اليمن عند مفترق طرق: خارطة طريق معطلة وانقسامات داخلية تعمّق الأزمة - الأول نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

الدوحة بعد تحول الأزمة اليمنية من صراع حول السلطة إلى معضلة إقليمية، كشف مسؤولون يمنيون وخبراء عن تعثر كامل لخارطة الطريق التي كان من المفترض أن تقود البلاد نحو السلام، في ظل انعدام شبه كامل للثقة بين الأطراف المتصارعة وتآكل الجهود الدولية لحل النزاع.

وأكد المتحدثون أن غياب شريك حقيقي للتفاوض، إلى جانب التعامل مع نتائج الأزمة بدلا من أسبابها البنيوية العميقة، يدفعان اليمن نحو مزيد من التعقيد والتشظي، خاصة مع التطورات الأخيرة في المناطق الشرقية من البلاد التي أظهرت تصدعات داخل معسكر الشرعية نفسه.

وحذروا من أن الانخراط الدولي الذي يركز فقط على البعد الأمني من دون فهم عميق لطبيعة الصراع اليمني لن يقود إلى حلول مستدامة، مشددين على أن أمن اليمن يشكل جزءا لا يتجزأ من أمن المنطقة بأسرها.

جاءت هذه التصريحات خلال جلسة متخصصة حول اليمن عقدها منتدى الدوحة في نسخته الـ23 بالشراكة مع مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية، تحت عنوان "اليمن عند مفترق طرق"، وشارك فيها وزير الخارجية وشؤون المغتربين اليمني شايع الزنداني، والمبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن هانس غروندبرغ، ورئيس مركز دراسات الخليج الدكتور عبد العزيز الصقر.

_منتدى الدوحة 2025 - جلسة عن الأزمة في اليمن
المتحدثون في الجلسة (من اليسار): شايع الزنداني وهانس غروندبرغ وعبد العزيز الصقر (الجزيرة)

خارطة طريق دون شريك تفاوضي

ورغم مرور عامين على الحديث عن خارطة طريق للسلام في اليمن، فإن الواقع يكشف عن تعطل كامل لهذا المسار، في ظل غياب شريك حقيقي للتفاوض وفقا لما أكده وزير الخارجية اليمني، مبينا أن الحكومة وافقت على خارطة الطريق التي توصل إليها الوسطاء في السعودية وسلطنة عمان، مشيرا إلى أن "مجلس القيادة الرئاسي وافق عليها نتيجة جهود الأشقاء في المملكة وسلطنة عمان"، لكنه أضاف أن "المليشيات الحوثية لم تستفد من هذه الاتفاقية وقامت بالتصعيد".

إعلان

وشدد الزنداني على أن المشكلة الأساسية تكمن في طبيعة الطرف الآخر، متسائلا: هل الحوثيون لديهم استعداد للسلام؟ وما برنامجهم السياسي؟ وما رؤيتهم للدولة اليمنية؟" موضحا أن "كيفية التعامل مع جماعات تعتقد أن لها الحق الإلهي في الحكم وأن الله اصطفاهم على بقية أبناء الشعب اليمني لكي يديروهم بجانب أيديولوجي" تمثل تحديا جوهريا.

وأكد الوزير اليمني أن الحكومة شكلت فريق مفاوضات منذ سنتين أو ثلاث، مشددا على أن "الفريق موجود ولدينا القدرات والإمكانيات والكفاءات القادرة على التعامل مع كل الظروف المتعلقة بالتفاوض"، لكنه استدرك: "المشكلة أننا لا نجد شريكا أساسا للتفاوض".

وانتقد الزنداني التعامل الدولي مع الأزمة اليمنية، مؤكدا أن "العالم حتى الآن لم يفهم اليمن بما يكفي ولم يشخص جوهر المشكلة الموجودة"، مشيرا إلى أن قرارات مجلس الأمن الدولي، خاصة القرار 2216، لم تُنفذ بالشكل المطلوب".

تآكل الثقة وضرورة الانخراط الدولي الشامل

وفي تشخيص دقيق للواقع اليمني الراهن، أقر المبعوث الأممي هانس غروندبرغ بأن "أكبر ضرر شهدناه خلال العامين ونصف الماضيين هو تآكل كامل للثقة"، مضيفا أن "مستوى الثقة داخل اليمن، وأيضا من المنطقة ومن المجتمع الدولي، قد انخفض إلى أدنى مستوى على الإطلاق لأي حل للصراع".

وشدد غروندبرغ على ضرورة بناء أي تسوية مستقبلية على "حلول قابلة للقياس والتحقق"، وأضاف أن "الوضع الحالي وكيفية الحلول يجب تعريفها بطريقة مختلفة قليلا عن تلك التي كانت في سبتمبر/أيلول 2023، حيث كان هناك مستوى أكبر من الأمل".

ودعا المبعوث الأممي المجتمع الدولي إلى "التأكد من البقاء منخرطا في الشأن اليمني"، محذرا من أن "الانخراط يجب ألا يركز فقط على المنظور الأمني"، مؤكدا أن "اليمن بحاجة إلى نهج شامل يتطلب انخراطا جادا من المجتمع الدولي، ويتجاوز بكثير مجرد مفهوم الحرب بالوكالة أو الإرهاب أو انعدام الأمن في البحر الأحمر".

وأكد غروندبرغ ضرورة فهم اليمن بعمق قبل تقديم الحلول، قائلا "عليك أن تفهم اليمن، وهذا ليس بالأمر السهل. أي شخص هنا يعرف اليمن أو يتابع شؤونه يعرف أن اليمن بلد غني ومعقد، وقد عانى من صراعات منذ فترة طويلة حتى قبل أن تبدأ الحروب". ووصل إلى خلاصة مفادها "في النهاية، لا يمكن حل أزمة اليمن إلا بواسطة اليمنيين أنفسهم، وهذه هي القاعدة الأساسية".

التدخلات الخارجية والمصالح الخاصة

من جانبه، قدم رئيس مركز دراسات الخليج عبد العزيز الصقر قراءة نقدية للتدخلات الدولية في الملف اليمني، مشككا في فعالية تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية من قبل الولايات المتحدة. وقال "الولايات المتحدة وضعت الحوثيين في قائمة الإرهاب في المرة الأولى، ثم جاء رئيس آخر وأزالها"، مضيفا أن "العمليات العسكرية سواء الأميركية أو البريطانية أو الإسرائيلية كانت لها أهداف محددة لديها، ولم تكن لأهداف تغيير النظام في اليمن".

وأشار الصقر إلى تباين المواقف الإقليمية تجاه الأزمة اليمنية، موضحا أنه "حينما تطغى المصلحة الوطنية أو القُطرية على المصلحة الإقليمية ربما يختلف القرار هنا". وأضاف أن المملكة العربية السعودية "حرصت على ألا يكون هنالك تصعيد عسكري وأن يظل الحوار السياسي بين الفصائل"، موضحا أن "أي تصعيد عسكري سوف يدفع ثمنه اليمن".

إعلان

وشدد الصقر على أن "الدور الخارجي لن يؤثر في تغيير الوضع في اليمن، لا سيما البريطاني والإسرائيلي والأميركي"، مؤكدا أن "ما سوف يغير في اليمن هو إما من الداخل أو القوى الإقليمية". وحذر من أن "الجماعات المسلحة غير الحكومية خطورتها في الوطن العربي كبيرة، ورأيناها في العراق وفي أماكن أخرى".

وختم الصقر بالتأكيد على أن "أمن اليمن جزء لا يتجزأ من أمن المنطقة، ومن دون وجود يمن آمن مستقر سواء على الحدود البرية للسعودية أو عمان أو الحدود البحرية، بالتأكيد تأثيره يكون بشكل كبير على كل المنطقة".

_منتدى الدوحة 2025 - جلسة عن الأزمة في اليمن
مبعوث الأمم المتحدة لليمن (الثاني يمين): مستوى الثقة بين الأطراف اليمنية انخفض لأدني مستوى له (الجزيرة)

العليمي: الحكومة قادرة على تجاوز الاهتزازات الداخلية

وفي مداخلة ضمن الجلسة نفسها، قال عضو المجلس الرئاسي اليمني عبد الله العليمي إن الحكومة الشرعية "تعرضت لمحطات واهتزازات معينة"، مشيرا إلى أحداث 2018 و2019 و2020، وما حصل بعد تشكيل مجلس القيادة الرئاسي بنحو 4 أشهر في شبوة، وصولا إلى الأحداث الأخيرة في حضرموت في ديسمبر/كانون الأول 2025.

وأكد العليمي أن "هناك قاسما مشتركا للجميع هو أنهم يقفون على أرضية واحدة في الموقف فيما يتعلق بالحوثي"، موضحا أن "كل المكونات السياسية تقف على أرضية صلبة فيما يتعلق بالموقف من الحوثي" باعتباره "تهديدا وجوديا حقيقيا للدولة".

وأضاف أن "هذا الفهم هو واحد من العوامل التي تساعد على حلحلة بعض النتوءات أو التجنحات التي حصلت في مسيرة الشرعية".

وشدد عضو المجلس الرئاسي على أن "المبدأ الذي لدينا لا يمكن أن ندعم أو نقف مع أي طرف من أطراف الشرعية يريد أن يستولي بالقوة أو يحتكم إلى لغة السلاح في فرض توسع في أي مكان"، مؤكدا أن "الأشقاء في المملكة العربية السعودية بذلوا جهود كبيرة جدا وهم اليوم لا زالوا داخل حضرموت يعملون على ترميم ما تم"، كما أن "الأشقاء في الإمارات أيضا هناك تواصُل ودور إيجابي في المرحلة هذه".

يُذكر أن منتدى الدوحة يُعقد في نسخته الـ23 تحت شعار "ترسيخ العدالة: من الوعود إلى الواقع الملموس"، ويحتضن فندق شيراتون الدوحة على مدار يومي السبت والأحد جلسات المنتدى بمشاركة زعماء ومسؤولين من عدد من الدول.

ويشارك في المنتدى أكثر من 6 آلاف شخص، و471 متحدثا من نحو 160 دولة، لمناقشة قضايا محورية تشمل الأمن الغذائي والطاقة والتغير المناخي والذكاء الاصطناعي والنزاعات الإقليمية، في إطار سعي المنتدى لتحويل النقاشات النظرية إلى حلول عملية قابلة للتطبيق.

ويُعد المنتدى منصة عالمية رفيعة المستوى تجمع قادة العالم وصناع القرار والخبراء لمناقشة أبرز التحديات التي تواجه المجتمع الدولي.

0 تعليق