تنبع الموسيقى الكاميرونية من مقامات أفريقية محلية لا تتقيد بالسلم الغربي، بل تعتمد على بنية صوتية فريدة تعكس ارتباطها العميق بالبيئة الثقافية والاجتماعية. وقد شكّلت أنماطٌ مثل الماكوسا والبيكوتسي الركيزة الأساسية لهذا التراث الفني.
نشأت الماكوسا في مدينة دوالا، وامتزجت بإيقاعات عالمية كالهايلايف الغاني والرومبا الكونغولية، لتبلغ العالمية بفضل الفنان مانو ديبانغو وأغنيته الشهيرة "سول ماكوسا" (Soul Makossa) عام 1972.
أما البيكوتسي، فتنحدر من تقاليد شعب البيتي حول ياوندي، ويعني اسمها "الضرب المتواصل على الأرض"، في إشارة إلى إيقاعها السريع. تطوّرت من طقس شعبي إلى نمط عصري يعكس قضايا المجتمع، وتتصدر النساء مشهدها بالغناء والرقص، خصوصا في طقوس مثل "الميفونغو" و"السسو"، المصحوبة بآلات تقليدية كـ"المفيت" والبالافون.
شهدت الكاميرون تحولات موسيقية مع التحضّر في خمسينيات القرن الماضي، وبرزت فرق البالافون في الحانات كرمز للهوية الوطنية. بعد الاستقلال، ظهر نمط "الأسيكو" المستوحى من إيقاعات نبيذ النخيل، وارتبط بأسماء مثل جان بيكوكو وديكوم برنارد.
أما النشيد الوطني "أنشودة الانتفاضة"، فقد كُتب عام 1920 واعتمد رسميا عام 1957، بمشاركة رينيه دجام أفامي، الذي ألّف أيضا موسيقاه الأصلية.
" frameborder="0">
البيكوتسي.. إيقاع الحياة وصوت المجتمع
تنحدر موسيقى البيكوتسي من تقاليد شعب البيتي قرب العاصمة ياوندي، ويعني اسمها "الضرب المتواصل على الأرض"، في إشارة إلى إيقاعها السريع والمبهج. تطوّرت من طقس شعبي إلى نمط عصري يعكس تفاصيل الحياة اليومية ويطرح قضايا المجتمع، لتنافس الماكوسا في المدن الكبرى وتصبح جزءا من المشهد الثقافي الكاميروني.
في الطقوس التقليدية، تنقسم الاحتفالات إلى مرحلتين: "إيكانغ" الروحية، و"بيكوتسي" الواقعية، حيث تتصدر النساء المشهد بالغناء والرقص حول موضوعات اجتماعية. وتُستخدم آلات رمزية مثل "المفيت" المصنوعة من اليقطين، وآلة البالافون، في عروض موسيقية وشعرية تُجسّد الانتقال من الأسطورة إلى الواقع، ومن الطفولة إلى النضج، كما في طقسي "الميفونغو" و"السسو".
إعلان
البيكوتسي ليست مجرد موسيقى، بل مرآة ثقافية تعبّر عن نبض الأرض وصوت الناس.

تحوّلات موسيقية وهوية وطنية
شهدت الكاميرون تحوّلات موسيقية بارزة مع توسّع التحضّر والهجرة إلى المدن، خاصة ياوندي في خمسينيات القرن الماضي، مما أدى إلى انتشار موسيقى الحانات وظهور فرق البالافون التي أصبحت لاحقا جزءا من الهوية الثقافية الوطنية.
تمتزج الموسيقى الكاميرونية بين الإيقاعات التقليدية والأساليب الحديثة، وتعكس تنوّع البلاد الثقافي والاجتماعي، وتُعدّ أنماط الماكوسا والبيكوتسي من أبرز ملامح هذا التراث.
بعد الاستقلال، ظهر نمط "الأسيكو" المستوحى من إيقاعات نبيذ النخيل، وارتبط بفنانين مثل جان بيكوكو وديكوم برنارد. ومع استمرار التحضّر، تحوّلت الحانات إلى منصات موسيقية تعبّر عن الوعي الوطني، لتصبح فرق البالافون رمزا للتحول الثقافي والمقاومة الفنية.
أما النشيد الوطني "أنشودة الانتفاضة"، فقد كُتب عام 1920، واستُخدم منذ 1948، واعتمد رسميا عام 1957. وشارك في تأليفه رينيه دجام أفامي، وصمويل مينكيو بامبا، ومويس نياتي نكوو، بينما ألّف دجام أفامي موسيقى النسخة الفرنسية الأصلية.
يا كاميرون، أنت مهد من آبائنا
حيث ضريح مقدس هم في وسطنا راحة
دموعهم ودماؤهم وعرقهم كونوا مياها على تربتك
على التلال والوديان وارتفع حرثهم
" frameborder="0">
وأواخر الستينيات، ظهرت الماكوسا الحديثة، وبلغت العالمية بفضل الموسيقي الكاميروني مانو ديبانغو وأغنيته الشهيرة "سول ماكوسا". وفي السبعينيات، شهدت البيكوتسي نهضة فنية قادها فنانون مثل موريس إلانجا ومبارغا سوكوس، الذين أدخلوا الآلات النحاسية وطرحوا كلمات جريئة، مؤكدين قدرة الموسيقى الكاميرونية على التجدد والابتكار.
أما أغنية "زانغاليوا"، فقد أطلقتها فرقة "غولدن ساوندز" عام 1986، وهي فرقة تأسست داخل الحرس الرئاسي الكاميروني. حملت الأغنية طابعا ساخرا واحتجاجيا ضد الاستعمار، واستخدمت الموسيقى والفكاهة للنقد الاجتماعي والسياسي، إذ ارتدى أعضاء الفرقة زيا عسكريا مبالغا فيه في عرض تهكمي يُشير إلى الضباط المحليين المتعاونين مع القوى الاستعمارية. وقد تحولت "زانغاليوا" إلى رمز فني للاحتجاج الشعبي في الكاميرون.
" frameborder="0">
أُنجزت أغنية "زانغاليوا" بأسلوب ساخر واحتجاجي، كشفت فيه الفرقة بذكاء فني التواطؤ الداخلي مع الاستعمار، مستلهمة روحها من لغة عامية ابتكرها القناصة الكاميرونيون خلال الحرب العالمية الثانية، وهو ما انعكس في وتيرتها الموسيقية السريعة.
اسم الأغنية مأخوذ من لغتي الفانغ والإيوندو، ويعني "من الذي أرسلك؟"، في تساؤل رمزي عن دوافع الجنود الأفارقة الذين خدموا في الجيوش الاستعمارية.
حققت الأغنية انتشارا واسعا في أفريقيا، واستخدمها الجنود والكشافة والطلاب في التدريبات والمناسبات، قبل أن تصل إلى كولومبيا حيث عُرفت بأسماء مثل "ذا ميليتاري" (The Military) و"إل ساكا لينغوا" (El Saca Lengua)، لتتحول إلى إرث موسيقي عابر للحدود.

نال ألبوم "زانغاليوا" لقب أفضل تسجيل في الكاميرون، وحصل عام 1993 على جائزة أفضل تسجيل أفريقي من اتحاد الإذاعات الأفريقية.
إعلان
ولا تزال الأغنية تحظى بشعبية واسعة في أفريقيا، وتُستخدم حتى اليوم في التدريبات والهتافات الجماهيرية، خصوصا في الكاميرون، كرمز موسيقي متجذّر في الذاكرة الجماعية.
"زانغاليوا" تعود إلى الساحة العالمية عبر شاكيرا
في عام 2010، استعادت أغنية "زانغاليوا" حضورها العالمي عندما استخدمتها الفنانة شاكيرا في أغنيتها "واكا واكا (حان الوقت لأفريقيا)" (Waka Waka: This time for Africa) التي اختيرت لتكون نشيدا رسميا لكأس العالم لكرة القدم في جنوب أفريقيا، لتُعيد إحياء أنغام كاميرونية في محفل دولي غير مسبوق.
" frameborder="0">
استخدمت شاكيرا مقاطع من أغنية "زانغاليوا" في نشيد كأس العالم 2010 من دون نسبها في البداية إلى فرقة "غولدن ساوندز"، مما أثار موجة غضب واسعة، خاصة مع غياب فنان أفريقي عن الحدث. لاحقا، توصلت سوني ميوزيك إلى تسوية خارج المحكمة ضمنت الاعتراف بحقوق الفرقة وتعويضها ماليا.
ورغم أن "زانغاليوا" كانت أغنية احتجاجية ساخرة ضد الاستعمار، أعادت نسخة شاكيرا صياغتها لتُروّج لرسائل الوحدة والكفاح، متجاوزة مضمونها الأصلي الناقد.
0 تعليق