اتفاق بين العرب وإسرائيل بشأن "جبل المشارف" الذي تقع عليه الجامعة العبرية ومستشفى هداساه، وقد وقعه الطرفان يوم 7 يوليو/تموز 1948.
مثّل الحكومة الإسرائيلية في الاتفاق القائد العسكري "شالتائيل"، أما الجانب العربي الأردني فوقع عنه القائد العسكري البريطاني نورمان لاش، وهو ضابط بريطاني خدم في الجيش العربي الأردني في الفترة بين 1938 و1951، وتولى عام 1948 القيادة الميدانية لعمليات الجيش العربي في فلسطين.
أسباب الاتفاقية وأطرافها
عقدت الاتفاقية بتاريخ 7 يوليو/تموز 1948 بين قيادة الجيش الأردني والحكومة الإسرائيلية المؤقتة بإشراف مكتب المراقبين الدوليين في القدس.
وتهدف الاتفاقية إلى تجريد جبل المشارف من السلاح (وهو جبل يقع شمال شرق القدس على قمة إستراتيجية مطلة على البلدة القديمة، وهو امتداد لجبل الزيتون ومحاط من جميع الجهات بالعرب).
شملت الاتفاقية المنطقة التي تسيطر عليها القوات الإسرائيلية وتقوم عليها مباني مستشفى هاداساه والجامعة العبرية، والمنطقة العربية التي فيها مستشفى أوغستا فكتوريا وقرية العيساوية.
شهد شهر أبريل/نيسان 1948 أحداثا هامة أثرت في معنويات الشعب العربي في فلسطين، وكان أهمها المذبحة التي نفذتها القوات الإسرائيلية في قرية دير ياسين، وسقوط قرية القسطل واستشهاد المناضل عبد القادر الحسيني.
قررت قيادة منظمة الهاغاناه الصهيونية المسلحة استغلال المواقف واستثمار نجاح قواتها في خرق الحصار العربي المفروض على المناطق التي كانت تسيطر عليها، ومنها الجامعة العبرية ومستشفى هاداساه، فدفعت بتاريخ 13 أبريل/نيسان 1948 بقافلة قوية من قواتها تحت ستار التموين بالغذاء والمواد الطبية إلى جبل المشارف عبر حي الشيخ جراح بالقدس.
وبعد ورود معلومات إلى عادل عبد اللطيف -قائد المناضلين العرب في الحي المذكور- عن حقيقة القافلة قرر التصدي لها ومنعها من المرور.
كانت القافلة مؤلفة من 9 عربات نقل منها عربتان مصفحتان، وكانت تحمل عددا من الأطباء والممرضات في الظاهر وتخفي في داخلها عددا كبيرا من رجال الهاغاناه مع الذخائر ومواد التحصين.
إعلان
وما كادت القافلة تجتاز طريق القدس-نابلس في منطقة الشيخ جراح حتى انفجرت الألغام التي زرعها المناضلون، فدمرت عربة مصفحة وعربة نقل ولم ينج من ركابهما أحد، في حين أسرعت باقي العربات إلى التراجع، وقد قتل في هذه الواقعة 78 من قوات الهاغاناه مقابل عربي واحد من حملة الألغام.
وحين وصلت الأخبار إلى الوكالة اليهودية استنجدت بالجيش البريطاني، فأرسل ضابط بريطاني لاستطلاع الخبر، وتبعته قوة كبيرة معها مدافع هاون وبدأت تطلق النار على المناضلين العرب.

ثم وصلت مصفحة من معسكر الشرطة البريطانية على جبل المشارف، واشتركت في إطلاق النار على المناضلين العرب، لكنهم صمدوا وردوا، وقد زاد في حماستهم وصول النجدات من حي المصرارة ووادي الجوز وباب الساهرة، فأصبح عددهم أكثر من مائتين بعد أن كانوا في بدء المعركة 24 فقط.
شن المقاتلون العرب هجوما عنيفا على القوات الصهيونية وضيقوا الخناق عليها إلى أن عرضت الاستسلام، ووافق قائد المقاتلين العرب بشرط تسليم الأسلحة كلها وأخذ مقاتلي الهاغاناه أسرى، وتعهد بعدم الإساءة إلى النساء.
بعد انتهاء المعركة ألقت القوات الإسرائيلية باللائمة على القوات البريطانية التي لم تسرع لنجدة القافلة في الوقت المناسب.
وحاول الصهاينة الإساءة عبر وسائل الإعلام إلى سمعة المناضلين العرب، مدعين أن القافلة لم تكن سوى رتل من العربات تحمل مواد طبية وأطباء وممرضات.
حينها شعرت قوات الهاغاناه أن الخطر المحدق بها يتزايد يوما بعد يوم فسعت بمختلف الطرق إلى جعل المنطقة مجردة من السلاح.
وقد نجحت الهاغاناه في مسعاها بمساعدة الكونت فولك برنادوت، الوسيط الدولي الذي اعترف في مذكراته بأنه سعى سعيا حثيثا لوضع اتفاق بين العرب واليهود.
بنود الاتفاقية
وقع الاتفاقية عن قيادة الجيش الأردني الضابط البريطاني نورمان لاش، وعن الحكومة الإسرائيلية المؤقتة الكولونيل شالتيل، إلى جانب توقيعها من كبير المراقبين الدوليين ورئيس لجنة الهدنة في القدس.
تضمنت الاتفاقية ستة بنود نصت على تجريد منطقة جبل المشارف من السلاح ووضعها تحت إشراف الأمم المتحدة، وإنشاء منطقة حزام بين الجهتين العربية والإسرائيلية، على أن تقام فيها مراكز تفتيش للأمم المتحدة.
وقد سمحت الاتفاقية بأن توضع في كلا الجانبين شرطة مدنية يتم تزويد أفرادها بالماء والمؤن من مراكز الأمم المتحدة، كما نصت على تعهد الطرفين بعدم استخدام المنطقة لأية عمليات عسكرية.
كما اتفق الطرفان على تحديد عدد المدنيين من رجال الشرطة من عرب ويهود، فتقرر ألّا يزيد عدد رجال الشرطة في القطاع اليهودي على 85، مضافا إليهم 33 شخصا من المدنيين التابعين لهم، وأما رجال الشرطة العرب في أوغستا فيكتوريا فقد نصت الاتفاقية على ألا يتجاوزوا أربعين، كما منعت زيادة عدد سكان العيساوية آنذاك إلا بموافقة الفريقين.
وأضيف إلى هذا الاتفاق بند يخول لليهود تغيير نصف رجالهم مرة كل أسبوعين، وأن يتم ذلك بإشراف المراقبين التابعين لهيئة الأمم.
كما أن الاتفاقية نصت على أن تزويد المؤسسات اليهودية القائمة على جبل الزيتون بالماء هو من اختصاص الهيئة الأممية.
إعلان
وقد انتقد الأهالي العرب اتفاقية هاداساه، وتساءلوا كيف ولماذا أبرمت؟ وما الفوائد التي يجنيها منها العرب؟ وقد جاء في تقرير وضعه رئيس الوفد الأردني في لجنة الهدنة المشتركة أن الجيش العربي تولى تزويد تلك الأحياء بالماء أربع سنوات إلى أن تسلمت الأمم المتحدة تلك المهمة في صيف عام 1952.

النتائج العسكرية والسياسية لاتفاقية هداساه
شكلت الاتفاقية من الناحية السياسية أولى محاولات إدارة الأمم المتحدة تجريد القدس من السلاح وتدويلها وفق البند الخامس الخاص بالقدس في قرار تقسيم فلسطين الصادر في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 1948.
ومن الناحية العسكرية فقد تم توقيعها في وقت كانت فيه القوات العربية تطوق منطقة هداساه-الجامعة العبرية تطويقا تاما، وكانت معزولة عن جميع المناطق التي كانت قد سيطرت عليها القوات الإسرائيلية.
ويضاف إلى ذلك أن السيطرة العربية على حي الشيخ جراح جعلت منطقة هاداساه-الجامعة العبرية في مرمى المدفعية العربية، وكان أمر احتلالها في غاية السهولة لولا أوامر القائد البريطاني للجيش الأردني الجنرال غلوب، التي حالت دون ذلك.
بتوقيع هذه الاتفاقية تغير الميزان العسكري في القدس لصالح القوات الإسرائيلية عند اندلاع القتال مجددا بعد الهدنة الأولى.
فقد كانت مباني مستشفى هاداساه والجامعة العبرية قد تحولت إلى قلاع عسكرية في ظهر خطوط القوات العربية كما اعترف بذلك الجنرال غلوب نفسه.
وكان توقيع الاتفاقية كذلك تنازلا عربيا عن المنطقة المذكورة للقوات الإسرائيلية، التي ما لبثت أن سيطرت عليها بعد إخفاق محاولات التدويل، وذلك ضمن خطة تقسيم القدس.
0 تعليق