عاجل

ماذا يفعل الشرع في موسكو؟ - الأول نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

انقر هنا للمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعي

share2

هذه هي السياسة؛ تجمع أعداء الأمس على طاولة مصالح الحاضر وفرص المستقبل، وتجعل الرئيس السوري أحمد الشرع ضيفا يستقبله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بكل حفاوة في قصر الكرملين في موسكو.

على الرغم من الذاكرة القريبة للحرب التي كانت روسيا فاعلا رئيسيا فيها، تقصف بطائراتها إدلب كما قصفت باقي المحافظات السورية دفاعا عن نظام الأسد البائد، فإن الحكومة السورية تتعامل بواقعية وحكمة مع إحدى أكبر القوى الدولية وأهمها، الأمر الذي بدأ منذ استقبال نائب وزير الخارجية في دمشق مطلع 2025، ثم زيارة وفد من الحكومة السورية يضم وزير الخارجية، ووزير الدفاع إلى موسكو ولقاء الرئيس الروسي نهاية يوليو/تموز 2025، ثم استقبال نائب الرئيس الروسي في دمشق منتصف سبتمبر/أيلول 2025.

الرئيس السوري كان قد دُعي لزيارة موسكو ضمن القمة الروسية العربية التي كانت ستُعقد في العاصمة الروسية منتصف أكتوبر/تشرين الأول 2025؛ لكن القمة تأجلت عن موعدها، وبقيت الدعوة للرئيس السوري قائمة، حيث وصل إلى موسكو، ومعه وفد رفيع ضم وزير الخارجية، ووزير الدفاع، ورئيس الاستخبارات، والأمين العام لرئاسة الجمهورية.. فما هي الأمور التي ستناقشها القيادة السورية مع الرئيس الروسي؟ وما تداعيات هذه الزيارة على طبيعة العلاقات والملفات المتداخلة بين البلدين؟

سوريا لن تستغني عن السلاح الروسي حاليا

صحيح أن سنوات الحرب قد دمرت جزءا كبيرا من الجيش السوري وأسلحته، وأن إسرائيل تكفلت بتدمير معظم ما تبقى، إلا أن سوريا مضطرة لصيانة الفضلة الباقية وترميمها وإصلاحها، والمصدر الوحيد الحالي لذلك هي روسيا.

تعيد الحكومة السورية تشكيل الجيش والقوى الأمنية لتواجه مجموعة واسعة من التحديات الداخلية والخارجية، وهي بحاجة إلى التسليح والتذخير الجديد، وإصلاح القديم وصيانته، وروسيا هي الجهة الرئيسية التي تستطيع توفير ذلك بعيدا عن انتظار إجراءات رفع العقوبات الدولية والأممية، وبعيدا عن الحسابات الغربية التي تضع شروطها، والتي من المبكر الحديث عن دعمها العسكري للحكومة السورية، خاصة مع التأثير الإسرائيلي الذي سيجتهد في منع ذلك.

إعلان

وبعيدا عن الحسابات السياسية وتعقيداتها فإنه لا يمكن الحديث عن انتقال سهل وسريع من التسليح الشرقي إلى التسليح الغربي في سوريا حاليا، وليس النظام السابق فقط في سوريا من كان يستخدم السلاح الروسي، بل معارضته المسلحة التي ثارت عليه عام 2011 استخدمت السلاح ذاته، ووصلت اليوم إلى السلطة، وهي تتقن استخدام هذا السلاح.

كان الحديث عن السلاح والتسليح حاضرا بالفعل في لقاء الرئيسين السوري والروسي، فضلا عن المشاورات التي عقدتها وزارة الدفاع السورية وجهاز الاستخبارات مع المسؤولين الروس في دمشق وفي موسكو، ويتوقع أن يكون هذا الملف هو أسهل ملفات التفاهم والاتفاق بين الجانبين.

روسيا تريد الحفاظ على قواعدها شرق المتوسط

لقد دافعت روسيا عن نظام الأسد؛ لأن استمراره كان الضامن لبقاء المصالح الروسية في سوريا، لكن مع تفكك نظام الأسد وتحوله إلى عالة على روسيا، أصبحت موسكو أكثر مرونة في تقبل سيناريوهات أخرى تضمن مصالحها، الأمر الذي بدا واضحا بعد انطلاق عمليات ردع العدوان، وانهيار نظام الأسد في حلب.

أصبحت بوصلة موسكو الحفاظ على مصالحها في سوريا، وخاصة قاعدة طرطوس البحرية وقاعدة حميميم الجوية، وفي سبيل ذلك قدمت عرضها في اجتماعات الدوحة التي عقدت في ديسمبر/كانون الأول 2024 بإخراج بشار الأسد من المشهد، ونقله إلى روسيا، وبذلك توقفت المعارك بعد حمص، ودخل الثوار دمشق دون قتال.

قد يكون على الحكومة السورية الالتزام بضمان المصالح الروسية، لكن من جانب آخر فإن هذه المصالح الروسية الحيوية لن تكون بالمجان، وعملية الاستقرار في سوريا اليوم تحتاج إلى موقف إيجابي من روسيا يساهم في توفير الأسلحة والذخائر والوقود والقمح، والكثير مما تستطيع الموارد الروسية تقديمه بسخاء، فضلا عن الموقف في مجلس الأمن خاصة فيما يتعلق برفع العقوبات ورفع التصنيف، وفضلا عن الدور السياسي الذي قد تساهم فيه موسكو بالضغط على تل أبيب إلى جانب الضغط الأميركي، وباجتماعهما ستكون فرصة رضوخ حكومة نتنياهو أكبر بإعطاء فرصة للاستقرار في سوريا.

وفي المقابل، تستطيع روسيا أن تقوم بدور سلبي بتحريض خلايا النظام السابق وتوفير التغطية الاستخبارية لهم وتأمين اتصالهم برموز نظام الأسد وقياداته، كما تستطيع أن تعزز الخلافات بين قوات سوريا الديمقراطية "قسد" والحكومة السورية، وتعقد الأمور بين الطرفين أكثر مما هي معقدة، وتدرك الحكومة السورية هذه الأدوار وتتجنبها، وتحرص على أدوار أخرى تكون فيها موسكو داعمة لوحدة الأراضي السورية واستقرار البلاد، مقابل مصالح مشتركة ومتقاطعة بينها وبين الحكومة السورية.

المصالح الأهم بالنسبة لروسيا هي القواعد شرق المتوسط، وتحديدا قاعدة طرطوس البحرية، التي تؤمن الدعم اللوجيستي للقوات الروسية في البحر المتوسط وشمال أفريقيا ووسط القارة السمراء وشرقها، ودون هذه القاعدة اللوجيستية سيكون من الصعب على روسيا أن توجد لها موطئ قدم بعيدا عن نطاق ما كان يعرف سابقا بالاتحاد السوفياتي.

من المتوقع أن تصل روسيا إلى صيغة تفاهم مع الحكومة السورية حول بقاء قاعدة طرطوس البحرية، وسيكون هذا في مصلحة الحكومة السورية ليس فقط مقابل الكثير الذي قد تقدمه موسكو لاستقرار سوريا وأمنها الغذائي واللوجيستي والأمني، بل أيضا للحفاظ على توازن العلاقات بين أقطاب الصراع الدوليين بما لا يجعل سوريا مجددا مسرحا لتبادل الرسائل والضغوطات وتصفية الحسابات.

مستقبل العلاقات الروسية السورية

ليس من السهل على الحكومة السورية أن تبني علاقاتها مع مختلف الأطراف دون أن تتأثر هذه العلاقات بحجم الاستقطاب الكبير الذي تشهده القوى الإقليمية والدولية، خاصة في موقع جيوسياسي يضع سوريا في وسط ساحات التغيير والتنافس بين هذه القوى.

إعلان

على المستوى الداخلي لم تستكمل الحكومة السورية فرض سلطتها على كامل الجغرافيا، كما لم تستكمل بعد بناء مؤسساتها السياسية والحكومية وقواها الأمنية والعسكرية، الأمر الذي يحد من قدرتها على التفاوض مع فاعل دولي مثل روسيا.

وعلى المستوى الخارجي فإن الشرق الأوسط يشهد تجاذبات كبيرة بلغت ذروتها بعد طوفان الأقصى وما تبعه من معارك ومواجهات، ساهمت بتغيير مشهد المنطقة، وكانت سوريا جزءا من ذلك، غير أن هذه المواجهات لم تنتهِ بعد، وما بدأ في لبنان وامتد إلى سوريا سوف يستكمل طريقه إلى العراق، وربما تنتظر إيران المزيد من الضغوطات والتهديدات التي تستهدف نظامها السياسي وليس مجرد نفوذها الخارجي.

وأمام هذا كله فمن المبكر الحديث عن اتجاه واضح تذهب إليه العلاقة بين الحكومة السورية وأي من الفاعلين الخارجيين، حيث ما تزال المنطقة بقواها الإقليمية والدولية المتصلة مع الفاعلين المحليين في حال من السيولة الأمنية والسياسية العالية.

ومع ذلك فإن الاستقرار في سوريا يبقى سببا لاستقرار المنطقة، الأمر الذي تعمل على دعمه جميع الأطراف التي ترتبط مصالحها بالاستقرار والتنمية، وفي مقدمتها دول الخليج العربي، وتركيا، وروسيا، بينما يبقى الأمر نسبيا للولايات المتحدة التي ما تزال متأثرة بشكل كبير بمقاربات إسرائيلية يقودها نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة، ومن المفارقة أنها بنفس الاتجاه مع المقاربة الإيرانية، حيث كل منهما تجد مصلحتها في الاستثمار بإثارة الفوضى في سوريا، وعدم الاستقرار المستند إلى وحدة البلاد.

أمام هذه الاصطفافات الجديدة والتي لا يتضح فيها الموقف الغربي بعد، فإن الفرصة كبيرة أمام الحكومة في دمشق وأمام الكرملين في موسكو أن يجد كل منهما مصلحته في فتح صفحة جديدة مع الآخر عنوانها تقاطع المصالح التي تغلب ذاكرة لم تجف دماؤها ودموعها بعد.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

0 تعليق