الزاوية وطرابلس… قذائف وكمّامات ورتب عسكرية في مشهد انفلات لا يُحتمل
حي الشرفاء: طفل قُتل ولا تحقيق ولا موقف
لم يَمضِ أسبوعٌ على كارثة المقذوف العشوائي في حي الشرفاء بمدينة الزاوية، الذي أودى بحياة الطفل معاذ مروان المرغني وأصاب شقيقه عبدالرحمن، من دون أي موقف من حكومة أو داخلية أو حتى بلدية: لا إعلان عن تحقيق، لا مظاهرة، لا وقفة. رحل معاذ من غير أن يعرف سبب موته، لتُضاف صفحة جديدة إلى سجل طويل من الخوف المؤجّل.
قرجي: ضبّاط برتبة «ملازم أول» يسطون في وضح النهار
ولم ينسَ الناس كارثة الشرفاء حتى لحقت بها كارثة أخرى من طرابلس، وتحديدًا منطقة قرجي. خرج المواطن عبدالحكيم الدالي باكرًا إلى محل الصرافة الذي يعتاش منه. توقّفت أمام المحل سيارة نصف نقل بيضاء معتمة بالكامل، ترجّل منها أربعةُ ضبّاطٍ برتبةِ ملازمٍ أوّل ببدلاتٍ عسكرية كاملة، ملثّمون ومسلّحون بـ بنادق كلاشينكوف ومسدسات. وهي ذاتها البدلات والرتب المعتمدة من وزارة الدفاع التي يرأسها عبدالحميد الدبيبة، نعم عبد الحميد نفسه رئيس الوزراء، وهي ذات الوزارة التي يشغل موقع وكيلها عبدالسلام زوبي الذي رُقّي مؤخرًا إلى رتبة لواء من دون توضيح: هل كان ذلك إسهامًا في انتظام الجيش غربًا أم في بسطِ الأمن للمواطن؟
دخلوا المحل فأشهروا أسلحتهم وهدّدوا: «المال أو الحياة». وبجرأة يائسة أغلق الدالي إحدى الخزائن التي تضم بعض الأموال، غير آبهٍ بالتهديدات، فكانت النتيجة رصاصة في قدمه أطلقها أحد المهاجمين الثلاثة داخل المحل بينما كان الرابع يحرس الباب. ومع استمرار مقاومته ارتبك المهاجمون، ففرّوا سريعًا بما تمكّنوا من حمله من مبالغ كانت خارج الخزائن، ونجا الدالي وموظفه بحياتهما هذه المرّة، فيما ظلّ الجناة مجهولي الهوية والانتماء في مشهد بات يتكرّر غرب طرابلس.
سوابق قريبة: ملايين منهوبة وخطفٌ موثّق
هذه ليست المرة الأولى: قبل خمسة أسابيع، تعرّض وكيل شركة «إل جي» في طرابلس لسطوٍ مسلّح سُرق خلاله 7.5 مليون دينار على متن سيارة عسكرية مصفّحة. وفي 17 سبتمبر الماضي، تعرّض التاجر هشام التكازي لعملية سطوٍ سُرق خلالها 4.5 مليون دينار، واختُطف مع المبلغ وغيرهم الكثبر.
غوط الشعّال: جريمة موثّقة على يد عنصر أمني
وعُثر في غوط الشعّال على جثة فتاة داخل شقتها؛ الجاني عنصرٌ في أحد الأجهزة الأمنية قتلها بأداة حفر حادّة «بالة». انتشرت الجريمة بقوة بعد توثيق أحد الجيران للفيديو الذي ظهر فيه سيف الدين الرقيعي الملقّب بـ«شلبي» وهو يضربها بلا رحمة.
وزارة داخلية عاجزة… ومنظومة مساءلة هشّة
هذه الجرائم وسواها حوّلت غرب ليبيا إلى بؤرة للجريمة والتدهور الأمني؛ مواطن يُستهدف ولا يدري لماذا، وآخر يرحل ولا يعرف سبب موته. إنه فشلٌ ذريع لوزارة الداخلية برئاسة عماد الطرابلسي في ضبط الأمن وردع الجرائم، بما فيها تلك التي تُرتكب بأيدٍ تحمل غطاءً رسميًا. المؤشّر بالغ الخطورة هو ضعف مؤسسات الضبط والمساءلة داخل المنظومة الأمنية. وحين يفقد الناس شعورهم بالأمان حتى من بعض العناصر التي يُفترض أن تحميهم، تتحوّل الحالة من قصورٍ إداري إلى أزمة ثقة شاملة بين الشعب والدولة.
تتجلّى هذه المظاهر في انتشار السرقات والانتهاكات بلا محاسبة، وتغاضي قياداتٍ أمنية عن ممارسات تشكيلات تعمل تحت غطاء رسمي، مع غياب الشفافية وضعف الرقابة وندرة العقوبات الرادعة؛ ما كرّس الإفلات من العقاب، وأضعف هيبة القانون، وعمّق شعور الظلم.
الإصلاح يبدأ من الداخل
استعادة هيبة الدولة تمرّ عبر إصلاح وزارة الداخلية من الداخل: تطهيرها من العناصر الخارجة عن القانون، وإعادة بناء منظومة مهنية خاضعة للمساءلة، هدفها الأول حماية المواطن لا تهديده.
مفارقة «الدولة المدنية»… وواقعٌ على الأرض
اليوم، يسخر المواطن من مردّدي مصطلح «الدولة المدنية» في غرب البلاد؛ فيما تُتّهم مناطق الحكومة الليبية والبرلمان بأنها «خاضعة لحكم العسكر» رغم ما تشهده تلك المناطق من أمانٍ وإعمارٍ واضحين لا يمكن إنكارهما. الوقائع على الأرض تثبت حضور شركات أجنبية تعمل من سرت غربًا حتى الحدود الليبية–المصرية شرقًا، ومن سواحل المتوسط إلى حدود ليبيا الجنوبية مع السودان وتشاد والنيجر، وصولًا إلى الجنوب الغربي مع الجزائر والتي كان أخر هذه الفاعليات ملتقى الاعلام العربي الذي حضره نخبة من الإعلاميين العرب، والمباراة المشهورة التي تمت في ملعب بنغازي بين نادي ألأنتر الإيطالي وأتلاتيكو مدريد الإسباني تحت اسم “كأس الإعمار”؛ بينما غربًا الميلشيات تعبث بالأمن وتتحكّم بالمصير.
لا دولة تُبنى تحت ظل السلاح، ولا مدنية تُصان بيد الخارجين عن القانون.
متابعات المرصد – خاص
0 تعليق