طهران- منذ أكثر من 4 عقود، يُعد دعم إيران للفلسطينيين، بما في ذلك حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، ومعاداة إسرائيل، من الركائز الأساسية لسياسة طهران الخارجية.
بدأت هذه العلاقة في أعقاب الثورة الإيرانية عام 1979، حين زار الراحل ياسر عرفات، رئيس منظمة التحرير الفلسطينية آنذاك، طهران بعد أسبوع واحد من نجاحها، ليكون أول ضيف أجنبي يصل إلى العاصمة الإيرانية بعد قيام الجمهورية الإسلامية.
وخلال هذه الزيارة، تم تحويل سفارة إسرائيل إلى سفارة فلسطين، ورافقه محمد يزدي نائب رئيس الوزراء الإيراني حينها، وسط شعارات مؤيدة للقضية الفلسطينية.
تاريخ العلاقة
تجسدت صداقة عرفات مع مؤسسي الجمهورية الإسلامية وأقربائهم في الرموز العملية والسياسية. فقد انتشرت الكوفية الفلسطينية سريعا بين قوات التعبئة الإيرانية التابعة للحرس الثوري خلال الحرب ضد العراق، ثم بين المسؤولين الإيرانيين، وأصبحت جزءا من الرموز الوطنية الثورية.
ويواصل المرشد الأعلى علي خامنئي ارتداءها وإهداءها أحيانا لعدد ممن يلتقيهم من أبناء الشعب، مما يعكس استمرار الرمزية الفلسطينية في السياسة الإيرانية.
لم تتوقف إيران عن نصرة الفلسطينيين. وازداد هذا الدعم بعد تأسيس حركة حماس، ليصبح عنصرا أساسيا في إستراتيجية البلاد. ووفقا لوزارة الخارجية الأميركية، فقد "قدمت طهران نحو 100 مليون دولار سنويا للمقاومة الفلسطينية، بما في ذلك حماس، لتغطية جوانب مالية وتسليحية".
وكان رئيس الحركة في قطاع غزة الشهيد يحيى السنوار قد أكد أن "العلاقات مع إيران ممتازة، وأنها أكبر داعم لكتائب عز الدين القسام على الصعيد المالي والتسليحي". ورغم ذلك، فإن طهران غالبا ما تصف دعمها بأنه استشاري وليس ماليا مباشرا، وهو ما يعكس حذرها من الإفصاح عن الدعم العلني للمقاومة.
من الجانب الرسمي، يؤكد المرشد الأعلى علي خامنئي أن "إيران دعمت فلسطين وستواصل ذلك دون أي اعتبارات أو مجاملات". وتتنوع دوافع هذا الدعم بين الأيديولوجية والمصلحة الأمنية. فهناك من يعتقد أن طهران ترى في دعم الفصائل الفلسطينية أداة لتعزيز نفوذها الإقليمي، كما يحتاج الفلسطينيون إلى دعم دولة قادرة على توفير التمويل والتسليح.
من وجهة نظر #إيران.. ما مآلات الحرب على #غزة؟#الجزيرة_مباشر pic.twitter.com/KuZMjoAWxa
— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) May 8, 2024
دعم كبير
بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ربط مراقبون إيران بعملية "طوفان الأقصى"، رغم تأكيدها مرارا أنها لم تكن تعلم بما سيحدث فجر ذلك اليوم. ومع ذلك، "لم ينكر أحد أنها ساهمت بشكل غير مباشر في تعزيز القدرات العسكرية لحماس".
إعلان
الآن وبعد التوصل إلى اتفاق ينهي الحرب في غزة، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إن طهران كانت على بعد شهرين فقط من امتلاك السلاح النووي، وإنه دمر منشآتها، معتبرا أن ذلك كان ضروريا لتمكين أي اتفاق بين إسرائيل وغزة. في حين وصف الحرس الثوري وقف إطلاق النار في القطاع بأنه "انتصار للمقاومة الفلسطينية".
ومع كل ذلك، فإن التعقيدات الإقليمية والدولية تجعل العلاقة بين الجمهورية الإسلامية والفلسطينيين -وخاصة حركة حماس- محكومة بالتوازنات الدقيقة بين الطموحات السياسية، والمخاطر الأمنية، والمصالح الإقليمية.
في هذا الشأن، قال أستاذ الدراسات الفلسطينية في جامعة طهران حسين رويوران، إن علاقة إيران بالمقاومة الفلسطينية تنطلق من خلفية أيديولوجية راسخة في بنية النظام السياسي الإيراني، وليست مجرد خيار سياسي قابل للتبدل.
وأوضح للجزيرة نت أن النظام في إيران، بخلاف الأنظمة المبنية على قاعدة "الدولة ـ الشعب"، يقوم على ركيزتين متلازمتين هما "الدولة ـ الشعب" و"الأمة ـ الشعب"، مما يجعل القضية الفلسطينية إحدى أولويات الجمهورية الإسلامية، باعتبارها قضية مركزية لها.
المرشد الإيراني: الكيان الصهيوني كيان غير شرعي وقد تأسس على أساس باطل
???? قضية #فلسطين ليست إسلامية فحسب بل قضية إنسانية
???? يجب أن تواصل القوى الفلسطينية نضالها السياسي والعسكري والثقافي إلى أن يذعن الغاصبون لإرادة الشعب الفلسطيني
???? أي مشروع بشأن فلسطين غير قابل للتنفيذ إذا… pic.twitter.com/lxw9rtyqSj
— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) September 14, 2025
تنسيق وتكامل
وأضاف رويوران أن دعم طهران للمقاومة لم يكن يوما مرتبطا بهوية الفصيل المقاوم أو توجهه الفكري، سواء كان إسلاميا أو يساريا أو قوميا، بل هو قائم على مبدأ مقاومة الاحتلال وتحرير الأرض، مما جعل إيران تقف إلى جانب مختلف فصائل المقاومة الفلسطينية منذ انتصار الثورة الإسلامية عام 1979 وحتى اليوم.
ووفقا له، لم يتأثر هذا الالتزام بتغير التيارات السياسية داخل إيران، سواء كان الحكم بيد التيار المحافظ أو الإصلاحي، إذ إن كليهما يعمل تحت سقف النظام الإسلامي الذي يضع فلسطين في صدارة أولوياته، حتى وإن اختلفت الأساليب أو اللهجة السياسية.
وفيما يتعلق بما بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أوضح الأكاديمي الإيراني أن عملية "طوفان الأقصى" شكلت نقطة تحول إستراتيجية في مسار المقاومة الفلسطينية، إذ انتقلت من مرحلة الدفاع إلى مرحلة الهجوم. ورغم أن طهران، بحسب تصريح المرشد، لم تكن على علم مسبق بالعملية، فإنها استمرت في دعم خيار المقاومة، ووقفت إلى جانبها سياسيا وإعلاميا، إضافة إلى مكونات محور المقاومة في اليمن ولبنان والعراق.
وختم بالقول إن هذا التحول العسكري لم يبدل من طبيعة العلاقة بين إيران والمقاومة الفلسطينية، بل عززها، ودفع باتجاه مزيد من التنسيق والتكامل بين أطراف محور المقاومة رغم التحديات والضغوط التي تواجهها جميعا.

من جانبه، قال أستاذ الدراسات الفلسطينية بجامعة طهران هادي برهاني إن إيران كانت في الأصل بعيدة جغرافيا وثقافيا عن صراع فلسطين بسبب اللغة الفارسية والمذهب الشيعي، إضافة إلى سياسات النظام الملكي الموالي للغرب قبل 1979.
إعلان
وأكد للجزيرة نت أن الثورة الإسلامية غيّرت ذلك، إذ اهتم القادة الدينيون الجدد بقضايا العالم الإسلامي وفلسطين، وقدموا دعما فكريا وعمليا للقضية عبر خطب ورسائل وكتب مثل تلك التي ترجمها هاشمي رفسنجاني وسيد علي خامنئي.
وأوضح أن فلسطين أصبحت شعارا محوريا في الخطاب السياسي الإيراني. ورأى أن زيارة عرفات لطهران أعطت الشعبين شعورا بالأمل والتقارب، وأن العديد من الفلسطينيين اعتبروا الثورة فرصة جديدة لتحرير فلسطين بما في ذلك مؤسس حركة الجهاد الإسلامي فتحي الشقاقي.
وحسب برهاني، أعيدت العلاقات مع التنظيمات الفلسطينية الإسلامية جزئيا بعد هدنة الأزمة السورية، وأكد أن عملية "طوفان الأقصى" جاءت في هذا الإطار، حيث دعمت إيران ومحور المقاومة حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وساهم حزب الله وجماعة أنصار الله (الحوثيين) بدعم عسكري كبير "مع تكبد خسائر بشرية كبيرة، شملت عددا من قادة الحزب".
0 تعليق