الزاوية.. وعدٌ مؤجّل للأمان: طفلٌ يرحل والمدينةُ تسأل هل من ليلٍ بلا رصاص؟ - الأول نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

الزاوية: طفلٌ يسقط… ومدينةٌ تُطفئ أنوارها باكرًا

ليبيا – في حيّ الشرفاء، توقف الزمن عند مساءٍ عابرٍ صار علامةً فارقة في ذاكرة مدينةٍ تعلّمت أن تنام على أصواتٍ لا تُشبه التهاليل. رحل الطفل معاذ مروان المرغني، وجُرح شقيقه عبدالرحمن، لتضاف صفحة جديدة إلى سجلٍّ طويلٍ من الخوف المؤجّل، حيث تتحوّل الطريق إلى متاهةٍ، والنافذة إلى جدار، والمدينة إلى انتظارٍ لا ينتهي.

وجعٌ يعرف طريقه
لا يأتي العنف في الزاوية من فراغ. يأتي على دفعات: اشتباكاتٌ خاطفة، مقذوفاتٌ عشوائية، طرقٌ تُغلق على عجل، ونبضُ أحياءٍ يتقطّع بين تراجعٍ أمنيٍّ وتمددِ مجموعاتٍ مسلّحةٍ يموّلها اقتصادٌ موازٍ لا يتوقف. منذ مطلع العام، تتكرر القصة بخاتمةٍ واحدة: مدنيون يدفعون الثمن.

حيّ الشرفاء… الاسم الذي صار خبرًا
في ذلك المساء، لم يكن في الحيّ سوى عاداتٍ صغيرة: شرفةٌ تُسند الغروب، وأمٌّ تنادي أبناءها، وأبوابٌ تتهيّأ لليلٍ هادئ. لكن المقذوف سبق الدعاء. سقط معاذ وهو يمسك بيد شقيقه خوفًا عليه من السيارات، وترك وراءه أسئلةً لا يجيب عنها بيان: من أين جاءت الشظايا؟ لماذا تصل إلى الأطفال قبل العدالة؟ وكيف يُعاد طفلٌ إلى أمه بالكلمات؟

دورةُ العنف… وفشل الحكومة
تقول الوقائع إن الحملات الأمنية المعلنة من قبل حكومة عبد الحميد الدبيبة وداخليته برئاسة عماد الطرابلسي، والمداهمات المتفرقة التي اعلنتها وزارة الدفاع الذي يرأسها الدبيبة نفسه ووكيله عبد السلام زوبي، والاستهدافات التي وصفوها بـ“الدقيقة”، لم تُثمر أمنًا مستدامًا. بقيت النتائج بلا أثرٍ هيكلي: لا تجفيفَ لمصادر التهريب، لا تراتبيةَ واضحة للسلاح، ولا خطةً تعصم الأحياء من تكرار الحكاية. ومع كل جولة، تتسع الفجوة بين وعودِ الحماية وواقعِ الشارع، ما يعتبر فشلا ذريعا للدبيبة في شخصه وحكومته يقول مراقبون.

الدولةُ حين تتأخر
تتجه الأنظار مجددًا إلى حكومة الدبيبة ورئاسة أركانها ومسلحيها التي تعهدوا مرارًا بأن “تبسط حكومتهم سيادتها” على المدينة. لكن الأهالي يسمعون شيئًا آخر: صفيرَ الرصاص، وأبوابَ الطوارئ، والأسماءَ التي تُحفظ عن ظهر غياب. في الزاوية، لم تعد المشكلة نقصَ البيانات؛ المشكلة أنّ الأمهات صرن يقرأن الأخبار قبل أن ينعمن بالنوم.

ما الذي يطلبه الناس؟
لا يطلب الأهالي أكثر من بديهياتٍ مؤجلة: خطةٌ علنية بمراحل زمنية قابلة للمراجعة، نقاطُ تأمينٍ ثابتة ودورياتٌ راجلة داخل الأحياء، تحقيقاتٌ تُعلن نتائجها لا تُحفظ، وتجفيفٌ صارمٌ لمصادر التمويل غير المشروع التي تُبقي النار تحت الرماد. يطلبون ما يليق بمدينةٍ تريد أن تعيش بلا قوائم انتظار للمآتم.

خاتمةٌ لا تريد أن تكون خاتمة
في الزاوية، تتسلل الأسئلةُ إلى تفاصيل النهار: هل يعود الأطفال من مدارسهم جميعًا؟ هل يكتمل المساء بلا انقطاع؟ وهل يمكن لمدينةٍ أنهكها الدوران في الحلقة نفسها أن تجد طريقًا مستقيمًا إلى الأمان؟
اسمٌ آخر يضاف إلى الذاكرة، ودرسٌ قديم يتجدد: لا شيء أثمن من طمأنينة بيتٍ يُغلق بابَه على سلام.

0 تعليق