في مارس 1967، كان العالم العربي يقف على حافة التحوّل، دون أن يدرك أن النكسة القادمة بعد أشهر قليلة ستغيّر ملامحه لعقود. كانت الجغرافيا السياسية مختلفة تماماً: غزة والجولان وسيناء والقدس تحت السيادة العربية، والعواصم العربية تعيش نشوة الشعارات الكبرى، ووهم القوة، وسط خطابٍ حماسيٍّ يَعِد بالنصر والتحرير. لكن ما كان يجري في العمق لم يكن سوى مقدماتٍ لانكسارٍ تاريخي، كشفته حرب يونيو التي هزّت أركان المنطقة وبدّلت معادلاتها.
في تلك الحقبة، كانت الصراعات العربية–الإسرائيلية تتصاعد بوتيرة خطيرة، مدفوعة بحماسٍ جماهيريّ، ولكن دون رؤيةٍ دبلوماسية ناضجة. غابت الاستراتيجيات الواقعية، وحضرت المزايدات السياسية، فكانت النتيجة نكسة يونيو 1967، التي خسرت فيها الدول العربية أراضي واسعة، وتراجعت مكانتها الدولية، وتكشّف ضعف التنسيق بين العواصم العربية. ومع كل ذلك الألم، كانت الهزيمة درساً قاسياً أيقظ الوعي العربي، وبدأت معه مرحلة جديدة من إعادة التفكير في السبل والوسائل لتحقيق الأهداف القومية.
وفي قلب هذا التحوّل، برز الدور السعودي الذي أعاد الاعتبار للنهج الدبلوماسي بوصفه الطريق الأكثر فاعلية لتحقيق المصالح العربية. أدركت المملكة منذ البداية أن الحروب لا تصنع السلام، وأن استعادة الحقوق تحتاج إلى مزيج من القوة السياسية، والحنكة الدبلوماسية، والقدرة على كسب الحلفاء. فبعد نكسة 1967، دعمت السعودية الموقف العربي في حرب أكتوبر 1973، لكنّها في الوقت ذاته عملت على تحويل الانتصار العسكري الجزئي إلى مكسبٍ سياسيٍ دائم.
ومنذ ذلك الوقت، أصبح النهج السعودي يتّسم بالتوازن بين الثبات على المبادئ والمرونة في الوسائل. ففي عام 1981، جاءت مبادرة الملك فهد للسلام في قمة فاس لتطرح رؤية عربية تقوم على مبدأ الأرض مقابل السلام، وهي صيغة متقدّمة في ذلك الزمن. ثم جاءت مبادرة الملك عبدالله للسلام عام 2002 لتؤكد هذا النهج، مقدّمةً رؤية شاملة للتسوية العادلة للقضية الفلسطينية، وحظيت بتأييدٍ عربي ودولي واسع.
لم يكن هذا المسار مجرّد تحركٍ سياسي، بل كان رؤية متكاملة لمكانة السعودية في العالم العربي. فقد استخدمت المملكة نفوذها الاقتصادي والدبلوماسي لتعبئة الدعم الدولي للقضية الفلسطينية، وسعت إلى تعزيز الاعتراف بدولة فلسطين في المحافل العالمية. في علم الاستراتيجية الدولية، يُقال إن الطرف الأضعف في أي صراع لا يملك ترف القوة، لكنه يملك قوة الحكمة. وهذا ما جسّدته السعودية، بتحويلها الدبلوماسية إلى أداةٍ فعّالة للدفاع عن القضايا العربية، دون الانزلاق إلى مغامراتٍ غير محسوبة.
إن تجربة العالم العربي منذ 1967 تثبت أن الهزائم ليست نهاية التاريخ، بل بدايات جديدة لمن أراد أن يتعلّم. لقد كانت النكسة صدمة، لكنها مهّدت الطريق لبروز فكرٍ عربيّ أكثر واقعية، يؤمن بأن الوحدة والتنسيق والدبلوماسية هي مفاتيح المستقبل. وربما كانت تلك الخسائر الجغرافية، على قسوتها، بداية نضوجٍ سياسيّ جعل العرب أكثر وعياً بأن المعارك الكبرى تُكسب بالعقل قبل السلاح، وبالحنكة قبل الحماسة.
في تلك الحقبة، كانت الصراعات العربية–الإسرائيلية تتصاعد بوتيرة خطيرة، مدفوعة بحماسٍ جماهيريّ، ولكن دون رؤيةٍ دبلوماسية ناضجة. غابت الاستراتيجيات الواقعية، وحضرت المزايدات السياسية، فكانت النتيجة نكسة يونيو 1967، التي خسرت فيها الدول العربية أراضي واسعة، وتراجعت مكانتها الدولية، وتكشّف ضعف التنسيق بين العواصم العربية. ومع كل ذلك الألم، كانت الهزيمة درساً قاسياً أيقظ الوعي العربي، وبدأت معه مرحلة جديدة من إعادة التفكير في السبل والوسائل لتحقيق الأهداف القومية.
وفي قلب هذا التحوّل، برز الدور السعودي الذي أعاد الاعتبار للنهج الدبلوماسي بوصفه الطريق الأكثر فاعلية لتحقيق المصالح العربية. أدركت المملكة منذ البداية أن الحروب لا تصنع السلام، وأن استعادة الحقوق تحتاج إلى مزيج من القوة السياسية، والحنكة الدبلوماسية، والقدرة على كسب الحلفاء. فبعد نكسة 1967، دعمت السعودية الموقف العربي في حرب أكتوبر 1973، لكنّها في الوقت ذاته عملت على تحويل الانتصار العسكري الجزئي إلى مكسبٍ سياسيٍ دائم.
ومنذ ذلك الوقت، أصبح النهج السعودي يتّسم بالتوازن بين الثبات على المبادئ والمرونة في الوسائل. ففي عام 1981، جاءت مبادرة الملك فهد للسلام في قمة فاس لتطرح رؤية عربية تقوم على مبدأ الأرض مقابل السلام، وهي صيغة متقدّمة في ذلك الزمن. ثم جاءت مبادرة الملك عبدالله للسلام عام 2002 لتؤكد هذا النهج، مقدّمةً رؤية شاملة للتسوية العادلة للقضية الفلسطينية، وحظيت بتأييدٍ عربي ودولي واسع.
لم يكن هذا المسار مجرّد تحركٍ سياسي، بل كان رؤية متكاملة لمكانة السعودية في العالم العربي. فقد استخدمت المملكة نفوذها الاقتصادي والدبلوماسي لتعبئة الدعم الدولي للقضية الفلسطينية، وسعت إلى تعزيز الاعتراف بدولة فلسطين في المحافل العالمية. في علم الاستراتيجية الدولية، يُقال إن الطرف الأضعف في أي صراع لا يملك ترف القوة، لكنه يملك قوة الحكمة. وهذا ما جسّدته السعودية، بتحويلها الدبلوماسية إلى أداةٍ فعّالة للدفاع عن القضايا العربية، دون الانزلاق إلى مغامراتٍ غير محسوبة.
إن تجربة العالم العربي منذ 1967 تثبت أن الهزائم ليست نهاية التاريخ، بل بدايات جديدة لمن أراد أن يتعلّم. لقد كانت النكسة صدمة، لكنها مهّدت الطريق لبروز فكرٍ عربيّ أكثر واقعية، يؤمن بأن الوحدة والتنسيق والدبلوماسية هي مفاتيح المستقبل. وربما كانت تلك الخسائر الجغرافية، على قسوتها، بداية نضوجٍ سياسيّ جعل العرب أكثر وعياً بأن المعارك الكبرى تُكسب بالعقل قبل السلاح، وبالحنكة قبل الحماسة.
أخبار ذات صلة
0 تعليق