القدس المحتلة- تشهد الساحة السياسية الإسرائيلية حالة واضحة من الاصطفاف وإعادة التموضع، في ظل التفكك البطيء الذي يعيشه ائتلاف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ومع تنامي القناعة العامة بأن البلاد تتجه نحو انتخابات مبكرة في منتصف عام 2026.
وتشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أن حزب الليكود استعاد جزءا من قوته الانتخابية، لكنه لا يزال عاجزا عن ضمان أغلبية تمكّنه من تشكيل حكومة جديدة.
وفي الوقت الذي يواجه فيه الائتلاف الحالي تراجعا في التماسك والشعبية على خلفية قانون تجنيد الحريديم، وأزمة الموازنة للعام 2026، والتعديلات في الجهاز القضائي، تسعى أحزاب المعارضة إلى استثمار هذا الضعف عبر بناء تحالفات واسعة تجمع بين معسكرات الوسط واليسار واليمين التقليدي.
وتهدف هذه التحركات إلى تشكيل جبهة سياسية قادرة على تحقيق أغلبية حزبية يهودية تنهي حكم اليمين المتطرف، وتعيد المشهد السياسي إلى مسار أكثر "اعتدالا"، من وجهة نظر بعض التحليلات الإسرائيلية.
وبينما تتسارع وتيرة المشاورات والاتصالات بين قادة الأحزاب، يبدو أن المرحلة المقبلة، بحسب القراءات الإسرائيلية، ستتسم بصراعات تحالفية مكثفة تمهّد لانتخابات مصيرية قد تعيد رسم الخريطة السياسية لإسرائيل.
تقدم المعارضة
أظهر استطلاع للرأي العام الإسرائيلي، نُشرت نتائجه مساء الخميس، أن حزب الليكود بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة- ما زال يتصدر المشهد السياسي، إذ سيحصل على 27 مقعدا لو أُجريت الانتخابات اليوم، في حين تبرز قائمة عربية مشتركة كقوة رابعة بـ11 مقعدا، في مؤشر على تغيّر نسبي في خريطة الكتل الحزبية داخل إسرائيل.
وأجري الاستطلاع لصالح القناة 12 الإسرائيلية بواسطة معهد "ميدغام" برئاسة مانو غيفاع، عبر الإنترنت والهاتف، وشمل عينة تمثيلية من 501 شخص، بنسبة خطأ قصوى تصل إلى 4.4%.
إعلان
وبحسب النتائج، تواصل أحزاب الائتلاف الحكومي بقيادة نتنياهو تراجعها، لتتوقف قوتها عند 51 مقعدا فقط، بينما تحصد أحزاب المعارضة واليمين التقليدي 59 مقعدا، دون أن تمتلك الأغلبية الكافية لتشكيل حكومة يهودية مستقرة، أما الأحزاب العربية، فتبقى عند حدود 10 مقاعد في حال خوضها الانتخابات بشكل منفصل.
وفي تفاصيل النتائج، يحافظ حزب الليكود على الصدارة بـ27 مقعدا، يليه الحزب الجديد لرئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت بـ21 مقعدا، ثم حزب "الديمقراطيون" بقيادة يائير غولان بـ13 مقعدا.
أما أحزاب "هناك مستقبل" برئاسة يائير لبيد، و"شاس" بزعامة أرييه درعي، و"إسرائيل بيتنا" بقيادة أفيغدور ليبرمان، فتحصل كل منها على 9 مقاعد، بينما ينال إيتمار بن غفير وحزبه "عظمة يهودية" 8 مقاعد.
أما حزبا "يَشار-مستقيم" بقيادة غادي آيزنكوت و"يهدوت هتوراه"، فيحصل كل منهما على 7 مقاعد، بينما تفوز الجبهة والعربية للتغيير والقائمة الموحدة بـ5 مقاعد لكل منهما، بالمقابل، يفشل "أزرق أبيض" بزعامة بيني غانتس، و"الصهيونية الدينية" بقيادة بتسلئيل سموتريتش، في تجاوز نسبة الحسم.
تراجع نتنياهو
وفي سيناريو آخر شمله الاستطلاع، يتضمن مشاركة قائمة عربية مشتركة وتحالفا بين حزبي بن غفير وسموتريتش، أظهرت النتائج تغيّرًا في التوازن الحزبي:
إذ تبقى قوة الليكود ثابتة عند 27 مقعدا. بينما يحصل بينيت على 20. ويأتي "الديمقراطيون" ثالثا بـ 12. لتحتل القائمة العربية المشتركة المركز الرابع بـ11 مقعدا. تليها قائمة اليمين الديني المتشدد بـ9 مقاعد.أما أحزاب لبيد، درعي، وليبرمان، فتبقى مستقرة عند 9 مقاعد لكل منها، في حين ينال كل من "يهدوت هتوراه" و"يَشار" 7 مقاعد، فيما تظل أحزاب مثل "أزرق أبيض" و"ميلوئمنيكيم" (احتياطيو الجيش) دون نسبة الحسم.
أما في سؤال الزعامة، فقد احتفظ نتنياهو بتفوق نسبي على منافسيه، إذ اعتبره 39% من المستطلعين الأنسب لرئاسة الحكومة، مقابل 37% لصالح نفتالي بينيت، و26% ليائير لبيد.
وتظهر هذه الأرقام تراجعا ملحوظا في ثقة الجمهور بنتنياهو مقارنة بما قبل عملية طوفان الأقصى، حين كان يحظى بدعم يتجاوز 50% من المشاركين في الاستطلاعات.
"حكومة نتنياهو هي المسؤولة".. زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد يقول إن إسرائيل تعيش أخطر أزمة سياسية في تاريخها، فما الأسباب؟ #إنفوغراف pic.twitter.com/XLFOHGAZIs
— قناة الجزيرة (@AJArabic) October 21, 2025
اليمين والمعارضة
لم يكن لبيد ولا غانتس، بل بينيت وحده من اقترب فعليا من إزاحة نتنياهو سياسيا، قبل أن تغير العملية العسكرية الإسرائيلية "الأسد الصاعد"، ضد إيران في 13 يونيو/حزيران الماضي مسار المشهد تماما.
يقول الدكتور مناحيم لازار، خبير استطلاعات الرأي في صحيفة "معاريف"، إن الهجوم على إيران أعاد الليكود إلى الحياة بعد فترة ركود طويلة، موضحا أن الحزب قفز من نحو 20 إلى 27 مقعدا خلال أشهر قليلة.
ويشير لازار إلى أنه في 11 يونيو/حزيران كان بينيت يتفوق على الليكود بفارق 6 مقاعد (27 مقابل 21)، وتعزز هذا التراجع في أغسطس/آب بسبب دخول غادي آيزنكوت السباق، وعودة "الصهيونية الدينية" إلى الحلبة السياسية باستطلاعات الرأي، إلا أن الليكود استعاد زخمه منذ سبتمبر/أيلول وواصل الصعود حتى أكتوبر/تشرين الأول الحالي، حيث انقلبت المعادلة وعاد إلى الصدارة.
إعلان
ويرى لازار أن مكاسب الليكود تأتي أساسا من داخل كتلة اليمين المتطرف، لا من انتقال أصوات من المعسكر المعارض، إذ لا تزال الخريطة الحزبية متوازنة وهشة، فكتلة اليمين الأرثوذكسي المتطرف لا تتجاوز 51 مقعدا، والمعارضة اليهودية بدورها عاجزة عن تشكيل أغلبية دون الأحزاب العربية.
ويضيف لازار أن الليكود وحزب بينيت يظلان عرضة للتقلبات السياسية، في حين تبدو أحزاب مثل "إسرائيل بيتنا" بقيادة ليبرمان و"الديمقراطيون" بزعامة غولان أكثر استقرارا.
ويختتم قائلا "الأحزاب الصهيونية الصغيرة قد تحسم مستقبل المشهد السياسي، فالكتلة التي تنجح في توحيد صفوفها ستكون الأقدر على تشكيل الحكومة المقبلة".
فراغ قيادي
تحت عنوان "دون الاعتراف بالفراغ القيادي، لن يكون هناك تغيير"، كتب الباحث والمحاضر في الدراسات اليهودية يائير أسولين في صحيفة "هآرتس" مقالة نقدية لاذعة تناول فيها أزمة القيادة التي تعيشها إسرائيل، والتي برزت بوضوح منذ عملية طوفان الأقصى وخلال الحرب المستمرة على غزة.
ويرى أسولين أن ما يبدو نهاية للحرب ليس سوى وهم مؤقت، فـ"لا شيء قد انتهى فعليا" -كما يقول- مضيفا أن الواقع في غزة لم يتغير جوهريا، وأن حركة حماس لا تزال تمسك بزمام السيطرة.
ومع اقتراب الحديث عن انتخابات برلمانية جديدة، يرى أن إسرائيل تواجه فراغا قياديا عميقا ونهائيا يشمل جميع ألوان الطيف السياسي دون استثناء، ويصف الكاتب الحكومة الحالية بأنها "الأكثر فشلا وتعفنا في تاريخ إسرائيل"، معتبرا أن غياب القيادة هو جوهر أزمتها.
لكنه في الوقت ذاته يؤكد أن المشكلة لا تقتصر على الحكومة وحدها، إذ تعاني المعارضة بدورها من ضمور فكري وغياب للرؤية، قائلا "لم نسمع منذ سنوات أي صوت حقيقي أو فكرة قادرة على تحريك المجتمع الإسرائيلي، أو توحيده حول رؤية جديدة".
فالقادة الحاليون -كما يصفهم- "يفتقرون إلى الفكر العميق والقدرة على طرح أسئلة جوهرية تعيد تعريف معنى القيادة والمجتمع في زمن الأزمات والتحولات"، مشيرا إلى أن "التغيير في إسرائيل لن يبدأ من السياسات أو البرامج الانتخابية "بل من الصدق والشجاعة الفكرية، بهذه الطريقة فقط يمكن أن يولد التغيير الحقيقي، حتى لو لم نعرف بعد من سيقوده".

0 تعليق