إعداد: أحمد البشير
يشهد عالم الاستثمار تحولاً لافتاً، إذ بدأ مستثمرو السندات العالميون ينظرون إلى عدد من الأسواق الناشئة على أنها أكثر أماناً من بعض الاقتصادات المتقدمة، بما في ذلك الولايات المتحدة نفسها، التي طالما اعتُبرت الملاذ الأكثر أماناً في أدوات الدَّين العالمية.
ويبرز هذا التوجه بشكل واضح في السندات السيادية والشركات في الدول المصنّفة عند مستوى «AA» مثل الإمارات وقطر وتايوان وكوريا الجنوبية والتشيك، حيث حققت هذه الأسواق عوائد إجمالية أقوى هذا العام مقارنةً بنظيراتها في الدول المتقدمة ذات التصنيف الائتماني نفسه، سواء بالدولار أو بالعملات المحلية.
في بعض الحالات، بدأت كلفة الاقتراض بالدولار في هذه الدول تقترب من مستويات التكلفة الأمريكية، وهو تطور غير مسبوق.
أساسيات اقتصادية أقوى
يأتي هذا الأداء الاستثنائي بعد أن نجحت العديد من الاقتصادات الناشئة في خفض الديون، والسيطرة على التضخم، وتعزيز ميزان الحساب الجاري.
وفي المقابل، تشهد دول مجموعة السبع تراجعاً مالياً غير مسبوق، مع توقعات بارتفاع نسب الدين إلى الناتج المحلي لسنوات مقبلة، ما يقلّل من مكانتها كملاذ آمن.
ويقول جيمس آثي، مدير المحافظ في «مارلبورو إنفستمنت مانجمنت»:
«إذا كنت أبحث عن انضباط مالي وسياسات نقدية متحفظة، فإن الأسواق الناشئة هي المكان الأنسب حالياً، وليس الأسواق المتقدمة».
عوائد أكبر
يتجه عام 2025 ليكون أفضل عام للسندات الناشئة منذ ما قبل جائحة «كورونا»، فهوامش العائد فوق سندات الخزانة الأمريكية وصلت إلى أدنى مستوى في سبع سنوات، وانخفض الفارق بالنسبة للدول المصنفة «AA» إلى مستوى قياسي بلغ 31 نقطة أساس فقط.
ومنذ أواخر 2024، أصبحت عوائد السندات المحلية في الأسواق الناشئة أقل من عوائد السندات الأمريكية، وهي فجوة اتسعت في أغسطس الماضي.
وتشمل الدول التي تقترض محلياً بكلفة أقل من الولايات المتحدة: الصين وتايلاند وماليزيا وليتوانيا.
الإمارات نموذج
ومن أبرز الأمثلة على هذا التحول نجاح أبوظبي في بيع سندات لمدة عشر سنوات بفارق عائد لا يتجاوز 18 نقطة أساس فوق السندات الأمريكية، وهو أضيق هامش في تاريخ السندات الصادرة عن الأسواق الناشئة لهذه المدة.
ويشير ذلك إلى ثقة المستثمرين في قوة الاقتصاد الإماراتي واستقراره المالي.
وصحيح أن الأسواق الناشئة تضم دولاً هشة في إفريقيا وأمريكا اللاتينية، إلا أن عدداً متزايداً من المستثمرين يتجه الآن نحو الاقتصادات الناشئة ذات الأساسيات القوية، وليس فقط تلك ذات العوائد المرتفعة.
ويأتي هذا في وقت ينخفض فيه التضخم في الأسواق الناشئة إلى مستويات أدنى من الدول المتقدمة، وهو حدث نادر لم يحدث سوى مرة واحدة خلال ال35 عاماً الماضية بينما تظل أسعار الفائدة في هذه الدول أعلى ب2.1 نقطة مئوية في المتوسط.
كما تتمتع الأسواق الناشئة بفوائض في الحساب الجاري، في حين تعاني الدول الغنية من العجز.
ورغم تشابه مستويات العجز المالي، إلا أن النمو الاقتصادي في الدول الناشئة أقوى بكثير، مع توقعات بأن يتجاوز النمو نظيره في الاقتصادات المتقدمة بنحو 2.5 نقطة مئوية هذا العام.
وفي الولايات المتحدة، تشير التوقعات إلى اتساع العجز بشكل كبير في ظل سياسات التجارة والضرائب، فيما يتجاوز الدين الحكومي الآن 100% من الناتج المحلي الإجمالي، ويبلغ العجز نحو 6% من الناتج، بينما تخطت كلفة خدمة الدين السنوية تريليون دولار لأول مرة في التاريخ.

0 تعليق