مرة أخرى، تتحول مياه قناة الملك عبدالله إلى مسرح لمأساة جديدة تدمي قلوب الأردنيين. فمع غروب شمس اليوم الثلاثاء، لم تبتلع مياه القناة في منطقة دير علا أرواحاً بريئة فحسب، بل ابتلعت معها أحلام عائلة بأكملها، لتُضاف فاجعة غرق ثلاثة أطفال أشقاء إلى سجل طويل ومؤلم من الحوادث المماثلة.
هذه الحادثة ليست مجرد خبر عاجل، بل هي فصل جديد في كابوس متكرر، وصرخة متجددة في وجه إهمال مستمر لم ينجح في وقفه تكرار الفواجع أو بحّة أصوات المناشدين على مدار سنوات.
تفاصيل الفاجعة الأخيرة: ضحكات الطفولة تخبو في المياه
وفقاً للبيان الرسمي الصادر عن الناطق الإعلامي باسم مديرية الأمن العام، فإن تفاصيل المأساة الأخيرة تجسد قصة مؤلمة.
ثلاثة أطفال أشقاء، أكبرهم في السابعة من عمره، وأوسطهم في الخامسة، وأصغرهم طفلة لم تتجاوز الثالثة، كانوا ضحايا الغرق. وبمجرد وصول البلاغ، تحركت فرق الغطس المتخصصة في دفاع مدني البلقاء على الفور، وبذلت جهوداً حثيثة لانتشالهم. ورغم سرعة الاستجابة وتقديم الإسعافات الأولية، إلا أن القدر كان أسرع، حيث وصل الأطفال إلى مستشفى الأميرة إيمان الحكومي وقد فارقوا الحياة. وبينما تم فتح تحقيق رسمي في الحادثة، فإن السؤال الذي يطرحه الجميع ليس "كيف" وقعت، بل "لماذا" سُمح لها أن تتكرر مجدداً؟
من شريان حياة إلى "قناة الموت"
تعتبر قناة الملك عبدالله الثاني شرياناً حيوياً للقطاع الزراعي في وادي الأردن، لكنها بالنسبة للسكان الذين يعيشون على ضفافها، تحولت إلى مصدر دائم للخوف والقلق، وأطلق عليها الكثيرون لقب "قناة الموت".
على مدار السنوات الماضية، شهدت القناة عشرات حوادث الغرق التي راح ضحيتها أطفال وشباب، وحتى مركبات انحرفت عن مسارها وسقطت في مياهها.
يكمن الخطر في طبيعة القناة نفسها؛ فجوانبها الإسمنتية الملساء وشديدة الانحدار تجعل الخروج منها شبه مستحيل حتى للسباحين المهرة، فضلاً عن قوة التيار المائي الذي يسحب أي شخص يسقط فيها بسرعة.
ومع افتقار أجزاء طويلة من القناة للسياج الواقي أو الحواجز الآمنة، ومرورها بمحاذاة مناطق سكنية ومزارع، تبقى قنبلة موقوتة تنتظر ضحيتها التالية.
مناشدات متكررة وجهود لا ترقى لحجم الكارثة
لم تكن فاجعة اليوم وليدة الصمت. فعلى مدى سنوات، تعالت أصوات الأهالي والنشطاء ونواب المنطقة، مطالبين الجهات المسؤولة، وعلى رأسها سلطة وادي الأردن، بضرورة إيجاد حل جذري لهذه المأساة عبر تسييج كامل للقناة، أو وضع حواجز إسمنتية، أو حتى تغطية أجزاء منها في المناطق الأكثر خطورة.
ورغم الوعود المتكررة والاستجابات الجزئية التي تتمثل في تسييج بعض المقاطع، إلا أن الحل الشامل والجذري لم يرَ النور بعد، لتبقى مساحات شاسعة من القناة مكشوفة وفخاً مميتاً، خاصة للأطفال الذين تجذبهم المياه للعب واللهو غير مدركين للخطر المحدق بهم.
إلى متى سيستمر هذا الكابوس؟
إن وفاة ثلاثة أطفال أشقاء ليست مجرد أرقام تُضاف إلى إحصائيات الغرق، بل هي جرس إنذار يصم الآذان، ودليل دامغ على أن الحلول المؤقتة لم تعد كافية، لقد حان الوقت لتحرك حقيقي وجذري، لا يهدأ إلا بعد أن تصبح كل متر من القناة آمناً، لكي لا نستيقظ على فاجعة جديدة تعيد فتح نفس الجرح الذي لم يندمل أصلاً.
0 تعليق