أو الغوص، وكل هذه الأنشطة تتوفر بسهولة وبأجرة زهيدة.
ويمكن المبيت في أحد الشاليهات المحلية المنتشرة حول البحيرات، أو التخييم، حيث تتوفر مناطق خاصة للتخييم قريبة من البحيرات، كما تتوفر مناطق ألعاب للأطفال في الهواء الطلق.
" frameborder="0">
ثالثا: وادي التنين
يقع على بعد 5 كيلومترات غرب مدينة باميان وادي التنين، وهو يحوي شكلا صخريا هائلا يشبه التنين، مشقوق من المنتصف، وفي قمته تتفجر عين ماء مالحة.

والمكان مرتبط بأسطورة محلية مستقاة من ملحمة "خاوران نامه"، وهي ملحمة شعرية فارسية عارض فيها الشاعر ابن حسام الخسوفي ملحمة الشاعر الفارسي بو القاسم بن حسن الطوسي"، والملقب بالفردوسي وهي ملحمة "شاهنامه"، وخاوران نامه ملحمة خيالية لبطولات الصحابي علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
كما تذكر "خاوران نامه" أنه كان هناك تنين ضخم يعيش في هذا المنطقة، وكان ينفث النار على السكان ويلتهم الشابات، فتوجه السكان إلى علي بن أبي طالب طالبين منه المساعدة، فقتل الأخير بسيفه وشقه إلى نصفين، فتحجر التنين وتحول إلى هذه الصخرة الهائلة، وما يزال الشق في منتصفه موجودا، أما عين الماء المالحة فهي عين التنين التي تبكي منذ قرون.
رابعا: الاطلاع على الآثار
كانت باميان على مدى التاريخ مركزا حضاريا مهما، فهي كانت محطة من محطات طريق الحرير، والتي تتالى على حكمها اليونانيون واليفتاليون والغوريون والغزنويون والمغول، إضافة لكونها أهم مركز بوذي في العالم في إحدى الحقب.
لذلك تعد باميان غنية بالمواقع التاريخية، ففيها مئات الكهوف التي كان يعتزل فيها الرهبان البوذيون بعيدا عن صخب المدن، وهناك العديد من آثار التماثيل البوذية.

إضافة لذلك، فمدن غلغلة (ومعناها الصرخات) و"ضحاك" و"خان" (الجسور الستة) تعد من أهم المناطق الأثرية التي تستحق الزيارة.
وأما مدينة غلغلة فيعود اسمها للمذبحة الوحشية التي تعرضت لها المدينة على يد المغول بقيادة جنكيز خان، والذي غضب لمقتل حفيده خلال حصار المدينة، فأمر الجيش بقتل كل سكان المدينة انتقاما لحفيده، ويقال إن صوت الصرخات كان يسمع لمئات السنين من أطلال المدينة.
إعلان
خامسا: البازار الشعبي
على عكس معظم ولايات أفغانستان الأخرى، تمتاز النساء في باميان بحرية أكبر، وتعمل النساء جنبا إلى جنب مع الرجال، وحين تتجول في ولاية باميان سترى النساء يعملن في حصاد القمح وفي رعي المواشي وفي جني الثمار، وفي الأسواق الشعبية الخاصة بالأشغال اليدوية يكون للنساء النصيب الأكبر فيها.

فنساء باميان يصنعن المشغولات اليدوية من حلي ومطرزات وملابس تراثية وبسط وأوانٍ فخارية وغيرها، ويعرضن كل ذلك للبيع في الأسواق الشعبية التي تحفل بها ولاية باميان. ويعد التسوق في هذه البازارات وشراء التذكارات من أهم الأنشطة الممكن ممارستها حين تزور المنطقة.
سادسا: الرياضات الشتوية
ورغم أن فصل السياحة الأساسي في باميان هو الصيف، إلا أن فصل الشتاء أيضا يجلب الكثيرين للمشاركة في الرياضات الشتوية، ففي الشتاء الطويل تتجمد بحيرات بند أمير، ويغطي الثلج كل شيء لمدة 6 أشهر.
وخلال هذه الفترة، تختص باميان بإقامة مسابقات التزلج، وتصبح سفوح ومنحدرات الجبال لا سيما جبل "كوه بابا" أهم مركز للتزلج في البلاد، وتقام المسابقات التي ترعاها الدولة والمؤسسات الخاصة للتزلج وبعض الرياضات الشتوية الأخرى.
سابعا: المطبخ المحلي
تمتاز الأطباق المحلية في باميان -كما هي معظم الأطباق في وسط وشمال أفغانستان- بمزيج من الأطباق الفارسية وأطباق وسط وشرق آسيا، ولا سيما المعجنات المطبوخة على البخار مثل المنتو والآشك وآي خانم، وهذه الأخيرة عبارة عن معجنات رقيقة محشوة إما باللحم أو بالخضار تطبخ على البخار، ثم تقدم بإضافة صوص من الطماطم واللبن الحامض.

إضافة لذلك، فالقابلي (الطبق الأفغاني الرسمي) والكباب الأفغاني والخبز الأفغاني (النان) كلها أطباق تستحق التجربة، وهي متوفرة في المطاعم المحلية في باميان بمكونات محلية طازجة وبأسعار زهيدة؛ إذ لا يتجاوز ثمن الطبق الواحد 3 دولارات.
ثامنا: الثقافة المحلية
ينتمي معظم سكان باميان إلى قومية الهزارة المتحدثين باللغة الفارسية، ويمتاز الهزارة بالثقافة وحب العلم والأدب.
ويمكن حين زيارة باميان الاطلاع من خلال المرشدين المحليين على الثقافة المحلية، وما يتميز به السكان من أسلوب خاص في اللباس والطعام والشعر والموسيقى الفلكلورية، وأسلوب التطريز اليدوي الخاص لملابس النساء وغيرها من الثقافة المحلية.
ونتيجة لحالة الأمن وتشجيع السياحة التي تعيشها أفغانستان حاليا، فقد تزايد عدد السياح الأجانب إلى أفغانستان وفقا لتقرير نشرته وكالة أسوشييتد بريس، إذ قال التقرير إن نحو 9 آلاف سائح أجنبي زار أفغانستان خلال العام 2024.
وأما إحصائيات السياحة الداخلية في باميان، فقد قال رئيس قسم الإعلام والثقافة في ولاية باميان قاري سيد مصطفى صالح إنه زار الولاية خلال العام الماضي أكثر من 200 ألف سائح أفغاني، وأكثر من ألفي أجنبي.
ويضيف قاري أن سلطات الولاية عندها خطة لجذب السياحة إلى باميان عن طريق تحسين المرافق السياحية الموجودة، وتوفير المزيد من المرافق وترميم المعالم التاريخية، ووفقا للمسؤولين في حكومة طالبان فإن ضمان سلامة وأمن السياح يعد من أهم أولويات الولايات الأفغانية.
0 تعليق