كيف تحوّل خاسرون إلى خبراء في صناديق التحوط؟ - الأول نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

إعداد: أحمد البشير 

في عالم صناديق التحوط، الذي يدير أصولاً تفوق قيمتها 4.5 تريليون دولار، كان من المعتاد أن تكون القاعدة صارمة: المدير الذي يتكبّد خسائر بملايين الدولارات يُستبعد بسرعة، وغالباً دون فرصة للعودة.

ولطالما عُرفت مؤسسات كبرى مثل «ميلينيوم مانجمنت» و«سيتاديل» و«بوينت»72 لإدارة الأصول بعدم التسامح مع الإخفاق، حيث يتم تقليص محافظ المتعثرين أو إغلاقها فوراً. غير أن المشهد تغيّر في السنوات الأخيرة مع اندلاع ما يشبه حرب المواهب، التي قلبت هذه القاعدة رأساً على عقب.

إن أسماء لامعة مثل ونستون تشيونغ، وديفيد برودسكي، وبول نيتر، وروب بانهم، وكلهم مديرون محافظ مرموقون، مُنحوا فرصاً جديدة رغم تكبدهم خسائر بعشرات الملايين.

تشيونغ، على سبيل المثال، خسر نحو 80 مليون دولار أثناء إدارته محفظة بقيمة 2.5 مليار دولار في «ميلينيوم»، ورغم ذلك حصل على عرض من «شونفيلد ستراتيجيك أدفايزرز». أما بول نيتر، الذي أمضى 16 عاماً في «ميلينيوم» وخسر مع فريقه نحو 70 مليون دولار، فقد أعلن تقاعده قبل أن يعود سريعاً للعمل مع «بوينت 72».

وروب بانهم، بدوره، انتقل من «بوينت 72» إلى «سيتاديل»، بينما تحوّل برودسكي من «سيتاديل» إلى «بالياسني لإدارة الأصول». وهذه التنقلات السريعة تعكس ديناميكية جديدة في سوق يصفه بعض الخبراء بأنه يشبه سوق انتقالات لاعبي كرة القدم.

صيادون متمرسون

وتشبيه مديري المحافظ بنجوم كرة القدم ليس اعتباطياً، فكما يُمنح اللاعب الموهوب فرصة ثانية بعد موسم سيئ استناداً إلى سجله السابق، تنظر صناديق التحوط إلى هؤلاء المديرين باعتبارهم «صيادين متمرّسين» مرّوا بانتكاسة عابرة.

وكما قال أحد خبراء التوظيف في القطاع: «حتى الأسد الجريح يظل أسداً، وسرعان ما يلتئم جرحه ليستعيد قوته». إن هذه النظرة تجعل الخسائر السابقة أشبه بمرحلة تدريب قاسية، تزيد من جاذبية المدير لدى المنافسين الذين يسعون لاستقطابه «بسعر مخفّض» مقارنة بفترات ذروته.

لكن هذه الظاهرة لا تخلو من الجدل، فالمستثمرون الكبار، مثل صناديق التقاعد الأمريكية التي تضخ مليارات في هذه الصناديق، ينظرون إليها بريبة. إذ يرون أنفسهم مضطرين لتحمل خسائر مدير في صندوق ما، ثم تمويل عودته المكلّفة في صندوق آخر عبر الرسوم.

دفع الفاتورة مرتين

وبعضهم وصف الأمر بأنه «دفع فاتورة مرتين»، ما يثير تساؤلات حول عدالة وكفاءة هذا النظام. وفي حالة روب بانهم مثلاً، الذي انتقل من «بوينت 72» إلى «سيتاديل»، تكبّد الأخير خسائر جديدة بعشرات الملايين، ما عزّز الشكوك في جدوى هذه التعاقدات الباهظة.

ومن زاوية أخرى، يرى بعض الرؤساء التنفيذيين أن هذه الظاهرة قد تكون إشارة إلى ذروة فقاعة التوظيف. فالتعاقد مع مديرين خاسرين مقابل مكافآت توقيع قد تصل إلى 120 مليون دولار، ومنحهم إجازات مدفوعة طويلة قبل أن يبدأوا العمل فعلياً، يبدو للبعض ضرباً من المغامرة المبالغ فيها.

وصف أحد مؤسسي الصناديق الأمر قائلاً: «حين يشتري ناد لاعب كرة نجماً، فإنه يبدأ اللعب فوراً. أما في صناديق التحوط، فنحن ندفع الملايين وننتظر عاماً كاملاً بسبب بنود عدم المنافسة». ورغم هذه الانتقادات، فإن الواقع العملي يفرض نفسه.

طلب مرتفع على المواهب

وتجعل قلة الخبراء القادرين على إدارة محافظ ضخمة، أحياناً تتجاوز قيمتها المليار دولار، الطلب على هذه المواهب الاستثنائية مرتفعاً للغاية. ولهذا السبب، تتحمل الشركات الكبرى مثل «ميلينيوم» و«سيتاديل» و«بوينت 72» و«بالياسني» تكاليف باهظة لاستقطاب أو الاحتفاظ بهم، حتى لو كانوا في مرحلة إخفاق مؤقت.

وتكشف تقديرات أن هذه المؤسسات الأربع تدير معاً أكثر من 200 مليار دولار، وأن ما تنفقه على التوظيف قد يصل إلى مليار دولار سنوياً.

وتوضح التجارب السابقة أن الرهان على عودة النجوم ليس مضموناً دائماً، فقد فشل مديرون بارزون مثل جون ميري ويذر، مؤسس «لونغ تيرم كابيتال مانجمنت»، في إعادة بناء مجدهم بعد انهيارات مدوية. وكذلك الحال مع غيب بلوتكين، مؤسس «ميلفن كابيتال»، الذي حاول إحياء صندوقه بعد خسائر فادحة لكنه اضطر لإغلاقه في عام 2022. ورغم هذه السوابق، يظل الأمل في عودة قوية أحد دوافع الصناديق لمنح الفرص الثانية.

تجربة أساليب جديدة

ولمواجهة هذه التحديات، بدأت بعض الصناديق في تجريب أساليب جديدة، إذ أسست «بوينت 72» و«سيتاديل» و«بالياسني» برامج تدريب وأكاديميات داخلية لتأهيل جيل جديد من مديري المحافظ بدلاً من الاعتماد فقط على «نجوم السوق».

فيما اعتمدت شركات أخرى مثل «بلو كريست كابيتال مانجمنت» نظام تأجيل المكافآت لتقليل إغراء الانتقال إلى المنافسين. أما «ميلينيوم»، فتعتمد سياسة صارمة تقوم على تقليص المحافظ سريعاً عند الخسائر، لكنها أبدت مرونة غير معهودة مع بعض المواهب مثل ونستون تشيونغ، في محاولة لإبقائه.

ومع ذلك، فإن البعد النفسي يلعب دوراً محورياً، فكثير من المديرين يرون أن البدء من جديد في بيئة مختلفة، ومع رأس مال جديد بعيداً عن الخسائر السابقة، يمنحهم دافعاً قوياً لاستعادة الثقة. أما البقاء في الصندوق نفسه بعد خسائر ضخمة فيجعلهم عرضة لضغوط خانقة، ويقلّص شهية المخاطرة لديهم، وهو ما يتعارض مع طبيعة عملهم.

0 تعليق