عاجل

هل تؤدي حرب ترمب التجارية إلى ركود عالمي؟ - الأول نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

حين كان صندوق النقد الدولي يصدر تقريره الفصلي الأخير حول تباطؤ النمو العالمي، كانت الأحداث التجارية على أرض الواقع ترسم صورة أكثر اضطرابًا بكثير مما تحمله الأرقام. ففي صباح أمس (الثلاثاء)، دخلت رسوم جمركية أمركية جديدة حيّز التنفيذ، استهدفت قطاعات أساسية مثل الأخشاب، الأثاث، والخزائن المطبخية. وستؤدي هذه الخطوة على الأرجح إلى ارتفاع ملحوظ في تكلفة البناء السكني في الولايات المتحدة، في وقت يعاني فيه قطاع الإسكان من تقلبات عنيفة أصلًا.

لكن ذلك لم يكن سوى جزء من مشهد أكثر تعقيدًا، إذ بدأ أيضًا تنفيذ رسوم دخول جديدة على السفن التجارية المتبادلة بين الولايات المتحدة والصين، في تصعيد يعكس عمق التوتر بين أكبر اقتصادين في العالم.

في المقابل، صعّدت بكين هي الأخرى، وأعلنت فرض قيود مشددة على تصدير المعادن النادرة، وهي مواد حيوية لصناعة الإلكترونيات الدقيقة، والهواتف الذكية، وتوربينات الرياح، وحتى البطاريات الكهربائية. كما أدرجت خمس شركات أمريكية تابعة لمجموعة «هانوا» الكورية على قائمتها السوداء، متهمة إياها بدعم التحركات الأمريكية في قطاع بناء السفن.

ويقول البروفيسور ريتشارد بورتس من كلية لندن للأعمال إن «العلاقة التجارية بين واشنطن وبكين تعيش حالة من التقلّب الشديد، ومن الصعب جدًا التنبؤ بما يمكن أن يحدث غدًا».

أوروبا تتأثر.. وبريطانيا تدفع الثمن

الارتدادات لم تقتصر على الولايات المتحدة والصين. فالاتحاد الأوروبي دخل على خط المواجهة بفرض رسوم ضخمة وصلت إلى 50% على واردات الصلب من الصين، في خطوة تهدف لمواجهة ما تعتبره بروكسل «إغراقًا صينيًا» بأسعار غير عادلة. والمفارقة أن هذا القرار، رغم أنه موجّه للصين، أصاب بريطانيا في مقتل، حيث يذهب نحو 80% من صادراتها من الصلب إلى الاتحاد الأوروبي، ما يهدد مستقبل صناعة حيوية ما زالت تحاول التعافي من تداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد.

وفي القارة الأمريكية، خضعت المكسيك لضغوط أمريكية مكثفة، واقترحت فرض رسوم بنسبة 50% على السيارات الصينية، رغم كونها واحدة من أكبر الأسواق لهذه المنتجات في العالم. واعتُبر هذا التحرك رضوخًا مباشرًا لسياسات البيت الأبيض، ويشير إلى أن بعض الدول المحايدة لم تعد قادرة على التزام الحياد.

أما الهند، التي فُرضت عليها تعرفة أمريكية بسبب استمرارها في استيراد النفط الروسي، فقد بدأت فعليًا بالتحوّل شرقًا. وزيارة رئيس الوزراء ناريندرا مودي إلى الصين في أغسطس، وهي الأولى منذ سبع سنوات، جاءت كرسالة سياسية واضحة: نيودلهي لن تقف مكتوفة الأيدي أمام الابتزاز الاقتصادي.

تغيرات في موازين القوى العالمية

منذ وصول ترمب إلى البيت الأبيض، أصبحت التغيرات في السياسات التجارية تأتي إما بسرعة مفاجئة أو بتباطؤ مُربك، لكن نتيجتها واحدة: عدم الاستقرار.

ولم تقتصر الإجراءات الحمائية على أمريكا أو أوروبا. فدول مثل البرازيل وكندا بدأت بدورها بفرض قيود جمركية لحماية صناعتها الوطنية من تقلبات السوق العالمية. وهذا التوجه العام نحو الحمائية الاقتصادية قد يغير قواعد اللعبة التي حكمت التجارة العالمية لعقود.

ورغم هذه التحركات، يرى بعض الخبراء أن الترابط العميق بين الاقتصادات العالمية سيمنع انفصالها الكامل. وفي هذا الإطار تقول البروفيسورة لوكريتسيا رايشلين من كلية لندن للأعمال: «الاقتصاد العالمي سيبقى متكاملاً، حتى إن تغيّر مركز ثقله باتجاه آسيا».

إلا أن حالة الغموض الشديد تبقى العامل الأكثر تأثيرًا في هذه المرحلة. وبينما تمتلك الصين أهدافًا طويلة الأمد وسياسات واضحة، فإن إدارة ترمب -بحسب مراقبين- لا تزال تتنقل بين قرارات مرتجلة وأهداف غير مستقرة، ما يزرع حالة من الذعر في الأسواق العالمية.

وفي المحصلة، قد لا تكون الحرب التجارية مجرد نزاع بين عملاقين اقتصاديين، بل مقدمة لتغيرات بنيوية تطال النظام التجاري العالمي بأسره.

أخبار ذات صلة

 

0 تعليق