زنك لندن في ورطة - الأول نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

آندي هوم*

استيقظت سوق الزنك مؤخراً على حقيقة صادمة مفادها أن مخزونات بورصة لندن للمعادن انخفضت إلى مستوى لا يغطي سوى يوم واحد فقط من الاستهلاك العالمي. هذا الانكماش الحاد فجّر تقلبات في عقود التسليم الفوري، حيث قفز الفارق السعري بين التسليم النقدي والعقود الآجلة ثلاثة أشهر إلى 60 دولاراً للطن، وهو أعلى مستوى منذ عام 2022.
ورغم أن كل المؤشرات تعكس عجز السوق الحاد في الإمدادات، فإن بيانات المجموعة الدولية لدراسة الرصاص والزنك تشير إلى فائض عالمي بلغ 72 ألف طن خلال الأشهر السبعة الأولى من 2025. لكن هذا الفائض، على ما يبدو، متركّز في الصين، بينما يواجه الغرب أزمة نقص متفاقمة.
ومنذ مطلع العام، تراجعت مخزونات الزنك المسجلة في بورصة لندن من 230 ألف طن إلى 40850 طناً فقط. أما الكميات المتاحة فعلياً للتسليم الفوري فلا تتجاوز 30625 طناً، وهي نسبة ضئيلة في بحر إنتاج عالمي يناهز 13.5 مليون طن سنوياً. حتى المخزونات غير الخاضعة لعقود الضمان في بورصة لندن هبطت إلى 12087 طناً من المعدن القابل للتسليم، موزعة على كامل شبكة المستودعات.
ويعود التراجع أساساً إلى سحب كميات كبيرة من مخازن سنغافورة، التي كانت مركز التخزين الرئيسي للزنك في السنوات الأخيرة. وتسارعت صادرات سنغافورة من المعدن منذ الربع الأخير من 2024، لتبلغ 240 ألف طن منذ بداية العام الجاري، بينها 20 ألف طن متجهة إلى الولايات المتحدة. في المقابل، تراجعت وارداتها إلى مستويات شبه معدومة، ما يشير إلى أن المخزون المتاح، حتى خارج السوق، لم يعد متوفراً.
يبدو أن الأزمة لم تكن وليدة المناجم فحسب، بل ناجمة أيضاً عن سلسلة من مشاكل المصاهر لدى بعض الدول. فإنتاج الزنك الخام عالمياً ارتفع بنسبة 6.3% خلال النصف الأول من 2025، لكن المكرر منه انخفض 2.1%، مع توقف الأعمال في البرازيل وكازاخستان واليابان، إضافة إلى تقليص الإنتاج في كوريا الجنوبية وأستراليا وإيطاليا.
في المقابل، ارتفعت طاقة المصاهر الصينية بشكل لافت منذ الربع الثاني من العام، مع تحسّن توافر المواد الخام وزيادة رسوم المعالجة للمركزات المستوردة. لتقفز واردات بكين من خامات الزنك بنسبة 43% خلال الأشهر الثمانية الأولى من هذا العام، فيما صعد إنتاجها من المعدن المكرر بنسبة 7% لنفس الفترة.
إلى ذلك، صارت الفجوة بين الشرق والغرب أكثر وضوحاً، فبينما تتآكل مخزونات لندن، ترتفع مخزونات بورصة شنغهاي من العقود الآجلة للزنك إلى أكثر من 100 ألف طن، وهو أعلى مستوى منذ أغسطس 2024. والنتيجة كانت اتساع الفارق السعري بين السوقين، إذ يباع الزنك في شنغهاي بخصم يزيد على 330 دولاراً للطن مقارنة بلندن، وهو أكبر فارق منذ أن تحولت الصين إلى مُصدّر صافٍ للمعدن في عام 2022.
ويرى محللون في بنك «بي إن بي باريبا» أن نافذة المراجحة بين السوقين بحاجة إلى مزيد من الاتساع لتصبح الصادرات الصينية مربحة، متوقعين حوافز متزايدة للتصدير نحو الأسواق الغربية خلال الأشهر المقبلة.
المفارقة أن من يواجهون مراكز بيع مكشوفة في بورصة لندن لا يهمهم مصدر الإمدادات بقدر ما يهمهم تجنّب خسائر إضافية. وكل المؤشرات تفيد بأن الصين، بمصاهرها المتعطشة للمواد الخام وقدرتها الإنتاجية المتنامية، هي المرشحة لملء هذا الفراغ في الغرب.
* كاتب متخصص في أسواق المعادن الصناعية «رويترز»

0 تعليق