كتب يوسف الشايب:
فيما تواصل إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، حملتها الصارمة على حرية التعبير في القطاع الثقافي، تتصدى منظمة "الفن في زمنٍ كهذا" (Art at A Time Like This) غير الربحية لمسألة الرقابة بشكل مباشر في معرضها الجديد "لا تنظر الآن" (Don’t Look Now)، والذي يُقام في حي نوليتا بمدينة نيويورك، في الفترة ما بين 10 إلى 25 تشرين الأول الجاري.
يجمع المعرض 24 فناناً معاصراً تعرضت أعمالهم للرقابة أو أُدرجت على "القوائم السوداء"، حسب موقع "صحيفة الفن" (The Art Newspaper)، من بينهم: مارلين مينتر، وشيبرد فيري، ودريد سكوت، ليطرح أسئلة جوهرية حول مستقبل التعبير الإبداعي في مناخ سياسي يتسم بالرقابة المتزايدة.
يسلط المعرض الضوء على أصوات الفنانين الذين كبّدتهم اختياراتهم لمواضيع أعمالهم أثماناً شخصية أو مهنية أو سياسية، سواء كان ذلك عبر سحب الدعوات الموجهة إليهم، أو إلغاء الفرص، أو فقدان التمويل الفيدرالي.
وفي هذا الصدد، تقول باربرا بولاك، الشريكة المؤسسة لمنظمة "الفن في زمنٍ كهذا": نحن ننظر إلى هذا الأمر من منظور تأثيره على الفنانين.
والمنظمون لمعرض "لا تنظر الآن" على دراية وثيقة بهذه القضايا، ففي العام 2023، واجهت المنظمة ذاتها الرقابة خلال حملتها الفنية العامة "٨×٥: فنانون يتفاعلون مع السجن الجماعي"، عندما رفضت شركات اللوحات الإعلانية في هيوستن بولاية تكساس الأميركية عرض أي إعلان ترويجي للمشروع.
يسلط المعرض الضوء على أعمال فردية والقصص التي أدت إلى إدراجها فيه، فقد أُلغيت فرصة إقامة فنية للرسامة دانييل سيووكر من قبيلة لاكوتا في مدينة فيل بولاية كولورادو، بسبب لوحتها "جي ترمز للإبادة الجماعية"، وتُصوّر امرأة من السكان الأصليين لأميركا ترتدي الكوفية الفلسطينية.
وكانت سيووكر قالت: إنها عندما كانت تتابع ما يحدث في غزة، لم تستطع إلا أن ترى أوجه تشابه صارخة ومؤلمة بين ما يتعرض له الفلسطينيون اليوم، وما تعرض له أجدادها وشعبها من إبادة جماعية، وسرقة للأرض، ومحو للثقافة على يد المستوطنين في أميركا.
كما حاول مسؤولون في أريزونا إزالة لوحة شيبرد فيري المطبوعة "بائع الزهور الخاص بي حقير" من معرض الفنان المتنقل بسبب انتقادها لوحشية الشرطة الأميركية.
وفيري معروف بمواقفه السياسية الداعمة للقضايا الإنسانية حول العالم، حيث أعلن دعمه للقضية الفلسطينية بشكل صريح وأنتج أعمالاً فنية مخصصة لها، من بينها ملصقات تدعو إلى الحرية والعدالة لفلسطين، واستخدام صور ورموز مرتبطة بالقضية مثل الكوفية، كما تمّ تبنّي عمله "بائع الزهور الخاص بي حقير" من قبل نشطاء وحركات تضامن مع فلسطين حول العالم، حيث رأوا فيه تعبيراً دقيقاً عن واقعهم.
تشهد هذه الأمثلة على بيئة تزداد خطورة على الفن ذي الطابع السياسي الصريح، فقد سرّحت إدارة ترامب أعداداً كبيرة من الموظفين في كل من "الصندوق الوطني للفنون" ( NEA)، و"الصندوق الوطني للعلوم الإنسانية" (NEH)، واقترحت تخفيضاً حاداً في تمويل كلتا الوكالتين.
كما أعلن ترامب أن مؤسسة "سميثسونيان" هي منبع "لأيديولوجية العرق المثيرة للانقسام"، أما المعارض التي يُنظر إليها على أنها تعلّق على السياسة الأميركية والحرب في غزة، فقد أُغلقت مبكراً أو أُلغيت بشكل استباقي، بما في ذلك المعرض الفردي للفنانة الفلسطينية سامية حلبي في جامعة إنديانا، العام الماضي، ومعرض رسامة بورتريه ميشيل أوباما، إيمي شيرالد، في مؤسسة سميثسونيان.
ووفقاً لمسح كل من شبكة "فنانون في خطر"، ومنظمة "بن أميركا"، و"رابطة مديري المتاحف الفنية"، في كانون الثاني 2025، أفاد 65% من مديري المتاحف بأنهم تعرضوا لضغوط لإزالة عمل فني أو إلغاء معرض مرة واحدة على الأقل خلال مسيرتهم المهنية، بينما يتفق 55% منهم على أن الرقابة تمثل "مشكلة أكبر بكثير للمتاحف اليوم" مما كانت عليه قبل عقد.
بولاك، وفي حديثها لـ"صحيفة الفن"، كشفت: بدأنا العمل على هذا المعرض قبل عام ونصف العام. وجدنا حالات متزايدة من المتاحف التي تشعر بالخوف وتقوم بسحب الأعمال الفنية، والآن في عهد ترامب، تُلغى المعارض بسبب أوامره التنفيذية التي تحكم عمل "الصندوق الوطني للفنون"، كما أن العديد من المؤسسات تمارس الرقابة الذاتية، علاوة على إقصاء الفنانين بسبب منشوراتهم على "إنستغرام"، وهذا شكل جديد من أشكال الرقابة.
وختمت بولاك: "هناك مواضيع معينة لا ترغب المؤسسات الفنية الآن في التعامل معها على الإطلاق، من بينها الأعمال المناصرة لفلسطين، لذلك، يشعر الكثير من الفنانين بامتنان كبير لنا، لأنهم لا يستطيعون عرض أعمالهم في أي مكان آخر".
0 تعليق