دبي: حمدي سعد
أصبح الذهاب إلى بعض مراكز التسوق في دبي أقرب إلى الدخول في «عالم موازٍ» تتداخل فيه التكنولوجيا والترفيه والخدمات الحكومية والابتكار في كل زاوية وليس مجرّد زيارة روتينية أو موقعاً لشراء الحاجيات. تحوّل المتسوّق من زائر عابر إلى «مستخدم» يتفاعل مع منظومة رقمية متكاملة، تُعيد تعريف معنى التسوق الحديث.
في «دبي مول» قد تبدأ رحلة التسوق بإشعار يظهر على هاتف الزائر عند دخوله المول لأول مرة يرشّح له أقرب موقف شاغر أو المطاعم المناسبة لتفضيلاته، وهي ميزة تعتمد على التحليلات السلوكية وإشارات الموقع داخل المول. قليلون يعرفون أن بعض هذه الأنظمة باتت تتعلّم من زياراتك السابقة، لتقترح عليك الوجهات التي قد تناسبك في زيارتك التالية، تماماً كما تفعل منصّات المشاهدة الرقمية.
الواقع الافتراضي
أما داخل المول نفسه فيبرز عالم «Play DXB» ليس فقط كتجربة ترفيهية ضخمة، بل كمنصة تُستخدم فيها تقنيات الواقع الافتراضي لتقديم محاكاة دقيقة لمعالم دبي، مثل التحليق فوق خور دبي أو عبور طرقات المدينة في لعبة سباق تشاركية. الجديد هنا أن بعض الألعاب باتت تعتمد على حسّاسات حركة متطورة تستجيب لأدق تحركات اليد والعين، ليشعر اللاعب كأنه في قلب المشهد لا أمام شاشة.
غرف الواقع المعزّز
وفي زاوية أخرى من التجارب النوعية، بدأت بعض المتاجر في دبي -خصوصاً في الإلكترونيات والديكور-باستخدام «غرف الواقع المعزّز» التي تسمح للمتسوّق بعرض أثاث كامل داخل مجسّم افتراضي يحاكي شكل منزله الحقيقي، ليقرر ما يناسبه قبل أن يشتريه. وهي خدمة لا تزال غير منتشرة عالمياً، لكنها أصبحت جزءاً من التجربة اليومية في دبي.
ألف خدمة حكومية
لكن الابتكار لا يتوقف عند المتعة فقط، إذ تحوّلت المولات إلى مراكز خدمات ذكية أيضاً. فمن خلال أجهزة التسجيل الرقمي للهوية وواجهات «UAE PASS»، بات بإمكان الزائر تجديد وثائق، أو تحديث بيانات، أو الوصول إلى أكثر من ألف خدمة حكومية من قلب المول، دون الحاجة إلى مؤسسة حكومية واحدة. هذه النقلة جعلت المول نقطة «إنجاز مهام» بقدر ما هو مساحة للتسوق. كما يمتد الذكاء إلى البنية التشغيلية للمول. فأنظمة المواقف المدفوعة المرتبطة بحساب سالك ليست مجرد طريقة لتحصيل الرسوم، بل جزء من نظام أوسع يراقب حركة المواقف في الوقت الفعلي، ويعيد توزيع الزوار على المناطق الأقل ازدحاماً تلقائياً. بعض هذه الأنظمة قادر على تحليل ساعات الذروة اليومية وإرسال تنبيهات للمحال التجارية لإعادة جدولة عروضها في الأوقات الأكثر نشاطاً.
كاميرات تحليل سلوكي
حتى الأمن بات أكثر ذكاءً، فبعض المراكز تعتمد كاميرات تحليل سلوكي قادرة على كشف الازدحام في ثوانٍ وتنبيه فرق الإدارة للتدخل، أو توجيه الزوار عبر شاشات ديناميكية نحو الممرات الأقل كثافة، لضمان تجربة سلسة وآمنة. ومع هذا المزيج بين الترفيه والعمل والخدمات والتقنيات، لم يعد المول في دبي «وجهة تسوق»، بل صار نظاماً حضرياً متكاملاً يشتغل وفق رؤية تجعل الزائر جزءاً من تجربة رقمية حيّة تتبدل وتتطور باستمرار. تجربة ليست مرتبطة بشراء سلعة، بل بعيش يوم كامل يتناغم فيه الترفيه والابتكار والخدمات في مكان واحد، وهو ما يجعل مولات دبي عوالم ذكية تتفوّق على المفهوم التقليدي للتسوّق بأشواط طويلة.

0 تعليق