بعض التعليقات ذهبت بعيداً، ورجّحت أن الطيارَين ربما أخذا غفوة لم يوقظهما منها سوى وجود المقاتلة بجوارهما، وهنا يعود السؤال القديم المتجدد، هل ينام الطيارون أثناء الرحلات؟
القوانين الدولية واضحة، فهي لا تسمح بأن ينام الطاقم، غير أن بعض الشركات تسمح بما يسمى «النوم الخاضع للسيطرة» أي غفوة قصيرة لا تتجاوز نصف ساعة بشرط أن يبقى الطيار الآخر متيقظاً، لكن قصص النوم صارت تتكرر بشكل مقلق، ففي عام 2013م أقر طياران في بريطانيا أنهما ناما في الوقت نفسه دقائق عدة تاركين الطائرة دون قيادة، وفي 2022م تجاوزت الطائرة الإثيوبية مطار «أديس أبابا» (الذي يفترض أن تهبط فيه) وهي على ارتفاع 37 ألف قدم بسبب نوم الطيارين، وفي العام الماضي نام كابتن طيران «باتيك الاندونيسي» ومساعده 28 دقيقة خلال رحلة من سلاوسي إلى جاكرتا، ولم يستيقظا إلا بعد تجاوز نقطة الهبوط بمسافة طويلة، وغيرها الكثير من القصص.
نقابة الطيارين الألمان «كوكبت» حذّرت قبل أسابيع من أن نوم الطيارين أثناء الرحلات الجوية بات ظاهرة مقلقة ترتبط بالإرهاق التشغيلي ونقص الكوادر، وأوضح استطلاعها الذي شمل أكثر من 900 طيّار أن 93% منهم اعترفوا بأخذ قيلولة خلال الأشهر الماضية، فيما أقر 24% أنهم يفعلون ذلك بانتظام و12% قالوا إنهم ينامون في كلّ رحلة تقريباً.
رئيسة النقابة أوضحت أن «القيلولة القصيرة» ليست مشكلة بحد ذاتها، لكن المشكلة الحقيقية هي نقص أعداد الطيارين والإرهاق الذي يُفرض عليهم.
أيضاً أفادت دراسة برازيلية شملت أكثر من 1200 طيار أن 58% منهم ناموا أثناء الطيران، وأوضحت الأرقام أن كثيراً من الكوارث حملت بصمات النوم والإرهاق، مثل كارثة «إير إنديا إكسبرس» عام 2010 التي أظهر تسجيل الصوت أن قبطانها كان نائماً لفترة طويلة قبل الهبوط الكارثي.
جميع هذه الشواهد تشرح كيف أن الإرهاق يمكن أن يحوّل ثواني معدودة إلى رواية مأساوية في تاريخ الطيران.
منظمة الطيران المدني الدولي تعرّف التعب بأنه «حالة فسيولوجية تقلل من الأداء بسبب قلة النوم أو طول الاستيقاظ أو اضطراب الساعة البيولوجية»، ولهذا وضعت أنظمة صارمة لتحديد ساعات الطيران والراحة، وألزمت الشركات الناقلة ببرامج لإدارة المخاطر، بعضها يسمح بالنوم الاستراتيجي القصير في الرحلات الطويلة، لكن بشروط دقيقة، ومع ذلك تبقى النسبة مقلقة؛ حيث لا يمكن للجداول أن تمحو أثر الرحلات الليلية الطويلة والفوارق الزمنية المتكررة على جسد الطيار وعقله.
قصة الطائرة الكويتية ربما تعود فعلاً إلى خطأ أو خلل تقني لا علاقة له بالنوم، لكن ساعة الصمت في السماء تذكّرنا بأن الطيارين بشر، وأن التعب الذي يثقل أجسادهم قد يتحوّل في لحظة إلى خطر على مئات الأرواح المعلقة بين الغيوم، وأن الطيران مهما بلغت دقة أنظمته يبقى في النهاية رهناً بإنسان يستيقظ باكراً ليواجه الشمس وهو يقاوم غفوة صغيرة قد تغيّر مصير كثيرين.
يا للمفارقة التي تجعلنا نستمتع ونحن نُسلّم أرواحنا كلما أقلعت الطائرات مع أننا ندرك كم هو ثمين أن تبقى عين واحدة مفتوحة في السماء.
أخبار ذات صلة
0 تعليق