وهم "الإجماع الزائف".. لماذا نعتقد أن الجميع يفكر مثلنا؟ - الأول نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

انقر هنا للمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعي

share2

يظن كثير من الناس أن القيم والأفكار ووجهات النظر التي يتبنونها تمثل ما يؤمن به معظم الآخرين أيضا، معتبرين إياها أمورا "طبيعية" ومشتركة بين البشر بالضرورة. لكن الواقع يكشف خلاف ذلك، فهؤلاء يقعون غالبا تحت تأثير ما يُعرف بـ "الإجماع الزائف"، وهو الانحياز الذي يجعل الإنسان يعتقد أن الآخرين يشاطرونه الرأي ذاته، ليكتشف مع مرور الوقت أن اختياراته ليست بالضرورة ما يختاره الجميع، وأن ما يراه صائبا لا يُنظر إليه كذلك من قِبل الآخرين.

ما تأثير "الإجماع الزائف"؟

في عام 1977 أجرى فريق من الباحثين تجربة نفسية على مجموعة من المشاركين، طُلب منهم خلالها قراءة موقف يتضمن صراعا، ثم اختيار أحد حلَّين مقترحين للتعامل معه. لكن التجربة لم تتوقف عند هذا الحد، إذ طُلب من المشاركين أيضا توقّع الخيار الذي قد يتخذه الآخرون، ووصف الشخصيات التي يُرجّح أن تختار كل بديل.

وأظهرت نتائج الدراسة أن المشاركين -بغضّ النظر عن الخيار الذي فضّلوه- كانوا يميلون إلى الاعتقاد بأن معظم الناس سيتخذون القرار نفسه الذي اتخذوه هم. ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل إنهم وصفوا من اختاروا الحل الآخر بأوصاف سلبية ومتحيزة، واعتبروهم أشخاصا "غير طبيعيين" أو ذوي شخصيات متطرفة.

وقاد هذه الدراسة عالم النفس الأميركي لي روس، الذي صاغ مع زملائه مصطلح "تأثير الإجماع الزائف" لوصف هذا الميل المعرفي، الذي يجعل الأفراد ينظرون إلى آرائهم وسلوكياتهم على أنها "طبيعية" وشائعة بالضرورة بين الآخرين.

ويشير روس إلى أن هذا الانحياز يجعل الإنسان يظن أن ما يناسبه بالضرورة يناسب الجميع، وأن ما يراه منطقيا أو صائبا هو أيضا ما يراه الآخرون كذلك، لكن الواقع يكشف أن الاختلاف هو القاعدة، وأن الشعور بوجود "إجماع" غالبا ما يكون مجرد وهم نفسي أكثر منه حقيقة اجتماعية.

ويعتقد روس أن البشر عادة ما يقومون بإنشاء قوالب لفهم الواقع لا يلبثون أن يوسّعوها لتشمل احتياجات ورغبات الآخرين، مما يؤدي في النهاية إلى خلق تأثير الإجماع الزائف، لكن الحقيقة تنكشف في النهاية عبر مواقف حاسمة أو مفاجئة.

لماذا تظن أن الجميع يعتنق وجهة نظرك؟

لا يستخدم جميع الناس المنطق ذاته في التفكير، ولهذا لا يصلون دائما إلى النتيجة نفسها. ومع ذلك، يميل كثيرون إلى المبالغة في تقدير مدى اتفاق الآخرين معهم، وهو ما يُعرف بـ "تأثير الإجماع الزائف". هذا التأثير لا يحدث فقط نتيجة التحيز أو التعميم الزائد، بل لأسباب نفسية أعمق، من أبرزها:

إعلان

الشعور بالرضا عن الذات: إذ يمنح الاعتقاد بأن الآخرين يشاركوننا الرأي أو التجربة إحساسا بالراحة والثقة بالنفس.

الرغبة في الانتماء: يميل الأفراد إلى الإحساس بأنهم جزء من مجموعة متجانسة في التفكير، حتى لو لم يُختبر هذا التجانس فعليا.

الهروب من الغموض: يحاول البعض سد الفجوات المعرفية بتخمين آراء الآخرين اعتمادا على الحدس، مما يؤدي إلى استنتاجات غير دقيقة.

آلية دفاع نفسي: يستخدم البعض فكرة "الجميع يفعل ذلك" لتخفيف الشعور بالذنب أو لتبرير التفرّد بالرأي دون الاعتراف به.

بهذه الطريقة، يتحول "الإجماع" في أذهان البعض إلى تصوّر مريح أكثر منه واقعا فعليا، يمنح الإحساس بالأمان لكنه يبعد عن الفهم الحقيقي للاختلاف الإنساني.

كيف تكتشف أنك تحت تأثير "الإجماع الزائف"؟

يتحكم "تأثير الإجماع الزائف" في العديد من مناحي الحياة، أهمها العلاقات الزوجية، حيث يقف وراء الكثير حالات الانفصال والطلاق حول العالم، عندما تغيب القدرة على فهم ما قد يفكر فيه الشخص الآخر بصدق، أو الاعتقاد بأنه يحمل نفس المعتقدات ووجهات النظر دون نقاشها، أو حتى تخمين الخيارات مسبقا واختيارها نيابة عن الطرف الآخر باعتبارها معروفة سلفا.

يتجلى تأثير الإجماع الزائف أيضا في مجال الأعمال، تحديدا داخل الشركات حين يتخذ المديرون القرارات نيابة عن الموظفين الذين يعملون تحت قيادتهم، ظنا من القيادات أنهم يعرفون الاختيارات التي قد يرغب فيها الموظفون حقا، والتي قد لا تناسب ظروفهم فعليا مما يثير حالة من الحنق والضيق داخل بيئة العمل.

يمكن للمرء أن يدرك إن كان واقعا تحت هذا التأثير أو لا عبر إجابة مجموعة من الأسئلة أهمها:

هل تخبر نفسك أن "الكل يفعل ذلك" وتصف اختيارك بـ "الطبيعي" مع يقين أن ذلك سوف يكون اختيار الأغلبية "بالضرورة"؟ هل تفاجئك اختيارات الآخرين ووجهات نظرهم حين يطرحونها بحرية لتكتشف أن ما ظننته لم يكن حقيقيا؟ هل تجد أنك بحاجة من وقت لآخر أن تبرر تصرفاتك بجمل مثل "ما فعلته ليس غريبا"، "أي شخص مكاني كان ليفعل ذلك"، "هذا أمر طبيعي"؟
كثيرون يميلون إلى المبالغة في تقدير مدى اتفاق الآخرين معهم (بيكسلز)

5 طرق للتعافي واستعادة الرؤية الصائبة

يبدأ الحل دائما باكتشاف الانحيازات العقلية، وإزالتها أو على الأقل تقليلها عبر التعامل معها بوعي بواسطة مجموعة من الأساليب أهمها:

التدرب على التفكير النقدي في الأمور المختلفة والتفريق بين الرأي الشخصي والرأي القائم على أدلة فعلية وليس التخمين. ملاحظة كيفية التعامل مع الآراء المخالفة ومحاولة تخيل عكس ما نعتقده، مع طرح أسئلة مثل "ماذا لو كان هذا غير حقيقي؟ ماذا لو كنت مخطئا وكان العكس هو الصحيح؟" التعرض إلى آراء متنوعة ووجهات نظر مختلفة والتسامح معها، حيث تشير أدبيات إلى الدور الذي يلعبه التعرض إلى التنوع في اتخاذ قرارات أكثر دقة وأقل انحيازا، ووجهات نظر متوافقة بحق مع الآخرين. إبطاء التفكير واتخاذ القرارات المعقدة لتقليل الأخطاء الإدراكية القائمة على تأثير الإجماع الزائف. تدوين المواقف التي شعرت فيها أن الجميع يشاركك الرأي ثم إعادة تقييمها عقب النقاش مع أشخاص مختلفين للوقوف على الفرق بين الإجماع الحقيقي والزائف.

إعلان

0 تعليق