تحل اليوم، السادس عشر من أكتوبر/تشرين الأول 2025، الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد قائد حركة حماس في قطاع غزة، يحيى السنوار، الذي ارتقى في مثل هذا اليوم من العام الماضي خلال اشتباك مباشر مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في مدينة رفح جنوب القطاع. عامٌ مضى على غياب جسد السنوار، لكن فكره وصورته كأحد أكثر وجوه المقاومة صلابةً وتأثيراً في التاريخ الحديث للصراع، لا تزال حاضرة بقوة في الذاكرة الفلسطينية.
من السجن إلى قيادة المقاومة
وُلد يحيى إبراهيم السنوار في مخيم خان يونس للاجئين عام 1962، ونشأ ليصبح أحد أبرز مؤسسي الجناح العسكري لحركة حماس، كتائب عز الدين القسام، وشكّل أحد العقول المدبرة التي رسمت استراتيجيات المقاومة في غزة لعقود.
قضى السنوار 22 عاماً في سجون الاحتلال، ليخرج منها ضمن صفقة تبادل الأسرى "وفاء الأحرار" عام 2011، التي أُفرج بموجبها عن الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط.
عودته إلى غزة لم تكن عادية، بل تولى بعدها قيادة الحركة في القطاع، واضعاً نصب عينيه هدفاً واحداً: تثبيت معادلة الردع في وجه الاحتلال، وصون كرامة القطاع المحاصر مهما كان الثمن.
عُرف بشخصيته الحازمة، وصمته الذي كان أبلغ من أي خطاب، وظهوره العلني في شوارع غزة ماشياً "فوق الأرض لا تحتها"، في رسالة تحدٍ واضحة.
العصا التي أصبحت أيقونة
لم تكن العصا الخشبية البسيطة التي حملها يحيى السنوار مجرد أداة يتكئ عليها، بل تحولت في وعي الفلسطينيين إلى رمزٍ للصمود والتحدي والثبات. رافقته هذه العصا في جولاته ولقاءاته، وحتى في لحظاته الأخيرة، لتعكس صورة قائد متجذر في أرضه، بسيط في مظهره، لكنه قوي في موقفه.
الصورة التي خلدت مشهد استشهاده، والتي انتشرت بشكل واسع، أظهرته جالساً على أريكة وسط منزل مدمر بالكامل، محاطاً بالركام، وهو يمسك بعصاه بثبات، في مشهد جسّد تحدياً هادئاً للموت والدمار.
هذه الصورة حولت العصا إلى أيقونة تروي حكاية مقاومٍ لم ينحنِ حتى الرمق الأخير.
الذكرى والأسطورة: رحيل الجسد وبقاء الفكر
لم يُنهِ استشهاد السنوار حضوره، بل كرّس الأسطورة التي نسجها بمواقفه. الروايات الفلسطينية تؤكد أن مشهد استشهاده لم يكن في نفق تحت الأرض، بل فوقها، في مواجهة مباشرة، مشتبكاً حتى اللحظة الأخيرة.
هذه النهاية تركت رسالة مفادها أن المقاومة تُعاش وتُواجه على أرض الواقع، لا في الخفاء.
لقد آمن السنوار بأن المقاومة ليست خياراً سياسياً يمكن التفاوض عليه، بل هي قدر شعب يناضل من أجل حريته. وفي خطاباته القليلة، كان يكرر رسالته التي أصبحت عقيدة لدى الكثيرين: "غزة لا تجوع، وغزة لا تنكسر، وغزة لا تساوم".
اليوم، وبعد عام على رحيله، لا يُذكر يحيى السنوار كقائد عسكري وسياسي فحسب، بل كرمز لمرحلة كاملة من وعي غزة وصمودها.
هو الرجل الذي رحل جسداً، لكن صدى صمته ومواقفه ما زال يتردد في شوارع غزة، ليؤكد الدرس الذي تركه خلفه: أن لا تنحني.
0 تعليق