فى مخيم صغير وسط مخيمات غزة المنهكة، تختبئ معاناة لا يسمعها سوى من عاش تفاصيل الألم، هناك، تحاول عائلة أبو عبيد أن تتنفس بين الخوف والدعاء، بعد أن فقدت قبل سنوات طفلها محمد بالمرض نفسه الذى يلتهم اليوم صحة شقيقه الأصغر أحمد.
الطفل أحمد أبو عبيد
الذاكرة لا تزال حية، والصورة لم تغادر وجدان الأم، حيث ذات التدهور الصحى، ذات الأعراض، ذات العجز تجده فى ابنها الصغير بعد أن عانت معه مع والدها المتوفى، واليوم يتكرر المشهد، وكأن القدر يختبر صبر العائلة من جديد.
متلامة نادرة
أحمد أبو عبيد، طفل لم يتجاوز الخامسة من عمره، يواجه ما لا يحتمله جسد بهذا العمر، حيث يعانى نت إصابته بـمتلازمة بارتر، وهو اضطراب نادر يؤثر على وظائف الكلى ويتسبب فى خلل كبير بالقنوات الكلوية، ما يؤدى إلى فقدان المعادن والأملاح الأساسية من جسمه بشكل خطير.
ومع كل يوم يمر، تصبح معاناته أكثر قسوة، حيث نزلات معوية حادة، إسهال مزمن، سوء تغذية، ارتفاع متكرر فى الحرارة، وفقدان القدرة على النطق والحركة، طفولة كاملة تسلب منه جزءا بعد آخر.
يحاول الأطباء داخل مستشفى ناصر الطبى فعل ما يمكنهم، لكن الإمكانات محدودة، والأدوية الأساسية غير متوفرة، والأجهزة اللازمة لتثبيت حالته إما مفقودة أو غير قادرة على التعامل مع وضعه المتدهور، فيما تؤكد جميع التقارير الطبية خطورة الحالة، خاصة أن أحمد بحاجة ماسة إلى تحويل عاجل للعلاج خارج القطاع قبل أن تتكرر مأساة شقيقه محمد.

دواء الطفل الفلسطيني أحمد أبو عبيد
اليوم، لا تصرخ العائلة طلبًا للشفقة، بل تطلب حقا بسيطا، النجاة لطفل لم يعرف من الحياة سوى الألم، حتى لا تعيش هذه العائلة الفقد مرة أخرى، وحتى لا تتحول قصة أحمد إلى ذكرى أخرى على رف الحزن الفلسطينى الممتد منذ عقود.
ضرورة توسيع الرعاية الصحية
وفى 2 ديسمبر، أكد المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك خلال بيان للمنظمة، أن الظروف الإنسانية فى غزة سيئة جدًا حتى مع استمرار عمليات الإغاثة، مشيرا إلى ضرورة توفير المساعدات دون قيود وتمكين الشركاء من إيصال الإمدادات إلى القطاع، خاصة أن نقص الإمدادات الأساسية وتدمّير البنية التحتية خلال عامين من الحرب يعوق جهود توسيع الرعاية الصحية.
خوف من الفقد
وتجلس والدة الطفل أحمد أبو عبيد أمام سريره الصغير، تتأمل ملامحه الهزيلة وتتساءل أن كان الغد يمنحه فرصة أكبر للحياة، أم يسلبه ما تبقى من قوة، وبصوت يختلط بين الانكسار والأمل تقول: "للأسف علاجه غير متوفر، ونحن نحاول أن نجد حلا قبل ما نفقده مثل ما فقدنا شقيقه.
وتروى الأم فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أن رحلة الألم لم تبدأ مع أحمد فقط، بل سبقتها صدمة لا تزال تعيشها كل يوم: "أخوه توفى بسبب فيروس انتقل لابنى، ولا أحد يعرف علاجه، ونحن نخشى أن يتكرر السيناريو".
اليوم يقاوم أحمد بملامح طفل لا يعرف من العالم سوى وجع مستمر، والدته تتحدث عن مرضه وهى تحاول أن تثبت نفسها كى لا تنهار: " متلازمة بارتر تجعل الطفل يحتاج لعلاج مستمر وأدوية لا نجدها، قبل يومين خرج من مستشفى ناصر، وحالته كانت صعبة بشكل كبير بسبب نزول نسبة الأملاح".
وتضيف بصوت متعب وكأنها عاشت سنوات من الانتظار فى أيام قليلة: " ابنى كان يعيش على محاليل فى المستشفى لأنه ما كان هناك كمية علاج تكفيه، وكل ما تتحسن حالته تعود للانتكاسة لأنه لا يوجد دواء ثابت".
العائلة حاولت أن تتمسك بالأمل عبر طلب تحويل طبى خارج غزة، لكن الانتظار يطول والزمن لا يرحم: " نحن قدمنا على تحويلة للخارج منذ شهور وحتى الآن لا يوجد أى اتصال من وزارة الصحة الفلسطينية، وكل يوم بمر علينا نخاف أن نفقد الطفل قبل ما يكون فيه رد".
وفى نهاية حديثها، تتنفس الأم بحزن عميق وتهمس وكأنها تخاطب العالم: " نحن لا نريد سوى فرصة ليعيش ابنى، لا نريد أن نفقد أحمد مثل ما فقدت أخوه، هذا ابنى، وأنا بطلب حقه بالحياة".

0 تعليق